حولات صراع الفاشر : هل ينجح الدعم السريع في تأسيس سلطة موازية في السودان
مزمل عليم (موزارت)

قد نختلف كثيراً حول تاريخ الأداء السياسي للأحزاب السودانية منذ مرحلة ما بعد الاستقلال، وقد نتجادل حول أدوار الجيش في تشكيل المشهد السياسي وهيمنته المتكررة على الحكم، لكنّ ما لا يختلف عليه معظم السودانيين هو أن قوات الدعم السريع لم تكن يوماً مؤسسة دولة حديثة، بل كيان نشأ خارج منظومة الجيش النظامي، ارتبط منذ تأسيسه بمصالح السلطة أكثر من ارتباطه بمفهوم الوطن؛ انشأ الرئيس المعزول عمر البشير هذه القوة في الأصل لمواجهة تمرد الحركات المسلحة في دارفور على نظام الإنقاذ، ومنذ ذلك الحين ظلت تتطوّر في بنيتها وعتادها العسكري، إلى أن تحوّلت إلى لاعب رئيسي في معادلة الحكم، بل إلى خصمٍ للجيش ذاته .
بعد تحرير الجيش السوداني للعاصمة الخرطوم، وود مدني، وسنجة، اتجهت الأنظار غرباً نحو دارفور وكردفان، حيث يبدو أن الدعم السريع، أو من يقف خلفه، قد انتقل إلى خطة جديدة : التمركز في نطاق جغرافي محدود بعد فشله في السيطرة على البلاد بأكملها.
هذا التوجه يعكس محاولة لتثبيت سلطة أمر واقع في الغرب، وربما لتأسيس نموذج شبيه بما حدث في ليبيا؛ حكومتان تتقاسمان النفوذ في جغرافيا واحدة.
وقد يكون ذلك تمهيداً لانفصال مستقبلي أو ورقة ضغط في أي تسوية قادمة، ما يضع السودان أمام مفترق طرق خطير.
لكن خيارات البلاد محدودة وصعبة؛ الحسم العسكري الذي يطالب به الشارع يبدو بعيد المنال في ظل الدعم الخارجي الكبير الذي تتلقاه قوات الدعم السريع، بينما خيار التفاوض معها لا يقل خطورة، لأنه يمنح شرعية جديدة لتشكيلٍ مسلحٍ تأسّس على منطق القوة لا منطق الدولة.
فالتاريخ القريب يؤكد أن أي اتفاق لا يقتلع جذور الميليشيا من بنية السلطة، إنما يؤجّل الصراع فقط.
في ضوء ذلك، يبدو أن سقوط الفاشر – إن حدث – لن يكون مجرد معركة عسكرية، بل تحوّلاً استراتيجياً في موازين القوى داخل السودان نفسه، وربما في الإقليم بأسره.
التجارب السابقة تُظهر أن الميليشيات التي تُبنى على الولاءات القبلية والعلاقات العابرة للحدود، غالباً ما تصبح أداة في أيدي أطراف إقليمية تبحث عن نفوذها عبر إضعاف الدول المركزية.
وإذا كان ثمة دعم خارجي يغذّي هذه التحولات، فهو بالتأكيد ليس بدافع إنقاذ السودان، بل بدافع إعادة تشكيله بما يخدم مصالح الآخرين.
إنّ السودان اليوم أمام سؤال مصيري : هل يمكن أن تستقيم دولة بها جيشان ولكل جيش حكومة خاصة به ؟
الجواب، على الأرجح، لا.
فما لم يُستعاد الاحتكار الشرعي للسلاح، وتُبنَ مؤسسات الدولة على أساس وطني جامع، سيظل السودان مهدداً بالانقسام والتآكل من الداخل، وستظل دارفور عنواناً لصراعٍ لا ينتهي .



