مقالات وآراء

(15) أبريل (مر بلا حلو)

جمال الصديق الامام/ المحامي

مشاهد من الوجع!
مشهد اول: 
رمضان السودان رغم قساوة الطقس والظروف الاقتصادية
يظل هو امتع شهور الله في ارض التحنان، وبراح للمة اهل السودان.
كل الناس في رمضان يصنعون الحب.
كيمان من الفرح المتناثر برضا الرحمن وعفوية اهل السودان!!
لمة الضراء خشبة لمسرح واقع فريد لا تجده الا في السودان!!
حركة الصواني، كركرة جكاكة القزاز المصاحبة لصحن بليلة العدس، تتحرك مع انحناء الصينية نحو الضراء والفرشات التي اجتهد صغارنا في حملها وترتيبها من وقت، ولنفس رمضان رغبة في كل شي قبل الإفطار!!

 

الله أكبر الله أكبر!!
انطلقت من المآذن ومن رادي حاج الطاهر الذي لا يفارقه غالب نهار رمضان!!
الكبير الله خرجت بصوت جماعي يعلو مع حركة سكون الضراء!!
و تناول الناس التمر والماء بلا انتظار او تريث!!
هاااك آ جنا ادي عمك احمد آبري ام الحسن ده!!
ياحاج الصديق خلني من ابري ام الحسن، والله تب رويت، والموية الكتيرة بتمسكني!!

 

همهمات من الحكاوي الزماااان.
ونسات عن الحالة الاقتصادية الراهنة، تجارة حاج مضوي واولاده ، ومَسُور الحسن ود حاج حامد حق السنة الفاتت من مشروع الدالي والمزموم .
وكلام كتير في ساعة صفاء وعفوية!!

 

هكذا تبدو ، وتبدأ ليالي رمضان عندنا، من ملم الضراء و حتى صلاة التراويح.
(١٥) يوم من رمضان ٢٠٢٣م مرت حلوة زي انسام .
كل الناس في بلدي كانوا يصنعون الحب!!
ثم اعقب (١٥) يوم الحلو ( ١٥ ) يوم المر التي امتدت حتى الان ، انه رمضان ( الحلو مر ) بكل تفاصيل مشروبنا البلدي الفريد .

 

قاتل الله الحرب!!
فجأة وبلا مقدمات
صدمت اهل السودان بواقع مرير ، لم يتوقع اهل السودان حدوثه في اسوأ ظنونهم!!
الخرطوم ولعت!!
الناس ما بين مصدق ومكذب
وحتى المكذبين عيونهم ترى النيران وتسمع صوت السلاح ولكنه الرفض الباطني لغرابة ما يحدث في الواقع!!

 

والله الحرب ما بتشبهنا نحن اهل السودان!!
وكلام كتير يدور في ضرا لمة فطور رمضان
يا زول ات ماك نصيح حرب شنو!!
ده زعل ساكت الليلة وباكر بنتهي!!
يا حاج والله الشغلة دي صعبة خلاص
الشفتو انا اليوم ده في السوق العربي ده صعب، صعب!!
آ جنا ها ده زعل ساكت دي ما حرب بقولك!!
الناس ديل متزاعلين من بعض بس، ما في حرب ولا شيتين!!
اصبروا بقولكم!!

 

15 ابريل هزمت طيبتنا العنيدة، وهز دوي المدافع وازيز الطائرات ومجنزرات المتقاتلين ثقتنا في جمال الأرواح المغروسة فينا !!

 

مشهد تاني:
يوم بعد يوم صارت تتوسع الرقعة الجغرافية للحرب، والناس ما بين مصدق ومكذب مذهولين، متوجسين
يا الله كيف الدبارة
يا ربي اصرف عنا بلاك وأصلح حال البلد وولاة امرنا،أصبحت دعاء راتب بعد كل صلاة مغرب.
والحرب يوماً بعد يوم تتسع
القتال أصبح ضاري
والجثث أصبحت تتناثر على الطرقات
صوت الفزعة يا ناس الحقونا ..
كُر علي،، امي ..
يا حليلك يا ود امي..
ابوي مالك..
والناس تتشهود..
والمتقاتلون يتشهودون..
الفزع والخوف اخذ بتلابيب الأرواح..
الجثث تبحث عمن يسترها والمكان!!

 

منازلنا صبحت مقابرنا، والاكفان قطرات من دمع مالح يذرفها اهل القتيل على جثته بدلا عن الحنوط والسدر الاخضر!!
ولا حول ولا قوة الا بالله تخرج بآهه واسى وألم!!

 

أصبح الكل يفكر في الخروج الآمن
وهل من امان في الحروب!!
والحرب تتوسع يوماً بعد يوم
المعيشة أصبحت صعبة
والخدمات غابت..
ولم يغب عشم وقوف الحرب من بعض الاهل..
خرج البعض وما زال البعض يغالبه عشم باكر الحرب بتقيف..
ورائحة الموت عمت الارجاء والجثث الملقاة على قارعة الطرقات
كادت ان تكون مظهراً عادياً من كثرة التقتيل وتناثر النيران!!
للحرب وجه كالح وغريب لم يعتاده اهل السودان!!

 

مشهد ثالث:
انتقلت الحرب من المعسكرات والمؤسسات ، الى بيوت الناس واملاكهم
هنا فطن الناس كل الناس الى ان الشر عم
وان الموت أصبح لا يتخير، وهو قاب قوسين او أدني!!
الخروج أصبح فرض ضرورة، تمليه سلامة الأرواح!!
خرج الناس بملابس، وما خف حمله والعشم في الرجوع لم يبارح اشواقهم
خرجوا بلا سابق تخطيط ولا دراية يلتمسون النجاة فقط..
البيوت اصبحت خراب ، والممتلكات غابت..
شقى سنين وعمار سنوات من الكد والجهد والتعب ، أصبح أثر بعد عين!!
الحرب مسرح اللا معقول وكل شي فيها جائز ..
وفيها انهارت الأجساد قبل انهيار كبرى شمبات وجسر جبل أولياء
ولم يجد الناس من يلومونه ..
ورقعت الحرب تتسع والنيران تعم المكان
و خرج الناس من عاصمة البلاد بلا عدة ولا زاد..
تصور كيف يكون الحال لما تتغرب عن دارك داخل وطنك ..
داراً لا تختفي من حياتك!
داراً كلما نأيت منها قربت!
وكلما نزحت منها جاءت!
داراً حين تكون فيها تكون سعيد جداً بلا هم ولا مغنم..
غير انها بلدك، بيتك، جيرانك، اخوانك، مراتع صباك..
اتجه الناس صوب الدول..
ومن لم يجد اتجه نحو الأقاليم وهم الغالب الاعم، وكانت مدني وجهت الكثير لسماحة ارضها البسامة ..
على كثرتهم استقبلتهم مدني بعبارتها الشهيرة..

“ابتسم انت في مدني”

وابتسمت مدني في وجه الفارين من جحيم الحرب رغم اناتها من قسوة الظروف
الحرب دخلت ود مدني بعد طلقة المدينة الرياضية طوالي..
غافل من يظن ان الحرب تحرق مكان اندلاعها فقط، والغافل من ظن الأشياء هي الأشياء..
مدني كانت ملاذاً امناً لسكان الخرطوم رغم نتوءات سماسرة الحروب، ورغم ندوب الظروف القاسية التي صاحبت أجساد الفارين من ويل الحرب بلا ميعاد وبلا زاد..
ارتاح الناس قليلا في مدني ولكن هل تسلم ود مدني وقد اعيا النضال ابدان أهلها..
فجاءة جاء الدم إلى مدني ..
سقطت مدني بلا قتال، ورغم ذلك سالت دماء الأبرياء ..
انسحب الجيش بلا مبرر ..
انهار كبري حنتوب ..
وتم استباحة ود مدني..
وصبح الهم همين!!
لماذا اختفى الجيش!!
تخيل جيش كاااامل بلا مقدمات يختفي
ومعالم من ود مدني بلا مقدمات تختفي
وامن وامان في ود مدني بلا مقدمات يختفي..
كل شي في ود مدني اختفى الا الموت والدمار والنهب..
واتجهت بقايا أشلاء ود مدني الى مدينة سنار!!

 

وفي الطريق الى سنار ضاعت قرى وهتكت اعراض..
وسلبت ممتلكات سكنت اوجاع..
وفي النفوس شي من حتى!!
لا حول ولا قوة الا بالله!!

 

مشهد اخير:
لشنو وعشان منو كل هذا التعب..
لمتين وحدو وين كل هذا الخراب..
المدارس،، والأطفال يا فاطنه بغنو
المستشفيات،، والمرضى فات فيهم الفوات..
بيوتنا..
مؤسساتنا..
جسورنا ومعابرنا ..
لا النيل القديم ياهو ولا نِحن ..
هِجرتنا القسرية، ومنظر شتاتنا في الموانئ والارصفة..
تسكعنا على طرقات وحواري الغربة، وحالة الاندهاش المرسومة على وجوه اهل البلدان المضيف..
معقول ده سوداني!
ديل سودانيين!

نعم انا..

نحن..
سودانيون سودت الدنيا وجهنا..
حاري آ فاطنه شيلة الفأس..
وأحر وكت تكون مجبوره تنقر في اراضي الناس..
قرابة الثلاث سنوات كل الناس اغراب ..
قرابة الثلاث سنوات كل عقول عقلاء البلد متغربة ..
يا ربي لمتين ..
وعشان منو ..
يظل جرح البلد نازف !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..