
أصبحت شخصية محمد حمدان دقلو “حميدتي” منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023 محوراً للتنافس الإقليمي في القرن الأفريقي والبحر الأحمر. يأخذ هذا التنافس أبعاداً خطيرة في ضوء التهديد الأخير الذي أطلقه حميدتي، والمتضمن خطاباً بـ”الرد بطائرات على أي دولة تهاجمه”، مما يزيد من احتمالية تحول هذا التهديد إلى عنصر يزيد التوترات ويقود إلى نزاع أوسع نطاقاً.
يمثل حميدتي نموذجاً جديداً للفاعل الهجين في أفريقيا: فهو قائد ميليشيا ورجل أعمال وشريك استخباري محتمل لقوى خارجية. تضعه علاقته المتشابكة مع حلفائه، إلى جانب قنوات التواصل غير المباشرة مع جهات إسرائيلية وفقاً لتقارير غربية، عند تقاطع مصالح إقليمية متضادة. إن تحليل فرص تحول هذا التهديد إلى حرب إقليمية جديدة يتطلب تفكيك شبكة تحالفاته، وتقييم قدراته الحقيقية، واستكشاف أهداف القوى الخارجية المستفيدة من حالة الهشاشة في السودان. يمكن القول إن حميدتي نجح في بناء شبكة تحالفات إقليمية اعتمدت في تمويلها على موارد مالية ضخمة مصدرها الذهب، وتنفيذ شبكات تجارة غير رسمية عبر دول خليجية وإقليمية. يضع هذا الارتباط الوظيفي حميدتي في قلب إعادة هندسة التوازنات الإقليمية.
وتمنحه هذه التحالفات القدرة على طرح تهديدات ذات بعد إقليمي، خاصة في ظل الاعتماد المحتمل على دعم لوجستي أو تقني خارجي من حلفاء إقليميين أو عبر شركات أمنية خاصة. في سياق متصل، تفيد التقارير الغربية بأن إسرائيل حافظت على قنوات معلوماتية أو استخباراتية مع فواعل سودانية، بما في ذلك اتصالات تمت عبر وسطاء إقليميين ولقاءات استطلاعية مع شخصيات قريبة من قوات الدعم السريع وأيضاً الفريق عبد الفتاح البرهان.
بقيت طبيعة هذه القنوات محدودة، وغالباً ما كانت استخبارية أو استشارية، ولا ترقى إلى مستوى التحالف العسكري المفتوح. وطبقاً لهذه المعطيات، فإن هذه الشبكات العابرة للحدود واللاعبين الإقليميين هي ما يجعل تهديد حميدتي بالطائرات يتجاوز القدرات العسكرية لقواته إلى حسابات الأمن الإقليمي الجماعي في كل من الساحل الأفريقي والبحر الأحمر. تضمن تصريح حميدتي الأخير “الرد بطائرات على أي دولة تهاجمه”، وهو ما يتطلب التمييز بين ثلاثة مستويات لتحليل هذا التهديد: بيان رمزي ردعي، أو قدرة على استخدام طائرات مسيرة، أو إمكانية تنفيذ عمليات جوية مؤثرة. من الناحية الفنية، فإن القدرة على شن حرب جوية واسعة النطاق محدودة جداً.
لا توجد دلائل موثوقة على امتلاك قوات الدعم السريع لسلاح جو منظم قادر على ضرب أهداف إقليمية باستخدام طائرات. الاحتمال الأكثر واقعية وقابلية للتطبيق هو استخدام طائرات مسيرة، ربما عبر وسطاء إقليميين ودعم فني خارجي، تحت مظلة تقدير تشير إلى إمكانية تحول تهديد حميدتي إلى نزاع إقليمي أو حرب إسرائيلية على مصر بالوكالة. وطبقاً لذلك، فنحن أمام ثلاثة سيناريوهات، منها تصعيد تكتيكي محدود وقصير المدى. يتمثل هذا السيناريو في استخدام طائرات مسيرة ضد أهداف تكتيكية أو داخل دولة مجاورة بشكل محدود. ستكون الردود المتوقعة في هذا المستوى دبلوماسية بشكل أساسي مع احتواء للأزمة. هذا الاحتمال هو الأكبر.
أما السيناريو الثاني فهو تصعيد إقليمي موسع، وينطوي على تنفيذ هجمات حدودية أكثر كثافة. ويحتمل هذا السيناريو تدخل قوى إقليمية لدعم حميدتي بشكل مباشر، مما يفتح المجال أيضاً لتهديد ممرات بحرية مثل البحر الأحمر. أما السيناريو الأشد خطورة، فمن المحتمل أن ينتج عن مشاركة مباشرة لدول إقليمية كبرى في الصراع. الاستنتاج الاستراتيجي هنا هو أن الاحتمال الأكبر يظل تصعيداً تكتيكياً محدوداً، يتمركز حول العمليات بالطائرات المسيرة أو “الردع الإعلامي”. لكن هذا التصعيد يحمل خطر التوسع إذا فشلت الوساطات الإقليمية في احتوائه.
في هذا السياق، تظل مسألة استغلال الصراع السوداني لتحقيق مكاسب استراتيجية هدفاً لبعض القوى الإقليمية والدولية. ذلك أن حالة العلاقة ومستواها بين الأطراف السودانية وبين إسرائيل تحديداً تطرح فرضية يجب الانتباه إليها، وهي مدى استفادة تل أبيب من حالة عدم الاستقرار. حيث إن حسابات إسرائيل الاستراتيجية هي إشغال القاهرة بجنوبها طبقاً لمبدأ “شد الأطراف”، وهو المبدأ الموروث من الاستراتيجيات البريطانية، وكذلك تأمين النفوذ الاستخباري في محيط البحر الأحمر لمنع تمدد خصومها، مما يعني إعادة هندسة التوازنات الإقليمية مستفيدة من علاقاتها بكل من حلفائها. ولكنها ستكون مهددة بالتوازي لعلاقتها مع كل من القاهرة والرياض إذا خرجت المحاولة الإسرائيلية عن حدود المسموح به من مصر والمملكة العربية السعودية أيضاً. كما أنها ستكون من عوامل تصاعد التهديدات الأمنية في البحر الأحمر إلى حد الإضرار بالمصالح الاقتصادية الإسرائيلية. في هذا السياق، ربما من المهم الركون إلى تقديرات كل من معهدي راند وبروكينغز الأمريكيين اللذين خلصا إلى أن إسرائيل تمارس نوعاً من توظيف الأزمات إلى أسقف محكومة تسيطر فيها على التفاعلات بما لا ينتج أوضاعاً مهددة لإسرائيل في نهاية المطاف.
وعلى الرغم من الحسابات المعقدة التي تضع تهديدات حميدتي ضد مصر خصوصاً في خانة “الفرقعة الإعلامية”، وتعبيراً عن ضغوط سياسية وعسكرية وأيضاً داخلية في نطاق قوات الدعم السريع ذاتها، إلا أنه لا يجب التقليل من هذه التهديدات وإمكانية تحولها في لحظة يقرر فيها فاعل إقليمي الضغط على مصر وتهديدها فعلياً. وهكذا يكون على القاهرة بلورة مخططات لإدارة المخاطر المترتبة على الموقف العدائي من جانب حميدتي وقوات الدعم السريع تجاه مصر، خصوصاً في ضوء حادثتي مروي والمثلث الحدودي. ويمكن القول إن القاهرة قد اتخذت موقفاً براغماتياً يتسم بالتوازن الحذر. يتمثل هذا التوازن في ضرورة حماية الأمن القومي المصري، والذي يشمل ملفات النيل والحدود الطويلة والبحر الأحمر، مع الحذر الشديد من الدخول في مواجهات مباشرة. حيث كان حادث مروي الذي شهد احتجاز جنود مصريين اختباراً واضحاً لمدى قدرة القاهرة على إدارة العلاقة. وهكذا فإن تهديد حميدتي بالطائرات يستدعي التعامل معه بسياسة مزدوجة في مواجهة تهديد الفاعل الهجين وحسابات القوى الخارجية، حيث تبرز مجموعة من الخيارات الاستراتيجية التي يجب على مصر والأطراف الإقليمية الداعمة للاستقرار اتباعها لتفادي انزلاق التوتر إلى صراع إقليمي شامل. وطبقاً للمعطيات سالفة الذكر، فإن القاهرة تمارس جاهزية على كل المستويات – طبقاً لمرئياتنا – لمواجهة التهديدات المترتبة على الصراع السوداني، في ضوء إدراكها بتشابك هذا الصراع مع ملفات واستراتيجيات إقليمية، خصوصاً من إسرائيل، حيث تحرص على عدم الانخراط في أية صراعات ذات طابع ميداني. وإلى جانب ذلك، يكون من المطلوب العمل بنشاط على محاولة تفكيك شبكات التمويل والتهريب، خصوصاً شبكات الذهب والصمغ العربي والمعادن، وذلك بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي كمنظمة تعمل في ذات السياق، ومع فرنسا كدولة لديها مخططات في كل من دارفور وغرب أفريقيا. وكذلك تنشيط الدبلوماسية المصرية في إطار تفعيل العقوبات الإقليمية والدولية لشبكات التهريب العابرة في أفريقيا، خصوصاً في كل من مثلث مصر وليبيا والسودان، حيث إنه من المطلوب احترام محددات الأمن القومي المصري من جانب الأطراف سالفة الذكر. وبطبيعة الحال، تتطلب هذه الأزمة تحركاً دبلوماسياً متعدد الجبهات، يتم فيه تفعيل دور القاهرة في مراكز القرار الغربية والإقليمية، مثل واشنطن وبروكسل والرياض. حيث من المقترح أن تتضمن الوساطة الإقليمية الذكية دمج القوى المدنية السودانية في التفاوض وفي معادلة السلطة كجزء من استراتيجية احتواء قوات الدعم السريع وقائدها. في هذا السياق، يكون من المقترح تفكيك السرديات الإعلامية المضللة من جانب حميدتي ومواجهة الخطاب الذي يسعى لتبرير ودعم الفصائل المسلحة، سواء كانت قوات الدعم السريع أو غيرها، سعياً وراء بناء جيش قومي سوداني بعيد عن التحالفات السياسية أو الأيديولوجية.
وفي تقديرنا، إن تهديد حميدتي باستخدام الطائرات يضيف أبعاداً خطيرة للحرب السودانية ويستدعي مراقبة دقيقة. هذا التهديد، حتى لو بقي في مستوى “ردع إعلامي” أو “عمليات مسيرة محدودة”، فإن تبعاته الإقليمية تتجاوز قدراته العسكرية إلى تعريض الأمن الإقليمي الجماعي لمخاطر. وهكذا يكون على القوى الإقليمية الكبرى، وفي مقدمتها مصر، التعامل مع هذا الوضع بسياسات توازن بين الردع المحسوب والحذر الدبلوماسي النشط لتفادي ضغوط جديدة على الأمن القومي المصري.
صادر عن مركز باستيت للدراسات السياسية والاستراتيجية




الحرب التى تجرى الان فى السودان صراع مصالح بين الدول وطرفا النزاع كما يحلو لبعض الناس انهما ادوات فقط المقصود فى هذه الحرب اللعينه هى مصر والضحية الشعب السودانى
نستخرج الذهب ويشترى لنا به سلاح
تصدر المحاصيل الزراعية عبر دول الجوار ويقبض المواطن عملة مزيفة كل يوم لها سعر زيادة عن سعر الامس
تصدر الثروة الحيوانية بالعملة الصعبة وتكون بيد تاجر طفيلى بطينى يجلب لنا بضائع منتهية الصلاحية او يتاجر بالدولار
لنا رب سيرد لنا مظلمتنا قريبا