مقالات وآراء

القوى السياسية لم تتعلم دروس أكتوبر وبلادنا تواجه تحديا مصيريا

صديق الزيلعي

تمر بلادنا بأزمة كارثية تستدعي التفكير العقلاني، والنظر للإطار الأكبر، ولا تنغلق في التفاصيل.
حرك بيان الرباعية الموقف السياسي، واستبشر الناس به. وأعلنت اغلب القوي السياسية والمدنية
ترحيبها بالجوانب الإيجابية، وتبيانها للنقص في البيان أو ما اغفله. وفي نفس الوقت أعلنت القوى التي
اشعلت الحرب، وتصر على استمرارها، مهما كلفت من دمار لبلادنا، رفضها التام للبيان. وهناك اتفاق،
حسب بيان الرباعية، ان القوى المدنية، وليست العسكرية، هي التي تحدد مستقبل الحكم في السودان.
وحتى الآن لا نري حوارا جادا بين هذه القوي. وتمر ذكري أكتوبر وتتحول الثورة لأناشيد ثورية،
تنتشر لمدة قصيرة، ثم نرجع للانشغال بأكاذيب السوسيال ميديا الموجهة. ولم نر تقييما او نقاشا أو
حوارا جادا لتجربة ثورة أكتوبر، ومكانتها في تاريخنا المعاصر، والدروس المستفادة منها، سلبا وايجابا.
شكلت ثورة أكتوبر 1964 حياة شعبنا، وغرست فيه وعيا جديدا، واثبت فشل الحكم العسكري. كما
اكدت ان الانقلابات العسكرية، مهما استخدمت من قوة وقمع وكبت للحريات العامة، فهي لزوال. وان
الشعب السوداني يتمسك بحقه كاملا، في بناء نظام ديمقراطي تعددي، يسمح بالحريات العامة، وحكم
القانون، والتداول السلمي للسلطة. ترسخ ذلك الوعي عميقا، في وجدان شعبنا. واثبت التجارب اللاحقة،
ان حكم العسكر لا يصلح لإدارة البلاد، وهما طال به الزمن. وان المؤسسة العسكرية هي جزء من
مؤسسات الدولة، وليست منظومة فوق الدولة، وتحمل الحق في الحكم، بلا منازع.
دروس ثورة أكتوبر كثيرة ومتعددة، لكن سأختار منها فقط ما يمس، مباشرة، اوضاعنا الراهنة. لعبت
النقابات، خلال النضال ضد الحكم العسكري، دورا متقدما في محاضرة النظام واضعافه. وكانت السمة
الأساسية للنقابات انها موحدة وقوية، وتلتزم بالشعار الخالد النقابة للجميع ولكل حزبه. ولاحظنا، بعد ثورة ديسمبر، كيف تم اعلاء الموقف السياسي الحزبي، على وحدة التنظيمات والتجمعات النقابية. وشاهدنا كيف ان الخلاف حول الخط السياسي الحزبي، مزق الوحدة النقابية. واضعنا، ايقونة الثورة:
تجمع المهنيين، فبهت صوته تماما.
تعجل الأحزاب في الوصول الى مواقع السلطة، كان أحد أسباب انتكاسة الثورة. فأسقاط حكومة سر
الختم الخليفة الأولى، وتقليص نفوذ جبهة الهيئات، قائدة الثورة. ثم التسرع في اجراء انتخابات قبل
التوصل لحل لاتفاق سلمي للحرب الاهلية في الجنوب. وتمت انتخابات جزئية زادت من الشرخ بين
الجنوب والشمال. ثم تكرر التكالب على مواقع القيادة والسلطة بعد إزاحة البشير بانقلاب اللجنة الأمنية.

وعقد شراكة مع عسكر البشير كانت القوي المدنية هي الأضعف فيها، حيث سيطر العسكر على
الاقتصاد والبندقية.
أصبحت الانقسامات سمة مميزة لمنظمات مجتمعنا، من أحزاب وجمعيات وتحالفات وكتل الخ. هناك
أسباب متعددة حول هذه الظاهرة، لا يتسع المجال لخوضها هنا. لكن اود ان اشير لتجربة علينا التعلم
منها، ومن منهجها العقلاني والموضوعي. قرر الحزب الشيوعي خلال دكتاتورية عبود العسكرية، ان
يشارك في انتخابات المجلس المركزي، بينما اتخذت الأحزاب الأخرى موقفا يدعو لمقاطعة الانتخابات.
للوهلة الأولى نري اننا امام موقف به قوي لها طرح متعارض، بل متناقض تماما. لكن الحزب الشيوعي
اتخذ موقفا صحيحا، علينا الاستفادة من أهميته، خاصة في ظروفنا الراهنة. حيث يتسم الموقف السياسي
بالانقسامات الحادة، والتمترس في المواقف، ورفض رؤية الآخرين، مهما كانت الهدف واحدا.
سأنقل فقرة من بيان الحزب حول المجلس المركزي، جاء فيه بتاريخ 9/3/1963، ما يلي:
ان الحزب الشيوعي يهمه أن يكون موقفه واضحا أمام الجماهير العمالية وكل الشعب في هذه النقطة
بالذات، ذلك ان النظام برمته وليس بمشتقاته فحسب، هو نظام رجعي غير ديمقراطي ودكتاتوري، وليس
هناك سوى السذج من يعتقدون في ان تولد الدكتاتورية نظاما ديمقراطيا في نفس الوقت.

ويضيف البيان:
ان الديمقراطية الحقيقية لا يمكن ان تقوم إلا على أنقاض النظام الدكتاتوري. ومن هنا كان رأي الحزب
الشيوعي الذي أعلنه في الكتاب الأسود بمناسبة الذكرى الرابعة للانقلاب العسكري، هو ان المجلس
المركزي جاء أبعد ما يكون عن تحقيق الديمقراطية، بل هو نكسة خطيرة إذا ما قورن بالمؤسسات التي
حققها الشعب قبل انقلاب 17 نوفمبر 1958. إن مجلسا يدعي بانه تمثيلي لا يقوم على مبدأ الانتخابات
المباشرة لكل أعضائه، ولا يمارس كل الحقوق التشريعية، هو مجلس مزيف، إن مجلسا لا يملك حق
النظر في الاتفاقات التي ابرمها النظام الراهن من معونات وقروض كبلت استقلال السودان، وأوردته
موارد التبعية للاستعمار هو مجلس رجعي، إن مجلسا لا يملك تعيين أو إقالة رئيس الوزراء ومحاسبته
هو مجلس لا حول له ولا قوة “. ثم يحدد الحزب الشيوعي هدفه بوضوح ان الحزب الشيوعي حين
يخوض اليوم معركة الانتخابات للمجالس المحلية يعلم حق العلم انه يخوضها في ظل نظام حكم رجعي
دموي، ولا يمكن التعاون معه بأي حال من الأحوال، بل هو يخوضها بهدف تحويل المعركة الانتخابية
والعمل داخل هذه المجالس من أجل مصالح الجماهير اليومية، والى تجميع قوى العمال والشعب في
مؤسسات الجبهة الوطنية الديمقراطية.
في هذه الأيام يدور الجدل عاليا حول دخول او مقاطعة الانتخابات للمجالس المحلية، فان الحزب
الشيوعي السوداني يرى من واجبه ان يؤكد بصورة قاطعة ان الاضراب السياسي العام ما زال السلاح
القوي الذي يمكن ان تشهره الجماهير لإسقاط النظام الراهن، وانه لا مقاطعة الانتخابات او دخولها يمكنان يكون بديلا لهذا الاضراب.

ان الاضراب السياسي سيظل دائما هو المحك لاختبار صحة الطريق الذي تسلكه الجماهير في هذه القضية او تلك بما في ذلك المقاطعة او عدمها. وفي حالة الانتخابات للمجالس المحلية، بينما يرى الحزب الشيوعي أهمية خوض هذه المعركة وتحويلها الى مظاهرة كبرى، والارتفاع بمستوى المعركة سياسيا وتنظيميا من اجل التحضير للإضراب السياسي، يرى البعض الآخر ضرورة مقاطعتها كأسلوب من أساليب المعارضة للحكم العسكري. ومن الواضح ان كلا الشعارين يهدفان في ظاهرهما الى غرض واحد هو معارضة النظام الراهن والرغبة في انهائه. ان الحزب الشيوعي يهمه ان يكون موقفه واضحا امام الجماهير العمالية وكل الشعب في هذه النقطة بالذات. ذلك ان النظام الراهن برمته وليس مشتقاته فحسب، هو نظام رجعي غير ديمقراطي ودكتاتوري، وليس هناك سوى السذج من يعتقدون في ان تولد الدكتاتورية نظاما ديمقراطيا في نفس الوقت. وعليه فان جميع ما يسمى بمؤسسات التطور الدستوري التي تنشأ في ظل هذا النظام لا يمكن ان تلبي آمال الشعب في الديمقراطية الحقيقية.
إن الذين يدعون إلى مقاطعة المجالس المحلية رغم حسن نواياهم ومقاصدهم هم في رأينا يتخذون موقف
غير سليم لا يفيد قضية النضال ضد النظام الراهن. انهم ينادون بالمقاطعة، ولكنهم لا يشيرون الى أي
عمل ثوري بديل في مقابل ذلك. ان الجماهير حين تهرع للتسجيل والترشيح ليس استجابة لنداء الحكومة
او تأييدا لها كما تزعم أجهزة الاعلام الرسمية، ولكنها مدفوعة بغريزتها الثورية لممارسة حق من
حقوقها.
ومع ذلك فان الحزب الشيوعي يحترم بكل اخلاص رأي الذين يدعون لمقاطعة الانتخابات رغم اختلافه
معهم من حيث انهم يكشفون عن موقفهم من النظام الراهن وهذا هو الجوهر الذي نلتقي معهم فيه التقاءا
تاما. وعلى هذا فان الحزب الشيوعي على أتم استعداد أن يعمل عملا مشتركا خارج نطاق الانتخابات. انه
على استعداد للتوقيع معهم فورا على وثيقة تطالب بإلغاء المجلس المركزي والمطالبة بتأسيس برلمان
منتخب انتخابا مباشرا تكفل معه جل الحقوق والحريات الديمقراطية. وهو على أتم استعداد لوضع كل
قواه في عمل إيجابي وجماهيري حقا لتحقيق هذا المطلب الشعبي السليم.

هذا هو المنهج الصحيح للتعامل مع رؤى الاخرين، بعيدا عن خطابات الكراهية والتخوين، وحرق
الشخصيات المختلف معها، بترديد أكاذيب اعلام الاسلامويين. فهلا استوعبنا الدرس وجلسنا معا لسماع
اراء بعضنا البعض، والتحاور معها، والوصول لما هو مشترك، وما هو أهم، وما يلبي متطلبات المرحلة
الحرجة الراهنة.

‫2 تعليقات

  1. مصيبة السودان الأقباط و الحلب و كمان تموا الناقصة بإنضمامهم للحزب الشيوعى الماركسى الذى عدد عضويتة بالعشرات .بل بس و جيش واحد شعب واحد و السودان لن يحكمة بعد اليوم كافر او مرتد أو عميل خائن .

  2. نريدك أن تعلق على الدكتور محى الدين خيرى عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعى فى شهادتة عن دور الحزب الشيوعى فى تمرد الجنجويد و القحاطة يا مدير صحيفة العيدان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..