مقالات وآراء

انفصال دارفور المقومات و المخاطر

عمر الطيب الحسين

تتكون مصادر الوحدة لدولة مستقرة من مزيج من العوامل، تشمل الوحدة الثقافية والاجتماعية مثل الهوية المشتركة، واللغة، والترابط الاجتماعي، بالإضافة إلى الوحدة الاقتصادية كوجود مصالح اقتصادية مشتركة، وتوزيع عادل للموارد، وتنمية اقتصادية شاملة تربط جميع أفراد المجتمع.

اذا اخذنا فى الاعتبار البنية الاجتماعية و التكوين العرقى المتنافر لدارفور و تفشى القبلية و العصبية نجد ان هناك صعوبة حقيقية فى قيام دولة مستقرة قادرة على القيام بواجباتها تجاه مواطنييها. وجود امتدادات عرقية و اجتماعية للعديد من المكونات الاجتماعية خارج حدود دارفور يعقد هذه المساءلة خاصة فى ظل سعى الجهات الاقيليمية و الدولية لاحداث تغير ديمغرافى و احلال و ابدال فى التركيبة السكانية. اضافة الى ذلك نجد ان البنية الادارية للدولة القائمة على اساس قبلى و عرقى الى جانب تفشى العصبية و القبلية و الصراع على الموارد بين تلك المكونات هو رافد للتشتت و التنافر. كذلك نجد ان دارفور ظلت احد مصادر المقاتليين و المرتزقة فى الاقليم الامر الذى يعقد المشهد و يضعف من سلطة اى دولة ناشئة.

من ناحية اخرى نجد ان دارفور و برغم وفرة الموارد الطبيعية و اتساعها الا انه لا يوجد انتاج تجارى زراعى فمعظم الزراعات عبارة عن حيازات صغيرة الى متوسطة الحجم. قبل اندلاع الصراع فى 2003 كانت نسبة مقدرة من صادر الفول السودانى و الصمغ العربى تاتى من دارفور كذلك كان يتم تسويق بعض المنتجات البستانية فى الخرطوم. عدم الاستقرار و انعدام الامن و التدهور المناخى و النزوح ادى الى تراجع الانتاج الزراعى.

اما الانتاج الحيوانى فيغلب عليه الطابع التقليدى. يوجد حوالى ثلث الثروة الحيوانية فى دارفور بينما يوجد حوالى ربعها فى كردفان تجدر الاشارة االى ان صادر الابقار الموجه بشكل اساسى الى مصر ياتى من دارفور كما ان الذبيح فى الاسواق المحلية فى انحاء السودان المختلفة ياتى من دارفور الى جانب كردفان. اندلاع الحرب فى 2024 دفع التجار و المصدرين للبحث عن بدائل فمثلت اسواق الابقار فى النيل الابيض و الازرق مصدرا بديل غطى جزء كبير من احتياجات الصادر و السوق المحلى.

ستواجه دارفور معضلات عديدة فى تسويق و تصدير منتجاتها باعتبارها دول مغلقة و ليس لديها ميناء. عائدات الصادر من الثروة الحيوانية و الزراعة لن تكون كافية كايرادات لدولة ناشئة ذات هيكل ادارى معقد مصمم لتلبية الطموحات الشخصية للافراد الذين يستندون على ثقلهم القبلى فى توسل السلطة. كذلك نجد انها تفتقد الى البنيات الاساسية للنقل و الضرورية للاستفادة من الثروة الحيوانية فهناك مسلخ واحد يمكن ان يستخدم للصادر بينما تنعدم وسائل و منشاءت الاستفادة من مخلفات الذبيح.

لاشك ان الذهب المنتج بواسطة التعدين الاهلى يمثل احد اهم ايرادات الدولة و امراء الحرب فى دارفور. يتراوح انتاج دارفور من الذهب ما بين 52-60 طن سنويا ياتى جلها من جبل عامر (50 طن) بينما تاتى البقية من مناجم التعدين الاهلى فى وسط و شرق دارفور. الدهب من الثروات الناضبة كما ان عائدات لن تكون كافية لتغطية نفقات الدولة الناشئة.

مصادر الايرادات فى دارفور كذلك تشمل النفط المنتج فى بلوك 6 فى الحدود بين شرق دارفور و غرب كردفان حيث توجد 23 بئرمنتجة تم تدمير 90% بعد اندلاع الحرب. و تبلغ انتاجية بلوك 6 حوالى 3000 -5000 برميل فى اليوم. و يتم تصديره عبر انبوب بليلة. الى جانب ذلك نجد ان منطقة بلوك 6 هى منطقة تناف قبلى بين المعاليا و الرزيقات. كذلك هناك نشاط استكشافى للبترول فى المناطق الواقعة شمال غرب الفاشر.

رغم ضعف الموارد و قابلية عدم الاستقرار و المخاطر المرتبطة بقيام دولة فاشلة تشكل مصدر و بورة خطر للدول المجاورة لا يستبعد وجود جهات دولية تعمل على انفصال دارفور و قيام كونتونات مستقلة على نسق ما يحدث فى اقليم جنوب و غرب اقليم كيفو فى الكونغو الديمقراطية. دارفور تحتوى على العديد من المعادن الثمينة و النادرة فى جبل مرة و جبال الميدوب و جبل كوسا و تقابو و جبل الراهب و ابيض. الرصاص يتواجد بكثافة فى شمال و جنوب دارفور و النحاس فى حفرة النحاس فى جنوب دارفور. كذلك يتواجد اليورانيوم و العناصر النادرة فى دارفور. حاليا تهيمن الصين على السوق العالمى و على انتاج العناصر النادرة التى تدخل فى صناعة كل التكنلوجيا الحديثة و مكونات شاشات الهواتف الذكية و السيارات الكهربائية و غيرها. تسيطر الصين على 62% من انتاج العناصر النادرة. بدأ الامريكان و الاورببين ينشطوا للتحرر من سيطرة الصين على هذه الموارد المهمة فعقدت الولايات المتحدة و استراليا صفقات لزيادة انتاج العناصر النادرة كذلك عقدت شركات استرالية و كندية صفقات مع الحكومة الملاوية للاستثمار فى مشاريع كانقكوندا و سونقوى لانتاج العناصر النادرة كما اشتعلت المنافسة بين الدول الثمانية (النرويج، السويد، ايسلندا، كندا، امريكا، غرينلاند، روسيا، الدنمارك) المطلة على ساحل المحيط الاركاتيك للسيطرة على العناصر النادرة التى كشفها ذوبان الجليد فى المحيط الاركتيك نتيجة للتغير المناخى. كذلك نشط ايرك برنس مؤسس شركة بلاك وتر و احد ابرز الداعمين لترمب فى الكنغو الديمقراطية من خلال شركته مجموعة فرونتيا للخدمات فى حماية احتياطية المعادن.

اذن دارفور يمكن ان تكتسب اهميتها من وجود العناصر النادرة و ان يكون عدم استقرارها و تشرذمها احد اجندة القوى الدولية و الامبريالية حتى تتمكن من السيطرة على مواردها المعدنية كما يحدث فى الكونغو الديمقراطية منذ العام 1977. القوى الامبريالية لا تستطيع ان تحقق اهدافها و اجندتها دون مساعدة القوى الاقليمية و قيادات محلية بارزة فى القوى الامنية و العسكرية فى السودان و دارفور.

يلاحظ ان عمليات الجيش السودانى قد توقفت بعد ان احكم سيطرته على العاصمة الخرطوم و لم يحقق تقدم بل تعرض للعديد من النكسات فى كردفان حيث اغتيلت قيادته الميدانية و تم تصفية و اختفاء العشرات من قياداته و تم طرد قواته من النهود و تقهقرت قواتها حتى اصبحت قوات الجنجويد على مرمى حجر من الابيض و اخيرا انسحب الجيش السودانى من الفاشر. سيطرة الجيش على النهود و كردفان تعنى انهيار دفاعات الجنجويد المتقدمة. الصراع بين البرهان و الكيزان يمكن ان يكون احد تلك المسببات فالكيزان و رغم انف ابواقهم و التهم الاعلامية لا يسعون الى تصفية الجنجويد حيث يسيطرون سياسيا و عسكريا على مفاصل اتخاذ القرار فى الدعم السريع.

من المهم اعطاء الاولوية لاستئصال الجنجويد و استبعاد العناصر الخائبة و الخائنة التى تنفذ الاجندة الاقليمية و الدولية من قيادة الجيش و الاجهزة الامنية. ضباط الحركة الاسلامية و قياداتها الامنية جبلوا على تنفيذ اوامر قيادتهم السياسية التى لم تتورع عن التنازل عن الجنوب و فصله و رفضت كل الجهود لاحتواء الصراع فى دارفور فى بدايته و الحوؤل دون اتساعه و تحوله الى كرت ضغط لفصل الجنوب.

الملاحظ تقاعس المجتمع الدولى عن ايجاد حل ناجع للازمة السودانية و العمل على اطالتها. مؤخرا بدأ فى اتخاذ خطوات عملية لانفصال دارفور. المعروف ارتباط العديد من قيادات المنظمات الانسانية بمراكز الدراسات الاستراتيجية و الاجهزة الاستخبارات العالمية. فقد شرعت عدد من المنظمات لتكوين ادارات منفصلة لبرامجها فى دارفور. اعلنت منظمة اللجنة الدولية للانقاذ عن رغبتها فى تعيين مدير لدارفور و اخر للشرق (السودان) مع طاقمهم الادارى القائد (مدير ربنامج و مدير مالى). كذلك اعلنت منظمة وريلد فيشن و منظمة رعاية الطفولة سيف ذا جلدرن عن وظيفة مدير لدارفور.

اذن تقاعس الجيش السودانى عن التحرك نحو دارفور و تفكيك مؤسساءت الجنجويد يقابله نشاط موازى من المؤسساءت المرتبطة بالامبريالية و المجتمع الدولى لتعامل مع سلطة الامر الواقع. المحصلة ستكون هو انتشار الفوضى فى دارفور و سيادة حالة اللادولة كما فى جنوب الصومال و اقليم كيفو و انتقال سكان دارفور للعيش فى ما تبقى من السودان (الشمال و الوسط و الشرق). للحفاظ على وحدة السودان يجب كبح جماح قيادات الحركة الاسلامية و تصفية الجيش السودانى من العناصر الخائنة و تنظيم القوى المدنية الوطنية نفسه للضغط على البرهان و قيادة الجيش لطرد الجنجويد من دارفور.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..