وضع كارثي للناجين من مجازر الفاشر ونذر بانتقال المعارك لكردفان

تشهد محلية بارا وأريافها موجة متسارعة من النزوح والتهجير القسري الذي يتعرض له المدنيون في المدينة على يد عناصر “الدعم السريع” في ظل قلق بالغ من تفاقم الوضع الإنساني بالمنطقة نحو الأسوأ.
تحولت محلية طويلة في شمال دارفور إلى ملاذ لمئات الآلاف من النازحين يقدر عددهم بنحو مليون و300 ألف نازح، منهم ما يزيد على 500 ألف فروا من جحيم الإبادة ومجازر التطهير العرقي التي نفذتها قوات “الدعم السريع” عقب سيطرتها على مدينة الفاشر.
وتتكدس طويلة اليوم بمعسكرات النازحين وأبرزها (زمزم وأبوشوك)، في ظروف كارثية بالغة الصعوبة والقسوة والتعقيد تنعدم فيها المقومات الأساسية للحياة في ظل الشح الكبير لمرافق للخدمات المتاحة.
وكشف المتحدث باسم المنسقية العامة للنازحين بدارفور آدم رجال عن أن تدفقات النازحين إلى منطقة (طويلة) ما زالت مستمرة ليل نهار، حيث يصل المئات بصورة يومية إلى المنطقة وهم في حال متردية، جوعى ومرضى ومنهكون من الرحلة الطويلة القاسية، مشيراً إلى دخول أكثر 450 منهم مباشرة إلى مستشفى طويلة، بسبب الإجهاد والجفاف والإصابة برصاص عناصر “الدعم السريع” على الطريق، معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، إلى جانب حالات من ضحايا العنف الجنسي.
فظائع على الطريق
رجال قال في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، إن الكثيرين ممن وصلوا تعرضوا للنهب والاعتداء بينهم نحو 150 مدنية تعرضن للاغتصاب أثناء الرحلة، إلى جانب عشرات الأطفال من دون عائل في حاجة عاجلة إلى الدعم النفسي، في وقت تندر فيه الخدمات الأساسية والعلاجات مثل المحاليل الوريدية والأدوية المنقذة للحياة، مناشداً منظمات المجتمع الدولي التحرك الفوري لإيصال المساعدات الإنسانية إلى النازحين في طويلة، الذين هم في أمسّ الحاجة إلى الغذاء والدواء والكساء ومياه الشرب النظيفة.
ولفت المتحدث إلى الشح في مواد الإيواء بعدما فاقت الأعداد الطقة الاستيعابية للغرف المتاحة، كما أن محدودية مصادر المياه دفعت النازحين إلى البحث عن الأودية والخيران غير الآمنة، وعلى رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها غرف الطوارئ والمنظمات الموجودة بالمنطقة، لكن الحاجة المتزايدة تستدعي المزيد من العون وفتح الطرق والمسارات لوصول المنظمات والمساعدات.
مأساة أخرى
بالموازاة ومع تدهور الأوضاع الأمنية واستمرار الانتهاكات الواسعة ضد المدنيين بمدينة (بارا) في شمال كردفان، تلوح في الفق نذر مأساة أخرى بالمدينة، عقب اجتياح قوات “الدعم السريع” لها قبل أسبوع، بوقوع أنماط مماثلة من العنف والانتهاكات التي حدثت بالفاشر، بحسب إفادات ناجين فروا من المدينة.
وتشهد محلية بارا وأريافها موجة متسارعة من النزوح والتهجير القسري الذي يتعرض له المدنيون في المدينة على يد عناصر “الدعم السريع”، في ظل قلق بالغ من تفاقم الوضع الإنساني بالمنطقة نحو الأسوأ.
مصابون وعالقون
كشف تقرير ميداني لشبكة أطباء السودان أمس الجمعة عن تجاوز أعداد النازحين من مدينة بارا لنحو 4500 شخص، وصل منهم بالفعل 1900 إلى مدينة (الأبيض) عاصمة الولاية، بينما لا يزال الآخرون وبينهم جرحى ومصابون عالقون في الطريق والقرى المحيطة، في ظروف إنسانية بالغة القسوة ونقص حاد في الغذاء والمياه والمأوى.
وقالت مصادر محلية إن معظم الأسر التي وصلت إلى عاصمة الولاية (الأبيض) كانت في حال شديدة من الإنهاك وسوء التغذية، بخاصة بين الأطفال وكبار السن، في وقت تعاني فيه المرافق الصحية بالمدينة من ضغوط متزايدة يفوق طاقتها التشغيلية إلى جانب النقص الكبير في الكوادر العاملة والأدوية والمستلزمات الطبية.
أزمة جديدة
وحذرت شبكة أطباء السودان من أن استمرار تدفقات النازحين ينذر بأزمة إنسانية جديدة في حال عدم التحرك السريع لتدارك الموقف، مناشدة السلطات الولائية والمنظمات الإنسانية التدخل العاجل لتوفير الحاجات الأساسية للنازحين، ودعت منظمة الصحة العالمية وشركاء القطاع الصحي دعم المرافق الطبية في الأبيض.
ويخشى مراقبون من أن تؤدي المعارك والمواجهات في كردفان إلى تفاقم موجات النزوح وتدهور الأوضاع الإنسانية وتكرار الفظائع والمذابح التي وقعت في كل من الفاشر بشمال دارفور وقبلها الجنينة غرب الإقليم، بخاصة بعدما تحول الإقليم بولاياته الثلاث (شمال وغرب وجنوب) التي يقطنها نحو مليون شخص، إلى أكثر مسارح العمليات اشتعالاً، في أعقاب خسارة الجيش لمدينة الفاشر آخر معاقله في إقليم دارفور.
غارات عنيفة
ميدانياً تابعت مسيرات ومقاتلات الجيش الحربية أمس الجمعة، شن غارات جوية عنيفة على مواقع الميليشيات في مناطق واسعة بغرب وشمال كردفان وشمال دارفور، واستهدفت حشوداً لقوات “الدعم السريع” في محيط مدينة بابنوسة وفي مناطق (المزروب) و(ود بندة) و(أم مراحيك) و(عيال بخيت) و(النهود).
وأوضحت مصادر عسكرية، أن سلاح طيران الجيش نجح مجدداً أمس للمرة السادسة خلال أسبوع واحد في تنفيذ عملية إسقاط جوي من المؤن والعتاد الحربي للفرقة 22 مشاة في مدينة بابنوسة غرب كردفان.
كما استهدفت مسيرات الجيش ومقاتلاته الحربية أمس مواقع للميليشيات ودمرت معدات عسكرية وخلفت مئات القتلى من عناصرها بمدينة الفاشر، وفق المصادر.
حصار خانق
وتفرض قوات “الدعم السريع” حصاراً خانقاً على بابنوسة منذ أكثر من عام، توقفت معه كل الإمدادات عبر الطرق البرية، بعد سيطرتها على كبريات مدن الولاية (الفولة والنهود والخوي)، مما جعل الفرقة 22 ببابنوسة إلى جانب حقول النفط في هجليج، آخر نقاط ارتكاز للجيش في غرب كردفان.
وحذر قائد الفرقة اللواء حسن درموت قوات “الدعم السريع” من مغبة محاولة من الاقتراب من الفرقة، مؤكداً أنها ستكون “مقبرة للجنجويد” متى حاولوا ذلك.
وأكد درموت في مقطع مصور أن قواته في روح معنوية عالية ومنفتحة بصورة كاملة في كل الاتجاهات بالمدينة وفي أتم الاستعداد لمواجهة أي هجمات محتملة.
ومنذ اندلاع الحرب منتصف أبريل (نيسان) عام 2023 شهدت مدينة بابنوسة معارك ضارية سقط خلالها عشرات الضحايا من المدنيين، كما تسببت في دمار كبير للبنية التحتية بالمدينة، وموجات نزوح غير مسبوقة، أفرغت المدينة من معظم سكانها.
قصف كادوقلي
في جنوب كردفان وللمرة الثانية على التوالي خلال هذا الأسبوع استهدفت مسيرة أمس الجمعة مدينة كادوقلي عاصمة الولاية، سقطت إحداها، داخل مقار منظمة الهجرة الدولية بحي (كلبا شمال)، المخصصة لإيواء اللاجئين والنازحين. وأوضحت مصادر طبية، أن القصف تسبب في مقتل ستة من النازحين، وإصابة نحو 12 آخرين جرى نقلهم إلى المستشفى للعلاج.
وتصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة الهجمات المسيرة في ولاية جنوب كردفان، باستهداف مسيرات “الدعم السريع”، لمدن الدلنج وكادوقلي أكثر من ثلاث مرات، خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
عقوبات عاجلة
وفي سياق ردود الفعل الغاضبة المتواترة تجاه مجازر الفاشر، دعت منظمة “هيومان رايتس ووتش” مجلس الأمن الدولي إلى فرض عقوبات عاجلة على قادة قوات “الدعم السريع”، والضغط على الإمارات والدول الأخرى الداعمة لها، لوقف الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها في حق المدنيين في إقليم دارفور.
وقال بيان للمنظمة إن عشرات المقاطع المصورة التي نشرت خلال الأيام الماضية تظهر تلك القوات وهي تنفذ عمليات قتل ميداني وتعتدي على الفارين من الفاشر، في مشاهد تحمل بصمات سجل “الدعم السريع” الحافل بالفظائع الجماعية.
وأكد البيان أن المدنيين الفارين من المدينة واجهوا على طول الطريق عمليات اغتصاب ونهب وقتل، وأن مقاطع الفيديو التي جرى تحليلها تظهر مقاتلين من “الدعم السريع” يعدمون مدنيين جرحى بدم بارد، ويسخرون من الضحايا قبل قتلهم.
وأوضح المدير التنفيذي الانتقالي للمنظمة فيديريكو بوريلو أن الصور القادمة من الفاشر تكشف عن جرائم بشعة تستوجب تحركاً دولياً عاجلاً، مطالباً المجتمع الدولي بتوجيه رسالة حازمة لقادة “الدعم السريع” بأن جرائمهم لن تمر من دون عقاب، مشيراً إلى أن مجلس الأمن والدول الرئيسة به، باتت أمام اختبار حقيقي لردع هذا السلوك الإجرامي، عبر فرض عقوبات فورية على محمد حمدان دقلو (حميدتي) وشقيقه عبدالرحيم.
محاسبة “الأخوين دقلو”
دعت المنظمة، مجموعة الرباعية (الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات)، إلى إعلان موقف واضح لمحاسبة قادة “الدعم السريع”، وتجميد أصولهم وفرض حظر سفرهم فوراً.
وكان المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك حذر من أن خطر ارتكاب مزيد من الفظائع ذات الدوافع العرقية في الفاشر يتزايد بصورة يومية.
بدوره دان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس، الفظائع التي ارتكبت ضد المدنيين في مدينة الفاشر، مشيراً إلى أن المجازر المروعة التي ارتكبت في حق المدنيين في الفاشر لا يقبل بها أي صاحب ضمير حي، ويجب أن توقف فوراً، مؤكداً استعداده للقيام بكل ما يقتضيه الأمر لوقفها.
شيوخ أميركا
وطالب ستة أعضاء بمجلس الشيوخ الأميركي، ثلاثة جمهوريين ومثلهم من الديمقراطيين، بينهم رئيس اللجنة لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس، الولايات المتحدة النظر في تصنيف قوات “الدعم السريع” كمنظمة إرهابية، مع وضع أطر واضحة وآليات لضمان استمرار تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين.
وعبر أعضاء المجلس في بيان لهم، عن شعورهم بالرعب من الحرب الأهلية المستمرة في السودان والإبادة الجماعية والاستهداف العرقي للمدنيين في الفاشر الذي قامت به “الدعم السريع” والميليشيات المتحالفة معها.



