“أبو لولو”.. جزار الفاشر الذي نكل بالمدنيين في السودان

دخل رفقة عصابته مدينة الفاشر وجعل منها مقبرة جماعية لأهاليها، هذه المدينة التي كانت خلال الأمس القريب، قلب ولاية دارفور الذي ينبض بعبق التاريخ ويزدهر بالتجارة.
إنه جزار الفاشر، واسمه الفاتح عبد الله إدريس، المشهور بلقب “أبو لولو”، القائد الميداني ضمن ميليشيا قوات الدعم السريع المتمردة الذي نال فيها رتبة عميد، وصار متزعما لميليشيا الجنجويد التابعة لها، حول مدينة الفاشر لميدان شاهد على أبشع الجرائم في حق المدنيين على مدى الأيام الماضية إذ لم يعد يسمع في شوارعها سوا أصوات صراخهم، والرصاص الحي الذي يسكتهم إلى الأبد.
حصل كل هذا في أيام معدودة، وذلك بعدما اجتياح قوات الدعم السريع المدينة وغزت شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي أخبار تنفيذها لحملة إعدامات ميدانية واعتداءات على مختلف الأحياء واختطافات لسكانها وعلى المستشفيات أيضا.
تتراوح تهم هؤلاء السودانيين العزل، بين محاولة الفرار من المدينة وإدخال المساعدات لأهاليهم، وأحيانا تتجاوز ذلك لتصير التهمة أثقل: الانتماء للجيش السوداني، وهنا تكفي التهمة ولا ضرورة لدليل عليها لتتم تصفية المدنيين على يد “أبو لولو” ومن معه.
مأساة إنسانية.. تنقل فصولها بالصوت والصورة!
“أبو لولو” أشهر شخصيات هذا الفصل الدموي من الحرب، الذي يتمنى العالم بأسره أن يكون الأخير في حكاية الرعب التي يعيشها السودان، يتباهى بجرائمه على مواقع التواصل الاجتماعي وينشرها على شكل مقاطع مصورة.
وليس جديدا على من وصفه الحقوقيون بـ “جزار الفاشر”، لاتهامه بارتكاب جرائم حرب، فمنذ شهر أغسطس/ آب تم اتهامه بمثل هذه الانتهاكات بعد ظهوره في فيديوهات مشابهة من طرف منظمات حقوقية.
يظهر منذ مدة طويلة قبل اعتقاله من قبل قوات الدعم السريع التي ينتمي إليها، بزي عسكري بشعارها، مرتكبا جرائم لا تعد ولا تحصى، في فيديوهات توثق قتله لرجال عزل بعد السخرية منهم، وهو ما يعتبر جرائم حرب بموجب اتفاقية جنيف. وقد أكد منسق الأمم المتحدة في السودان تلقيه لتقارير تؤكد تورط القوات في إعدام الأشخاص العزل.
توثق المقاطع استجواب المدنيين السودانيين في مدينة الفاشر التي أحكمت الميليشيا قبضتها عليها، وذلك قبل إطلاق النار عليهم من مسافة قريبة. وفي مقاطع أخرى يجبر الرهائن على تمجيد قائد الدعم السريع حميدتي قبل قتلهم. كما أظهرت المقاطع أيضا تكدس جثة والتنكيل بها وحرقها، ثم إنهاء مراسم التعذيب والقتل والتنكيل بالاحتفاء بالقائد “أبو لولو”.
ومن أشهر مقاطعه، ذاك الذي يوثق احتفاله مع مجموعة تابعة له قبل أحداث الفاشر حيث يقول: “قتلنا 900 وسنصل قريبا للألف”، وهو يتناول وجبته مع شركائه في الجريمة.
وعلى بث مباشر على تطبيق تيك توك الذي يوثق لكثير من جرائمه، أقر أبو لولو بقتل أكثر من 200 مواطن سوداني خلال معارك الفاشر، لكنه أنكر لاحقا انتماءه للدعم السريع، معتبرا نفسه مواطنا يرد على اعتداءات الجيش.
ردود الفعل حول ما قام بع أبو لولو من فضاعات كانت دولية، وقد لخصها التيكتوكر السوداني عمار بصمة في فيديو قائلا: “أبو لولو هذا ليس بشرا، إنه شيطان في جسد إنسان”.
الاعتقال: بداية محاسبة أم مسرحية؟
في الفاشر لم يعد القتل عملية عنف، بل مسرحية تعرض على وسائل التواصل الاجتماعي. وبعدما شهده العالم من مجازر في حق السودانيين على المباشر، أعلن محمد حميدان حميدتي، قائد قوات الدعم السريع في تصريح مصور، أن “هناك تجاوزات حدثت في الفاشر، وقد شكلت لجان للتحقيق فيها، وأن اللجان وصلت للفاشر رغم العراقيل. وسيتم التحقيق ومحاسبة أي جندي أو ظابط تبث تورطه في ارتكاب أي جرم أو تجاوز للحدود في حق أي إنسان”.
وقد ألقي القبض يوم أمس على “أبو لولو” بالفعل وفقا لتوجيهات قائد الدعم السريع تمهيدا لمحاكمته. كما أعلن قائد قوات الدعم السريع، عن “السماح فورا بحرية حركة المدنيين في الفاشر دون عوائق”. مؤكدا أن “كل المدنيين لهم حرية الحركة وإن كان هناك أي مدني محتجز بطريقة غير قانونية يطلق سراحه فورا”.
لكن هذه التصريحات حسب المراقبين، تأتي متأخرة، فخلال يومي 26 و27 من هذا الشهر تم تسجيل مقتل 2000 شخص في الفاشر على يد المسلحين التابعين لقوات الدعم السريع، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن حسب مصادر سودانية، مما جعل الخارجية السودانية تتهم الميليشيا بارتكاب جريمة”إبادة جماعية”.
وقد وصف حاكم إقليم دارفور عملية اعتقال أبو لولو بـ “المسرحية السمجة”، مطالبا باعتقال قائد القوات وأشقائه ومن نفذ تعليماتهم.

جرائم دامية.. من سيدفع ثمنها!
أعلنت الأمم المتحدة أن الدعم السريع قامت بقتل أكثر من 460 مواطنا سودانيا داخل مستشفى الولادة السعودي بالفاشر لكن القوات تنفي ذلك. بل وأفاد المتحدث باسم قوات الدعم السريع، عمران عبد الله، أن القوات لا تستهدف المدنيين، كما أصدرت القوات أمرا جديدا يفيد بحماية المدنيين والالتزام بالقانون.
وفقا لشبكة أطباء السودان، قتل أكثر من 14 ألف مدني خلال عام ونصف في الفاشر و1500 خلال 3 أيام فقط خلال محاولتهم الهروب من المدينة. وتوجه الاتهامات بارتكاب الفظائع منذ اندلاع الصراع في السودان لكلا الجانبين: قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية. ليصير الوضع الآن في الفاشر مأساويا، ويوصف ما يرتكب في حق المدنيين داخله بجرائم حرب، دون أن يتضح من سيجعل مرتكبي هذه الفظاعات يدفعون ثمنها، ولا متى ستنتهي معاناة أهل السودان.
DW



