مقالات وآراء

[رؤيتي]بنك السودان المركزي يخطط لاصدار الجنيه الرقمي

التاج بشير الجعفري

جاء في الأخبار ونقلاً عن موقع “نبض السودان” أن البنك المركزي يخطط لإصدار الجنيه الرقمي في إطار استراتيجية الدولة للتحول الرقمي تماشياً مع التوجهات العالمية في هذا الإطار.
بشكل عام، تنتشر العملات الرقمية “المشفرة” Cryptocurrencies على نطاق واسع، وهي العملات الرقمية التي تصدرها مؤسسات خاصة حيث أصبحت رائجة في التعاملات المالية على المنصات الإلكترونية لبشراء وبيع الأسهم والسندات المالية في (العالم الافتراضى) بالطبع.
وتستخدم العملات الرقمية “المشفرة” أيضا في التعاملات المالية للأنشطة غير المشروعة والتي يسعى أصحابها لإخفاءها عن قنوات النظام المالي والمصرفي العالمي بسبب العقوبات الدولية المفروضة على بعض الدول، رغم أنه تبين إمكانية تعقب مثل هذه التحويلات وكشف أطرافها.
ويتوفر في العالم حالياً عدداً كبيراً من العملات الرقمية “المشفرة”، منها على سبيل المثال (إيتيريوم وإيثير) وعملة البتكوين Bitcoin التي تم طرحها للتعامل أول مرة في عام 2009م وتعتبر العملة الرقمية الأشهر والأكثر رواجاً وأكبر قيمة سوقية حيث تمثل 60% من مجمل أصول العملات الرقمية “المشفرة”.
ينطوي التعامل في مجال العملات الرقمية “المشفرة” على العديد من المخاطر، أولها أنها مجهولة المصدر تماما، إذ لا يُعرف – في أغلب الأحيان – الجهة التنظيمية المسؤولة عنها أو التي أصدرتها، أضف لذلك عدم وجود التشريعات القانونية اللازمة لتنظيم عملها .. إلا أن الأهم من كل ذلك أن العملات الرقمية “المشفرة” عملات إفتراضية (وهمية) وغير ملموسة أو محسوسة وهو ما يزيد من مخاطر التعامل بها، إضافة لتذبذب اسعارها وعدم ثبات قيمتها نظرا لتأثرها بعوامل خارجية متعددة وهو ما يتسبب في خسائر كبيرة للمتعاملين بها وإمكانية أن تختفي إستثمارات بملايين الدولارات في لمح البصر وهو ما يقلق رواد مجال العملات الرقمية “المشفرة”.
مؤخراً بدأت بعض الدول المتقدمة السماح بتداول العملات الرقمية “المشفرة” في أسواقها ومن تلك الدول بريطانيا وأمريكا التي تقف على قمة هرم النظام المالي العالمي وتديره بشكل كامل،
ووفقا لإعلان صندوق النقد الدولي IMF تبلع القيمة السوقية لأصول العملات الرقمية “المشفرة” 4.2 تريليون دولار (نسبة 2%-4% تقريباً من حجم النظام المالي العالمي) في أكتوبر 2025م وهو رقم ضئيل جداً مقارنة بحجم النظام المالي العالمي، ولكن يلاحظ أن هنالك نمواً مضطرداً في أصول العملات “المشفرة” حيث يتوقع أن تزداد هذه النسبة إلى 10% بحلول عام 2032م.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن المانيا هي الدولة الوحيدة في العالم الني أعترفت بالعملات الرقمية المشفرة ضمن نظامها المالي وبدأت فرض ضريبة على أرباح الأعمال الناتجة عنها.
من ناحية أخرى بدأ الاهتمام يتزايد بموضوع العملات الرقمية وتحديدا تلك التي ستصدرها البنوك المركزية وننوه هنا إلى أن الإختلاف بين العملات الرقمية “المشفرة” الت تصدرها مؤسسات خاصة والعملات الرقمية التي تصدرها البنوك يكمن في أن الأخيرة تسيطر عليها الدولة ويضمنها البنك المركزي بعكس العملات “المشفرة” التي ينطوي التعامل بها على الكثير من المخاطر.ونشير هنا أن أكثر من 90% من بنوك العالم تعتزم استصدار عملاتها الرقمية والتي تعتبر نسخة إلكترونية من الأوراق النقدية .. حيث يتطلب نظام العملات الرقمية وجود بيئة تكنولوجية راسخة ومتقدمة ونظام اتصالات وإنترنت عالي الجودة فضلاً عن ضرورة توفر أنظمة وبرمجيات التأمين والحماية من الهجمات السيبرانية.
لا شك أن المستقبل بشكل عام سيكون للعملات الرقمية Digital currencies حيث يعتبر الاتجاه السائد حالياً وأذكر هنا أن شركة “تسلا Tesla” الرائدة عالمياً في مجال تطوير وتصنيع السيارات الكهربائية وذاتية القيادة والتي يرأسها الملياردير الأمريكي إلون ماسك Elon Mask قد أعلنت قبل فترة لبست بالقصيرة أنها ستقبل العملات الرقمية “المشفرة” في عمليات الشراء لسياراتها الكهربائية ذات الشهرة والجودة العالية!.
نخلص للقول بأن إعلان بنك السودان المركزي عن نيته إصدار عملة رقمية Digital currency، يعتبر خطوة ممتازة ومتسقة تماما مع التوجه العالمي للتوسع في إستخدامات التكنولوجيا والإبتكار واستصدار عملات رقمية بواسطة البنوك المركزية، حيث قطعت بعض الدول العربية وغيرها اشواطاً بعيدة في هذا التوجه.أيضاً نشير هنا أن الصين طرحت “اليوان” كعملة رقمية لمدفوعات التجزئة ودفع الرواتب منذ العام 2019م.
ورغم التحديات الكبيرة التي تحيط بطريقة التعامل في العملات المشفرة التي تصدرها مؤسسات خاصة أو العملات الرقمية التي ستصدرها البنوك المركزية، إلا أن موضوع إصدار عملة رقمية وطنية (الجنيه الرقمي) سيصب في مصلحة الإقتصاد وسيقلل من التعاملات النقدية المباشرة وهو ما سيسهم في التغلب على عمليات التزوير في العملة الوطنية ويساهم في توسيع وتعميم التعامل الإلكتروني وتحقيق الشمول المالي حيث أتوقع أن يكون ذلك عن طريق فتح حساب إلكتروني E-Account أو محفظة نقدية شخصية E-Wallet ليتم تغذيتهما من الحساب المصرفي التقليدي لأجل إتمام المعاملات الرقمية وصولاً إلى التعامل الإلكتروني الكامل في المجال المالي وهو ما يمكن أن يمثل وسيلة إضافية تسهم تسهيل التحويلات وجذب الودائع ومدخرات المواطنين لداخل البنوك، شريطة أن يتم كل ذلك وفق نظام حوكمة مالية وإدارية فعالة ووجود تشريعات قانونية محكمة لضمان انسابية نظام العملة الرقمية دون عوائق.لقد واجه العالم في السنوات الخمس الأخيرة تحديات كبيرة ابرزها وباء كوفيد-19 (كورونا) الذي أرعب الناس ونفرهم من التواصل الحسي المباشر وقد أسهمت الوسائط الإلكترونية كثيرا في تسهيل الحياة وتوفير الاحتياجات الأساسية من خلال التطبيقات المصرفية الإلكترونية وتطبيقات التعليم والعلاج “عن بعد” وغيرها .. ولدينا في السودان انموذجاً ممتازاً في هذا الصدد يتمثل في تطبيق “بنكك” المصرفي الذي سهل كثيراً من إنسابية المعاملات المالية بين الأفراد والأعمال ولايزال.
أختم بالقول أن الخوف والتردد من ولوج المجال الإلكتروني والرقمي في كافة المجالات والإستعداد لذلك، أمر لا مفر منه لأنه يعتبر الإتجاه السائد في العالم حاليا حيث ستهيمن التكنولوجيا والتعامل الإلكتروني على كافة مناحي الحياة وقد بدأ ذلك بالفعل .. لذلك ينبغي الإنطلاق في هذا الطريق فوراً وبدون تردد[email protected]

تعليق واحد

  1. هناك فرق بين العملات الرقمية العالمية،مثل البت مويتو.bitcoin ومقترح اصدار الجنيه الرقمي! وهو في الحقيقة موجود و متداول ولكن بدون اعلانه رسميا! و بدون تحديد لشكله أو رسمه! وقد خدم الناس كثيرا و ما زال يخدمهم…و هو موجود عندنا تحول مبلغا عن طريق بنكك أو فوري..الخ.او عندما تستلم ما يقابله من كاش…
    أيضا من الضروري ان يشرع بنك السودان مع الجهات الاخري في انتاج سبائك الذهب و تداولها رقميا بالجرام تماما كما يتم التعامل الآن بالجنيه بنظام بنكك أو فوري…وذلك بتسليم كل بنك ما يساوي قيمة احتياطيه من الجنيهات لدي بنك السودان سبائك الذهب من عيار 24 بالسعر السائد يومها..علي ان تتعامل كافة البنوك في تبادل الذهب والاتجار فيه بالسعر العالمي ،تشجيعا للانتاج و المنتجين و لخدمة الاقتصاد و لتعزيز موقفها المالي.
    تجدون علي الوسائط مقترح ادخال الذهب الرقمي كنظام موازي لخدمة الاقتصاد القومي.بقلم الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..