ورحل( حلاج) الإسلاميين ، عمار محمد آدم

ورحل( حلاج) الإسلاميين ، عمار محمد ادم
رحيل بعضهم، بعضهم الذي لا تحتويه لحظة كتابة، ولا يمكن أن يجاري فقده وصف للدرجة التي تتخيل أن كل الحياة تتعسر في مشيتها وهي تعبر هذا الخبر لأذن السامعين، وتعلن أن فلانًا قد فارق الحياة. وهذا هو ما أحسست به بالضبط وأنا أسمع نبأ رحيل عمار محمد آدم. لكان الحياة مثل سوق عامر وضاج، تدخله على أمل أن تنال منه مقصداً، فيقول لك أحدهم عند مدخله، وهو يضرب كفًا بكف: علامة فوات أوان مجيئك (خلاص شطبنا).
كان هذا هو إحساسي بالضبط وأنا أسمع خبر رحيل عمار محمد آدم، واحد من أهم علامات الوجود في تلك البلاد التعيسة والمبوبة بحشود من تعساء العقول من قادتها، ونخبها (إن كان هناك نخب)، (لايفياتها)، وكتابها، وصحفييها الذين تجري خطوط أقلامهم بحمد النقصان، وقوناتها وصعاليكها. يأتي خبر عمار كصاعقة، فهو واحد من العلامات المهمة في الصحافة والسياسة؛ يقارب هندامها الزائف، ويجادل بفوضوية لطيفة ومشاغبة، ويلقي خلف ظهره دون اكتراث ردود الأفعال والمطاعانات وشين الكلام، ولا يعيرها أي اهتمام سوى صدقه وعفويته.
كان خروج عمار محمد آدم من الإسلاميين بعد ملابسات عنف وتنكيل المخالفين منهم المعارضين لهم، قصة عنوانها الألم الإنساني وقدر الفرد حين يجابه الدولة. (لكن علينا أن نعتذر الآن، لأن ذلك تاريخ بعيد، تاب عنه الإسلاميون، وتحولوا الآن مع حرب الكرامة أكثر رقة ونضارة، مثل دعاية صابون لوكس). والآن ينافسون الجمهوريين في المسالمة والاشمئزاز من العنف.
وعلى ذكر الجمهوريين، عمار، وهو يقول إنه من هتف في سجن كوبر نهار إعدام محمود محمد طه (سقط هبل)، كان كأنه يعتذر عن ذلك الهتاف ويقول: كم كنت غارقًا وقتها في جهالة الأيديولوجيا، ووهم الخطاب الإسلامي. ولعلي مازحته قائلًا: “أنت يوم هتفت صباح انقلاب الإنقاذ: إبادة إبادة! لعرش السادة. أهو السادة هسع (بينو فيك)”.
لا أستطيع أن أقول بأن عمار صديقي، فعمار كان مثل مرفق عام يرتاده الجميع ويصادق الجميع، لكني أجزم بأن بيني وبينه مودة رحيمة الصلة.الآن يرحل عمار، وترحل معه ذاكرة إسلامي جاءه (الكشف) مبكرًا، ورأى في من نفذها وقام بها وجماعته مجرد لصوص جاء بهم حرمان ماضي فقير لمائدة الدولة ومطايب خزائنها. وكان بإمكانه أن يصمت، وكان بإمكانه أن يؤسس شركته ويبني عماراته، لكنه أراد رقة الحال، وأراد رفقة الشوارع، وتتبع غبار نعليه.
رحل عمار محمد آدم، ورحلت معه أمكنة وذكريات. رحل قبل أن يشهد مقتل الخليفة العباسي ونهايته. مات عمار محمد آدم، وماتت آخر (بركة) من ذاكرة الكيزان، إن كان لديهم بركة، لكنه فلت بضميره قبل أن يطاله الاتساخ.



