مقالات وآراء

الحركات المسلحة في دارفور- من الدفاع القبلي إلى لعبة السلطة

زهير عثمان حمد

بعد سقوط الفاشر في يد قوات الدعم السريع (RSF)، يطرح واقع الحركات المسلحة في دارفور أسئلة ملحة عن جدوى السلاح كوسيلة لحل النزاعات أو كأداة للسيطرة والسلطة. هذا الروم الصحفي يأتي في توقيت حرج، ليعيد النظر في تاريخ هذه الحركات، أسباب ظهورها، مسارها، وأفقها المستقبلي في ظل الحرب الراهنة.

المحور الأول: الجذور والتأسيس – لماذا حمل السلاح؟

لم تنشأ الحركات المسلحة في دارفور من فراغ. الإقليم، الذي كان سلطنة مستقلة قبل الاستعمار، شهد تاريخًا طويلاً من إدارة محلية تحكمها الأعراف والقبائل. مع الاستعمار البريطاني وبعد الاستقلال، صارت الخرطوم مركز السلطة والثروة، تاركة الأقاليم الطرفية في تهميش سياسي وتنموي واضح.

تفاقم الصراع مع السياسات المركزية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، والتنافس على الموارد بين القبائل العربية وغير العربية، جعل الدفاع الذاتي ثقافة راسخة. ومع انهيار الإدارات الأهلية وتدفق الأسلحة الرخيصة من تشاد وليبيا، تحولت هذه البنى إلى حركات مسلحة منظمة، أبرزها:

حركة تحرير السودان (SLM) بقيادة عبد الواحد محمد نور ومني أركو ميناوي.

حركة العدل والمساواة (JEM) بقيادة خليل إبراهيم.

حملت هذه الحركات مطالب مزدوجة: حماية السكان من العنف، والرد على التهميش التاريخي. والسؤال المركزي هنا: هل كان السلاح وسيلة دفاع عن النفس، أم أداة ضغط سياسي؟

المحور الثاني: من الاحتجاج المحلي إلى حرب شاملة

تطورت الحركات من احتجاجات محلية إلى صراع مسلح معقد. تدخل أطراف إقليمية ودولية ساهم في تمويل بعض الفصائل، بينما أدت الانقسامات الأيديولوجية والقبلية إلى ظهور عشرات الفصائل.

السلاح لم يعد مجرد وسيلة دفاع، بل تحول إلى أداة سلطة:

السيطرة على الأراضي والطرق والموارد، بما في ذلك مناجم الذهب في جبل عامر، أصبحت مصدر تمويل للحركات.

بعض القادة أصبحوا “أمراء حرب”، مما أدى إلى فقدان الشرعية الشعبية واتهامات بالفساد.

هنا يبرز السؤال الجوهري: هل ضاعت المطالب الأصلية للحركات وسط دوامة الانقسامات والتمويل العسكري؟

المحور الثالث: دارفور “تسقط” – ماذا يعني هذا السقوط؟

سقوط الفاشر وأجزاء واسعة من الإقليم يطرح تساؤلات حول معنى الانتصار والهزيمة:

من وجهة نظر الحركات، السقوط قد يعني الدمار البشري والمادي والمعنوي الذي خلفته سياسات الدولة والحرب.

من جهة أخرى، قد يعني فشل المشروع السياسي الأصلي للحركات في تحقيق العدالة أو تقرير المصير، وتحول الصراع إلى حرب الجميع ضد الجميع.

في ظل الحرب الحالية منذ أبريل 2023، انقسمت الحركات: بعضها مع الجيش، وبعضها محايد أو منحاز جزئيًا للدعم السريع. هذا الانقسام يعكس استمرار المأزق بين السلاح كحل لقضايا الإقليم والسلاح كوسيلة سلطة شخصية أو فصيلية.

المحور الرابع: الحلول المستقبلية – ما بعد السلاح

تواجه دارفور اليوم ثلاثة سيناريوهات محتملة:

الاندماج الكامل: يتطلب إرادة سياسية حقيقية، نظام فيدرالي، دمجًا عسكريًا منضبطًا، وتنمية عادلة – وهو خيار طموح لكنه صعب في ظل انهيار الاقتصاد.

البقاء كقوى موازية: يطيل النزاع ويحول السودان إلى “صوملة” جديدة، مع اقتصادات حرب قائمة على التهريب والموارد.

التحول الهجين: يحتفظ البعض بالتمثيل السياسي مع جناح عسكري محدود، مما يحافظ على ورقة الضغط لكن يعيد إنتاج تبعية السياسة للعسكرية.

الحركات المسلحة اليوم تقف عند مفترق طرق: هل سيكون السلاح وسيلة للتفاوض أم أداة لسلطة مستمرة؟ التجارب السابقة تشير إلى أن السلام الحقيقي لا يصنعه الرصاص، بل العدالة، والمساواة في السلطة والثروة، وثقة المواطنين في الدولة.

السلام يُبنى بالعدالة لا بالرصاص

من دارفور إلى جنوب السودان، أثبت التاريخ أن السلاح يفتح أبواب التفاوض لكنه لا يضمن السلام الدائم. الحركات المسلحة في السودان نتاج انحراف وطني عن العدالة؛ واستقرار الإقليم لن يتحقق إلا بتحويل هذه الحركات إلى فاعلين مدنيين يؤمنون بالسلام، ويعيدون بناء الثقة مع المركز ومع شعوب دارفور أنفسهم.

الفرق بين استمرار النزيف أو تحقيق الاستقرار ليس في قوة السلاح، بل في إرادة سياسية جريئة لإنهاء التاريخ الطويل من التهميش والاضطهاد.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..