مقالات وآراء

عواقب تهديد الجيش للقبائل بالتطهير العرقي

اسماعيل عبد الله

من أراد حرباً نبيلة وشريفة غاب في وعي زائف، الحروب يحدث فيها الأسوأ والأفظع والذي لا يخطر على قلب بشر ولم تدركه عين ولا أذن، والحكيم من سعى لإطفاء نار فتيل فتنتها قبل انفجاره، وليس كما قرر قائدنا (الأحمق) خوض حرب داخلية ضد أحد المكونات العسكرية التابعة لقيادته، لا يمكن أن ترجو من مثل هذا المتهور غير الدمار الشامل، لمثل هذه الأسباب منعت البلدان المحترمة العسكريين من تولي مسؤولية إصدار القرار السياسي، لأن مهنة العسكري خوض المعارك الحربية لا السياسية، ونحن السودانيون أكثر شعوب الأرض إدراكاً لهذه الحقيقة، لأن حصاد تجارب الحكم التي امتدت لسبعين عاما، انتجت لنا حرباً ضروساً قتلت وشرّدت الآلاف، قادة الجيش لا فرق بينهم وبين جنرالات النازية، أوغروا صدور رموز القبائل بالتهديد والوعيد والمسح والكسح والإبادة الجماعية، وما دروا أن ذات الفعل يمتلك أدواته الطرف المهدد والمتوعد ضده، أنصار الجيش بدأوا يتباكون بعد أن أيقنوا استحالة هزيمة من توعدوهم بالتطهير العرقي، وعلموا أن لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه، وأن المستهدفين يسببون الصداع وقادرين على رد الصاع، فدورة الانتقام والانتقام المضاد بين الفصائل المتحاربة لن تتوقف إلّا بعد ان تضع الحرب أوزارها، وربما وصل السودانيون لقناعة واحدة راسخة، مفادها أنه من الاستحالة بمكان أن يبيد قوم قوماً آخرين.

الحروب ديدنها الانتقام والتصفيات الجسدية واغتصاب النساء، من أراد أن يقي مجتمعه هذه الشرور عليه بالسعي الجاد لوقفها، لا الإصرار على شعار (بل بس لآخر جن جويد)، فمن أطلقوا عليهم وصف الجن جويد هم في الحقيقة والواقع مجموعات من القبائل الممتدة من السودان إلى الغرب الإفريقي، التي يفوق تعدادها العشرين مليون نسمة – أي نصف سكان السودان – وبينهم روابط قوية جداً، رسّختها التحديات والحروب التي خاضوها منذ قرون، لقد أفشلوا مشروع حركات دارفور العنصرية حينما رفعت نفس شعار الجيش اليوم، وهتف مناصروها: (نزع سلاح الجن جويد وطردهم والتعويضات الفردية)، من غرائب الأحداث ان أهل وعشيرة القائد الحركي المسلح الذي كان يردد هذا الشعار، الآن يعيشون في أمان تحت حماية نفس (الجن جويد)، الذين يسهلون عبور الإغاثة إليهم في أعلى قمة الجبل، لقد أهلكت هذه الحرب اللعينة – كما وصفها الرئيس محمد حمدان – غالبية جنرالات الجيش العنصري البغيض، ومعهم أمراء حرب المليشيات المساندة، ومن المدهشات المذهلات أن استحقاق ثورة ديسمبر بإرسال الجيش الى الثكنات، يتم اليوم بسواعد جنود قوات الدعم السريع، وهذا أيضاً سببه استفزاز القبائل التي كانت المورد الوحيد للجنود بالنسبة للمؤسسة العسكرية، التي فككها بن حمدان بالبوت و”الشلّوت”، هذه الحرب مغامرة خاسرة قامر فيها الجيش بالوطن وسيذكرها التاريخ.

عواقب تهديد الجيش لهذه القبائل بالتطهير العرقي انعكس في هزيمة المليشيات التابعة له في الفاشر وكردفان، فقد وحّدتها التهديدات وجعلت من تماسكها صبّة خرسانية صلبة مستحيلة الاختراق، من المحيط إلى النيل، ولسان حال هذه الكتل البشرية الضخمة المستعدة للوصول لوكر أفاعي الجيش في أي مكان، يقول ما قالته الصين لأمريكا على لسان واحد من أبرز علمائها: (يمكنكم اطلاق الطلقة الأولى لكننا لن نسمح لكم بإطلاق الثانية، وإن حاولتم مسحنا من الوجود بالسلاح النووي، فنحن أول دولة في العالم حظيت بامتلاك القنبلة الهيدروجينية، التي بإمكانها طي الكرة الأرضية في عشرين دقيقة)، هذا هو لسان حال أفراد القبائل المستهدفة في وجودها التي بلغها وعد ووعيد الجيش، القبائل المعنية بصفة حصرية بما أدلى به جنرالات الجيش من تصريحات واضحة، تحرّض على محوهم من الخارطة، فاليوم القوات التي ينحدر غالبها الأعم من هذه القبائل تتبع لدولة (تأسيس)، وما أدراك ما الدولة؟ – الدولة هي العلاقات الخارجية الموثوقة والتحالفات الإقليمية والدولية المشهودة، فإذا لم تنجح مجهودات “الرباعية” الجارية الآن في إيقاف حرب السودان، ستحدث أكبر كارثة إنسانية يشهدها القرن، ويكون النموذج الرواندي متواضع جداً أمام القادم الأسوأ، في حال لم يرعو الطرف المعتدي الذي أطلق الطلقة الأولى، وأن الصدام حينها سيكون صدام الملايين ضد الملايين (وما حد أحسن من حد).

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..