رحيل البرهان… خطوة أولى لإنقاذ السودان من دوامة الانهيار

ريماز علي ريري
تزايدت في الآونة الأخيرة موجة الانتقادات الموجّهة إلى قيادة الجيش السوداني، بعد رفضها الهدنة المقترحة التي كانت تهدف إلى إيقاف نزيف الحرب وتمهيد الطريق نحو تسوية سياسية شاملة. هذا الرفض، الذي جاء في وقتٍ يزداد فيه الوضع الإنساني والاقتصادي سوءًا، أثار تساؤلات واسعة حول طبيعة القرارات التي يتخذها الفريق أول عبد الفتاح البرهان ومدى انسجامها مع المصلحة الوطنية العليا.
—
رفض الهدنة… قرار يعمّق المأساة
يشير مراقبون إلى أن رفض القيادة العسكرية للهدنة يعكس غياب رؤية واضحة لإدارة المرحلة الراهنة. ففي الوقت الذي كانت الأطراف المحلية والدولية تضغط من أجل وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية عاجلة، تمسّك البرهان بخيار التصعيد، ما أدى إلى تزايد معاناة المدنيين واستمرار تدمير البنى التحتية في العاصمة والولايات.
ويرى محللون أن هذا القرار لم يكن نتاج قراءة ميدانية دقيقة بقدر ما كان انعكاسًا لحسابات سياسية ضيقة، تهدف إلى إبقاء الجيش في موقع السيطرة بغضّ النظر عن الكلفة الإنسانية والاقتصادية الباهظة.
—
تخبط القيادة العسكرية… غياب الإستراتيجية وتضارب المصالح
أحد أبرز مظاهر الفشل في إدارة المرحلة يتمثل في التخبط الواضح داخل المؤسسة العسكرية نفسها. فالتناقضات بين تصريحات قيادات الجيش وقراراتها الميدانية تكشف عن أزمة عميقة في آلية صنع القرار، وعن غياب التنسيق بين الجناحين العسكري والسياسي في السلطة.
ويؤكد مراقبون أن هذه الحالة من الارتباك ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى غياب مشروع وطني واضح لدى البرهان منذ استيلائه على السلطة. فبدلًا من السعي إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة وتحقيق الانتقال المدني، انشغل بتثبيت نفوذه وإقصاء خصومه، ما أدى إلى اتساع الهوة بين السلطة والشعب.
—
تداعيات اقتصادية كارثية
نتيجة مباشرة لهذا الفشل السياسي والعسكري، يعيش السودان اليوم واحدة من أسوأ أزماته الاقتصادية في تاريخه الحديث. فقد انهارت الخدمات الأساسية، وتراجع الإنتاج، وتضاعفت معدلات الفقر والبطالة، في ظل غياب مؤسسات الدولة وتفكك الأجهزة التنفيذية.
ويرى خبراء الاقتصاد أن استمرار الحرب دون أفق للحل، مع غياب القيادة القادرة على اتخاذ قرارات مسؤولة، يجعل فرص التعافي شبه مستحيلة. ويضيفون أن تمسك البرهان بالسلطة أصبح عقبة رئيسية أمام أي محاولة لإنقاذ الاقتصاد الوطني.
—
البرهان بين العزلة السياسية وفقدان الثقة الشعبية
على الصعيد السياسي، فقد البرهان الكثير من الدعم الذي كان يتمتع به في بداية الصراع. فالقوى المدنية، وحتى بعض الفصائل العسكرية، بدأت تتحدث علنًا عن ضرورة إزاحته كخطوة أساسية لإنهاء الحرب.
تزايدت الدعوات المطالبة برحيله باعتباره “العقدة المركزية” التي تمنع أي تسوية سياسية، خصوصًا بعد فشل كل المبادرات التي اشترطت موافقته أو مشاركته في المفاوضات. هذه العزلة المتزايدة جعلت موقعه السياسي هشًّا، في وقت لم يعد يمتلك فيه حتى القدرة على إقناع المجتمع الدولي بجدوى بقائه في السلطة.
—
رحيله… خطوة نحو الاستقرار؟
يرى كثير من المراقبين أن رحيل البرهان لم يعد مجرد مطلب سياسي، بل أصبح ضرورة وطنية. فاستمرار وجوده على رأس السلطة العسكرية يعرقل كل محاولات إنهاء الحرب ويؤخر عملية بناء الدولة المدنية.
كما أن خروجه قد يفتح الباب أمام تسوية جديدة، أكثر شمولًا ومرونة، تستند إلى رؤية وطنية جامعة تُنهي حالة الانقسام وتعيد الثقة إلى مؤسسات الدولة.
فشل الفريق أول عبد الفتاح البرهان في إدارة المرحلة الانتقالية والحرب التي تلتها، لم يعد محل جدل بين المتابعين للشأن السوداني. فالمؤشرات على الأرض — من الانهيار الاقتصادي، والتدهور الإنساني، وتفاقم عزلة النظام — تؤكد أن بقاءه في السلطة لم يعد يعبّر عن إرادة وطنية، بل عن إصرار على التمسك بالكرسي مهما كانت النتائج.
ومع استمرار النزاع وتعقّد المشهد السياسي، يبقى السؤال الأهم:
هل يدرك البرهان أن خروجه ربما يكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ ما تبقى من السودان؟



