اللباب والقشور

حروف ونقاط

كتب أحمد بهاء الدين في (محاوراتي مع السادات) ، أن الرئيس المصري حينها شرع في تعديل الدستور بعد إنتفاضة 1980 التي أطلق عليها ( انتفاضة الحرامية) ، وكان عدد من نواب مجلس الشعب الذين تجنبوا مواجهة السادات ، جاءوا الى بهاء الدين وطلبوا منه أن يكلم «صاحبه».
فقال أحمد إنه ذهب للسادات وقال له : «مالك ومال الدستور يا ريس وليه عاوز تفكر الناس بيهو ، انت مش محتاج لدستور ولا حاجة»، فقال إن السادات ضحك وقال له: «أنا ما بعدلش الدستور عشاني أنا ، لأ يا أحمد، أنا آخر الفراعنة في مصر ، بس أنا ببص وراي مش لاقي حد مفيش ، عشان كده أنا بحاول أمهد الطريق شوية».
الدستور الذي تتجه الدولة الى تعديله أو تغييره بصورة كاملة يحمل نصوصاً جيدة ،ويكفل الحقوق والحريات،وغالبيته لا يحتاج الى مراجعة عدا بعض البنود خصوصاً التي كانت متصلة بالجنوب،وكذلك التفاصيل التي حملها اتفاق السلام الشامل،مشكلة الدساتير والقوانين في العالم الثالث أنه لا يحترمها أحد ولا يطبقها إلا عندما تكون في مصلحة من يمسكون بزمام الأمور.
العبرة ليست بالنصوص،وإنما الجدية في تنزيلها روحاً ونصاً،فمنذ استقلال البلاد ظللنا نغير الدساتير ونعدلها،ولا أظن ان الدستور الجديد سيكون مختلفاً إلا في حال حدث توافق وطني والتفاهم على آلية قومية تعبر عن إرادة وطنية حقيقية.
لا نريد دستوراً بمنطق الراحل السادات،نطمح في وثيقة عقد وطني واجتماعي،تكون جسراً للعبور من حالة الانقسام والاستقطاب والحروب والمواجهات والدماء إلى مرحلة جديدة عنوانها الاستقرار والسلام والعدالة الاجتماعية والحريات وسيادة حكم القانون.
الحكومة تدعو القوى السياسية للمشاركة في حوار يقود إلى صناعة الدستور والمعارضة تطرح شروطاً ،ويتجادل الطرفان في الإجراءات المطلوبة لتهيئة مناخ الحوار،وجاء إطلاق بعض المعتقلين في هذا الاتجاه،والمعارضة تطالب بالمزيد،وهذا في حد ذاته سير في الطريق الصحيح،فحديث اللسان لا يمكن مقارنته بمقارعة السنان.
لا ينبغي أن يغرق الفرقاء في مماحكات شكلية،مطلوبات وشروط المعارضة لتهيئة المناخ،ورفض الحكومة أية شروط مسبقة واستعدادها للقبول بمقترحات وليس شروطاً،العبرة بالنتائج حسب لغة أهل الرياضة،فلنتمسك باللباب وليس القشور.
ما يرجوه الرأي العام والنخب الوطنية بأطيافها المختلفة خطوات عملية تهيىء وتحفز على نجاح الحوار الوطني وتفتح صفحة جديدة في التعامل السياسي.
ما أعلنه الرئيس بالإفراج عن معتقلين يعتبر أول الغيث وبادرة حسن نية،ينبغي أن تستكمل بإطلاق كل المعتقلين والسجناء السياسيين والموقوفين على ذمة قضايا سياسية سواء مرتبطة بدارفور أو جنوب كردفان والنيل الأزرق.
والمطلوب لتطوير ذلك تبني خطوات جادة في إطلاق أشرعة الحريات السياسية والصحفية، ورفع القيود أياً كانت في هذا الإتجاه،ورفع الحظر عن الأقلام الموقوفة،ومراجعة التعامل مع منظمات المجتمع المدني،فالأقوياء لا يخشون الحريات.
اعتقد أن المشكلة في الثقة المفقودة بين القوى السياسية في الحكم والمعارضة،وبناء الثقة ليس مستحيلاً فلنجسر الفجوة بالصدق والجدية وتجاوز الصغائر من أجل مصلحة الوطن،وأي تنازل لهذه الغاية مطلوب من الجميع،وأي طريق في غير هذا الاتجاه نهايته لافتة مكتوب عليها (هنا كان السودان).

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..