سيادة القانون تفضي الى السلام

لقد آن الأوان بالفعل ان تتجه اهتمامات الدول لتحقيق تحول حقيقي من اجل إصلاح مؤسسات الحكم خاصة تلك المعنية بتشريع النظام وتطبيقه كالسلطة التشريعية والقضائية والشرطية والأمنية ، وقد يتبع اصلاح مثل هذه المؤسسات بعض التعقيدات كونها ذات حساسية واهمية قصوى لكل نظام يعنى بالتطوير اذا ما كان هذا التطوير مطلوب من اجل ان يكون مبدأ سيادة القانون سلوكاً عاماً لدى المؤسسات والأفراد ، ذلك انه إذا ما نمت بذور سيادة القانون لدى المؤسسات والافراد استقرت كافة شؤون الدولة بمؤسساتها والمجتمع بكل مكوناته من افراد وجماعات حيث يخضع الكل للمساءلة بمؤسسية تجد الرعاية والسند عندما يطبق القانون على الكل في قناعة تامة ، وبهذا تستطيع الدول بناء مجتمعات مستقرة يعيش فيها أفراد يشعرون بالأمن والطمأنينة ، ما يوفر الكثير من العناء والمعاناة فيتفرغ الجميع للإنتاج والتنمية وتطوير مهاراتهم بما يجعل من الجميع يداً واحدة من اجل تحقيق مجتمع الامن والسلام فيحدث الاستقرار بفضل بسط سيادة القانون وتوفير الفرص المتساوية أمام العدالة كضرورة ملحة من اجل ازدهار المجتمع ومشاركة المواطنين في كافة أوجه الحياة مشاركة فاعلة ، وبهذا يحدث النمو الاقتصادي الذي يتبعه تطور اجتماعي لتحقيق حياة مستقرة . ولا بدّ من المساعدة من اجل خلق وسائل ضمان منع نشوب الصراعات بين الدول والجماعات المجاورة ايضاً ، وإيجاد آليات ووسائل فعّالة لحل ازماتها ذلك بإدارتها بمؤسسية ايجابية تفضي بها الى إطفاء نيرانها نهائياً وليس تأجيجها كما يحدث الآن في الكثير من بؤر الحرب والتوتر في العالم ، ومن هنا تأتي الأهمية من اجل التوصل إلى الحلول التي ينبغي ان تكون متفقة مع واقع الحال ، حلولاً جذرية لا تسمح بإعادة انتاج النزاع من جديد ، وهذه مسألة ليست ببعيدة المنال إذا ما تواضع الجميع على نبذ العنف والعمل على انهاء التوترات والأزمات من خلال حلول قابلة للتنفيذ . نظراً للتحولات الجارية في المنطقة التي لا زالت احداثها تجري على نحو لا ينبي بالاستقرار المنشود ، وما إن تمّ حل صراع في بؤرة معينة إلا وقد ولّد عدة صراعات في انحائه . ولنا الأنموذج الواضح في سياق ما حدث لدول ما سُمي بالربيع العربي ، حيث كان لغياب المؤسسية دور مؤثر على المؤسسات الرئيسية في الحكم ، خاصة الأجهزة العدلية كالقضاء والتشريع والشرطة والأجهزة الأمنية لِما لها من اثر مباشر وفاعل في استقرار المنطقة حيث كانت تلك الأجهزة آنذاك ولا زالت تفتقر الى القدرة على تمثيل جميع المواطنين ، ما أضعف دورها كمؤسسات عامة كان حري بها ان تقوم بواجبها الوطني كما ينبغي من حيث أنها مؤسسات من اجل حماية مبدأ سيادة القانون كوسيلة ضامنه لتحقيق اماني واشواق المواطنين من خلال خدمتهم على قدم المساواة دون تمييز . ولتفادي تكرار ما يحدث الآن من فوضى في المنطقة فلا بدّ لمؤسسات الدولة والأجهزة المساندة لها ان تقدم خدمات عادلة يجني ثمارها الجميع ، وهي ـ أي هذه الأجهزة ـ بالضرورة تحتاج للدعم في إطار استعداداتها لبناء دولة المؤسسات من خلال برنامج انمائي يتضمن تطوير مهارات المؤسسات من خلال ترسيخ مبادئ قانونية وقيم اجتماعية أفضل حتى ينحو الجميع نحو تقديم الخدمات العامة بكفاءة وعدالة تنتج استقراراً حقيقياً حتى تستقر المجتمعات وتصبح في حماية من العنف المسلح من خلال السلطة الشرعية للدولة بمؤسساتها ذات الكفاءة في بسط العدالة بين الجميع حيث يستمر الناس في اكتساب الثقة في إقامة نشاط اجتماعي واقتصادي سلمي يأمن لهم ولغيرهم سبل الحياة الكريمة . فعندما يكون لدى الأجهزة العدلية التزام وقدرة على الاضطلاع بمسؤولياتها بشكل سليم على نحو مؤسسي يعزز من سيادة القانون يحدث الاستقرار للدولة والمجتمع والافراد فتنمو الثقة بين الجميع بما يحقق الانسجام التام بين مؤسسات الدولة والمواطنين ، ما من شأنه ان يخلق مناخاً معافي يخلق بيئة تنتج ثماراً تحقق السلام والاستقرار. ونظراً لما تتسم به هذه المهام من تعقيد وعمق فلا يمكن أن تُبني مؤسسات وطنية وقضائية وأمنية تقوم على مبادئ صحية ومستقرة إلا من خلال قناعات ومبادئ يجتمع عليها الجميع ، ذلك ان قطاع العدالة على وجه الخصوص يحتاج بناءه الى افراد يتسمون بالقدرة على الصبر والمثابرة في تجرد وصدقية وشفافية بكفاءة عالية تمكنهم من تفهم دورهم الإنساني لتحقيق الأهداف السامية .
علي احمد جارالنبي المحامي والمستشار القانوني
[email][email protected][/email]