جدل دستوري

دخلت المحكمة الدستورية كمعادل مهم وحاسم في الأوضاع السياسية المصرية بعد ثورة 25 يناير 2011، واضطرت المحكمة لتحمل عبء عدم النضج والكيد السياسي الذي تمارسه بعض الأطراف، وطريقة سلق القوانين وتقديمها للمواطن ووضعها على أرض التطبيق دون المرور بالمراحل الطبيعية لإعداد القوانين. ومنذ الثورة ، وحتى الآن، قامت المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب لعدم دستورية بعض مواد القانون الذي جرت عليه الانتخابات، وقضت بحل الجمعية التأسيسية الأولى لإعداد الدستور، وأوقفت إجراء الانتخابات النيابية الجديدة لاعتراضها على قانون الانتخابات، كما قضت محاكم أخرى ببطلان تعيين النائب العام الجديد، …الخ.
ربما تضيق صدور البعض مما يسميه تدخل القضاء في العملية السياسية، و تعطيلها، ولجوء القوى السياسية لمنصة القضاء لحسم القضايا المختلف عليها، بدلا من النزول لحلبة العمل السياسي في الشارع ووسط الجمهور، ولعل هؤلاء هم أنفسهم الذين حاصروا المحكمة الدستورية ومنعوها من مزاولة عملها لفترة. لكن من باب الأمانة أيضا مساءلة من أعدوا هذه القوانين بليل، وسلقوها سلقا وهم في عجلة من أمرهم، لانهم يعلمون أنهم يدبرون مصيبة ما، وأخذوها للرأي العام بهذه الحالة. غير هذا فإن من الواضح أن من يضعون هذه المسودات يفتقرون للمقدرة والثقافة القانونية اللازمة في إعداد القوانين، لهذا يتركون بها ثغرات كبيرة.
أنظر الآن حولنا هنا، فافتقد هذا الحراك والجدل الدستوري، رغم ان لدينا قضايا متلتلة، ومواضيع كثيرة غير محسومة، بدءا من الدستور نفسه ومدى ملاءمته للحالة الراهنة. تقول نصوص الدستور إن مرجعيته هي اتفاق السلام الشامل (نيفاشا) وأنه إذا تعارضت نصوص الدستور مع أي نص في الدستور فإن مرجعية الاتفاقية هي التي تسري، فأين نحن وأين الاتفاقية؟.
ثم بعد الانفصال ترددت أحاديث واقاويل حول اسقاط بعض ابواب وفصول الدستور المتعلقة بالجنوب، ولا نعلم كيف حدث هذا ومتى، أم أنه لم يحدث.
كما صدرت قبل فترة قرارات بتفكيك بعض الولايات وإنشاء ولايات جديدة، رغم أن نصوص الدستور تحدد الولايات وعددها ، وتم تطبيق هذا القرار بدون إجراء أي تعديل على الدستور. كما تم عزل عدد من الولاة المنتخبين، من المؤتمر الوطني ومن خارجه، وتم تعيين ولاة ، كلهم من صفوف المؤتمر الوطني، ولم توضع هذه القرارات في ميزان الدستور لنرى إن كانت لها مرجعية دستورية أم لا.
أتيحت للمحكمة الدستورية بعض الفرص لإبداء رأيها في بعض القضايا، منها الرقابة على الصحف، وقد حكمت بدستورية الرقابة، وقدمت لها تبريرات كثيرة، ومازالت هناك قضايا أخرى تراوح مكانها، وتنتظر راي الدستورية، لتحكم لها أو عليها.
لسنا خلوا من تراث القضاء الدستوري، الذي كانت تتولاه المحكمة العليا قبل إنشاء المحكمة الدستورية، لكن نتيجة للتطورات السياسية واستطالة العهود التي عشناها بلا دستور، أو بدستور فوقي، فقد تراجع هذا الإسهام، حتى كاد يغيب، وليت فقهاءنا الدستوريين يتولون هذا الملف في المنابر المختلفة، فنحن بحاجة لتنفيض الملفات، وقبل ذلك تنفيض العقول والأفهام.
أفق بعيد
فيصل محمد صالحِ
[email][email protected][/email]
استاذ فيصل ربما لا يفوت عليك ان عربة الامنيات هذه تحتاج الي حصان يجرها الي حيث منهاها وهذا الحصان ليس الا الديمقراطية وحكم القانون وفصل السلطات .. واعتقد اننا لا نملك اي من هذه الثلاث وبالتالي لا توجد من الدستور الا نصوصه ومن المحكمة الدستورية الا مبناها واللافتة الخارجية وهذا الذي اقوله باعتباري من خبراء القانون الدستوري دون فخر. ولقد هممت مرات ومرات ان اكتب عن اهانة السلطة للدستور مرارا وتكرارا ولكن لم افعل لانني كنت وما زلت مقتنعا بما اوردته في مقدمة تعليقي . ولذلك اقزل رفقا بالدستور فليس هذا زمانه فلا يوجد حصان لجر عربة الدستور والقانون