الروائية السعودية السودانية وفاء سعد عمر: اطرح قضايا المجتمع وأمارس الواقعية

الروائية السعودية وفاء سعد عمر، من أصل سوداني أماً وأباً هاجر والدها إلى هناك منذ نصف قرن، تلقت تعليمها بالسعودية وعملت مديراً لمركز المئوية لذوي الاحتياجات الخاصة، اتجهت للكتابة الصجفية والقصصية ونشرت في العديد من الصحف العربية، كما أصدرت عدداً من الروايات.
هي سيدة الحب… انثى قمرية تنسجم مع التسابيح وتتكاثر في ذاتك وتنفجر روعة… وثورة جاءت إلى الوطن تبحث عن جنة وملاذ ورحيق أمان يسقي فراشتها التقت بها كتابات (الرأي العام) وأجرت معها هذا الحوار الذي يسعى إلى تقديمها للقارئ السوداني، لا من خلال تفاصيل نصوصها ولكن من موقفها الكلي من الكتابة الروائية والتأثيرات الحياتية والفكرية والفنية التي شكلت عالمها الإبداعي وآراءها حول الكتابة وحول الظروف التي تشكل النص الإبداعي.
لم نقف في هذا الحوار على نقد نصوصها لأننا نخشى ألا تكون هذه النصوص قد وصلت للقارئ بعد.
من أعمالها: (حصاد الغربة)، و (فستان ممزق).
أنت داخل وضع حياتي شديد التعقيد، سعودية الثقافة وتنتمين لتلك الحياة ولكنك في ذات الوقت تشاركين وطنك الأول الهموم الحضارية بذات القدر من المشاركة لوطنك الثاني. كيف يكون هذا الوضع داخل نبض كتاباتك!… خاصة عندما تكتبين عن السودانيين وأحوالهم هناك كما في كتابك (حصاد الغربة)؟.
أنا ابنة سعد محمد عمر ذلك الرجل الذي عاش متبتلاً في تراب الوطن يعشقه ويغازله وهو في غربته. زرعه في أعماقنا وغزل خلايانا من شموخه فتوغل فينا واستوطننا وإن لم نستوطنه!.. فولدت أنثى من ضلع المجتمع السوداني تعيش في المملكة العربية السعودية حيث الأمن المكاني والنفسي، فصيغ خيالي يحملني عبر المدن الحالمة والشوارع النازفة والنيل وصحراء الربع الخالي والشخوص المليئة بالمتناقضات ما بين الأعراف والدين ومكارم الأخلاق وسراديب الفساد، ما بين خضوع الأنثى وسطوة الذكورة الطاغية. هكذا اعتليت صهوة الحرف، أرسمه بحياء وخجل تارة وأعربده تارة أخرى (فادخلوني بسلام آمنين).
أنت تكتبين داخل تيار السياق الأدبي السعودي، هل تجدين نفسك مختلفة لأنك ذات جذور غير تلك الجذور؟
بالطبع أنا مختلفة، يؤطرني مجتمع ظل لحقبة زمنية قريبة يهمش الأنثى ويخجل منها ويتمحور في ذاتي أيضاً مجتمع مهيرة بت عبود، لذلك أنا أنصهر بين المجتمعين. أضف إلى ذلك حواري مع الحياة ما بين شد وجذب ومناطق معتمة ومضيئة فأنا سيدة كل الاحتمالات. أكتب لأبحث عن المجال والحب في عمق الألم، وجذر الفرح في ذواتنا، أطرح قضايا المجتمع ولا أعالجها، أمارس الرمزية والواقعية سراً وجهراً، أكتب كثيراً عند مفترقات الطرق حيث تخرج كتاباتي رغبة مشتعلة ولكنها مواربة.
يمكن أن تكون كتاباتك بعداً إفريقياً يضيف للكتابات العربية المعاصرة؟
أفريقياً دماً وروحاً وعشقاً في ذاتي وثرثرة لا متناهية تفصح عن ذاتها رغماً عني ويتجسد ذلك في شخصية نور في (فستان ممزق) ومعظم شخوص (حصاد الغربة). وعموماً فإن السرديات العربية أصبحت في مأزق تصرخ اللغة فيه ضعفاً ويمزقها تكرار الفكرة وصمت الكلمات المكتوبة بعضها معلب له مدة صلاحية والبعض الآخر منغمس في الإباحية الممجوجة التي تسيء للإنسانية، لذلك فهي تحتاج لحب جديد ينعش قلبها.
* كيف هو حال الأدب السعودي المعاصر مقارنة بالأدب العربي في الأقطار العربية الأخرى؟
يشهد الخليج وخاصة السعودية حراكاً ثقافياً أدبياً عميقاً، وطوفانا جميلا من شفاه قد كممت لسنوات طويلة ماضية عجاف خاصة النساء رغم الضجيج الذي يثار حولهن في محاولة لإقلاقهن ودعوتهن للترجل. ظل الطرح مواكباً لواقع الحياة والنقلة النفطية التي شكلت حياة المجتمع وغيرت مظهره وبقي المضمون متأرجحاً، وعموماً فإن السعودية تدعم وترعى الإبداع والأدب وولد من رحمها عبده حال وهند البشر اللذان نثرا مداد بوحهما في فضاءات رحيبة ووقفا على منعطفات مهمة في حياة المجتمع السعودي.
يقال أن جائزة البوكر العربية وضعت أساساً لتشجيع الأدب العربي في دول الهامش إلا أن العواصم العربية الكبرى ظلت محتكرة للأسماء الكبيرة ؟
بالطبع، فقد اهتمت العواصم الكبرى بالأدب والثقافة منذ أحقاب وقد رعت كتابها وسيدتهم ملوكاً على عرش الحرف والفكر وألبستهم اللآلئ وخلفتنا عبيداً وجواري نشبه بهم ونحمل رغماً عنا نسبهم وجيناتهم الوراثية، لذلك هي حكر على الأسماء الكبيرة وليس لتشجيع الأدب.
أدب كل قطر يسيطر حينما تكون الدولة المنتجة له ذات نفوذ سياسي وسلطة على الأقطار الأخرى، فالدولة ذات النفوذ السياسي تسيطر على أنفاسنا وتقلق منامنا وتعطس كلماتنا ويصبح كتابها ذوى سلطة ثقافية أصواتهم سياط وأقلامهم كرباج والكاتب الحذق الماهر يعرف كيف يهرب من الفخ وينجو منه.
ما هو انطباعك عن الأدب في السودان؟
الأدب السوداني يمر بذات الأزمة التي يمر بها الأدب في معظم الدول العربية حيث يقع تحت وطأة التكرار مما يكتم أنفاس التفرد والتميز رغم أن الواقع المعاش ينبوع مذهل لتحفيز الخيال. كما أن الرقابة والخشية من سوء الفهم وضيق ذات اليد يعرقل الإبداع، ولكن ذلك لا يمنع من وجود روائع أدبية حقيقية أحني قامتي عند بلاطها وأتوجس خيفة من انعقاد أية مقارنات بيني وبينهم لأني حتماً خاسرة، فقد قرأت للطيب صالح في مختلف مراحلي العمرية وكلما أقرأ أتذوق طعماً خاصاً وسحراً مختلفاً. وعندما أقرأ للشاعرة القديرة روضة الحاج التي رفعت رؤوسنا حين شاركت في مهرجان الجنادرية للعام الحالي فهي عرائش ياسمين في ليلة ترتعش مطراً. وكثيرون من أقمت في شرفات كتاباتهم ثملة بخفق خيوط إبداعات أكفهم منهم بشرى الفاضل، وإبراهيم إسحاق، ونجلاء عثمان التوم.
متى تكتب وفاء سعد عمر؟
أكتب عندما يكتمل القمر بدراً… وأكتب عندما تسقط نجمة من السماء لتزرع في أحشائنا جنين حب وأكتب عندما تهديني جنية الليل تفاحة الخلود في بحر الهذيان. أعطني ورقة وقلماً وبرهة من التأمل حينها أرتدي عباءة السكينة وأكتب.
كلمة أخيرة للقارئ:
أنت من وعيي، أحبك بكل تفاصيل الصدق والوداعة وأقول لك أستاذ عيسى الحلو لقد منحتني لحظاتِ من نور مزدانة بتباريح الثرثرة واختراق يقض مضاجع الكلمة، فالإنسانية منك تتعطر ذوقاً وأصالةً ونبلاً.

الراي العام

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..