المسئولية الأخلاقية لحكومة الجبهجية تجاه قواعدها الشعبية (2)
وماذا سيفعلون بوطن هم له مالكون؟
التحــــدي الأكبر والمجال الأوحد الذي تبقي لحكومة المؤتمر الوطني أن تثبت وجودها فيه…وأن تنجح فيه…هو تقسيم السودان إلى ثلاثة أو أربعة دويلات…هذا هو الذي تبقى لها من فرص النجاح والإنقاذ والإنجاز…وهذا هو المصير الحتمي فعليها أن تسارع بإزالة معوقات التقسيم وما بعده…وحتى لا تُفوْت الفرصة التاريخية الوحيدة الباقية لإدراك نجاح نوعي…وكل ما يرتجيه الشعب السوداني من أهل المؤتمر الوطني أن يتداركوا الأخطاء التي حدثت في إتفاقية فصل الجنوب…حتى لا تكرر في المستقبل القريب حيث سيتم تقسيم السودان الشمالى إلى ثلاثة أو أربعة دويلات…وعلى سبيل المثال…لا الحصر…تلك المعوقات هي التي تكمن في ترسيم الحدود…الترتيبات الإمنية…فك الإرتباطات الإقتصادية والمالية والإدارية وغيرها… فتلك من أبجديات الواجبات المفروضة على حزب حاكم جاء بمخطط ظل يعمل له على مدى ربع قرن من الزمان…دون كلل أو ملل…فالمسئولية الأخلاقية تجاه شعب يدين لها بالولاء والطاعة تحتم على حكومة الإنقاذ ضرورة النجاح في ذلك التقســـــيم…والذي هو واقع لا بديل له بفعل سياسات ومنهجية عقيمة عميقة التعنت والجذور.
مقتطف من الحلقة الأولى: “شعبية وأنصار المؤتمر الوطني هم غالبية أهل السودان…هذا ما يدّعون وما يؤمنون…أما البقية الباقية فهم شوية معارضة تتكون وتتكوم من شذاذ آفاق وحاقدين ويساريين وعلمانيين وغرابة ونوبة ورجرجة ودهماء يصنفون كمواطنين من الدرجة الرابعة…ولنتفق معهم أنهم أصحاب الإغلبية والأجدر بالسلطة ويستحيل أن يكون هناك أي بديل لهم…ولكن ماذا أنقذوا وماذا أنجزوا لهذا الوطن الذي يدين لهم بالولاء والطاعة وماذا هم بفاعلون؟”.
ولكــن… فليعلم أهل المؤتمر الوطني أن هذا الشعب غير مستعد لمنح قروض الولاء السياسي التي يتعذر إستردادها… وليعلم المثقفون والسياسيون…وحتى البسطاء من بني هذا الوطن…أن هذا الشعب لا ولن يكون معنياً بصراعات الصفوة الحاكمة والتي تحاول أن تلهى بها الشارع العام..ومثال ذلك منازعات ورثة القصر الجمهوري…والتربع على عروش المؤتمر الوطني…أو حتى من يتصدر قيادة الحركة الإسلامية التي دأبت ولا تزال تضرب القيْم الإسلامية في مقتل…إسلام كان رسوله أُمْيّ ولكنه أذهل البشرية بعقيدة ومنهجية تحير العلماء في كل مناقب الحياة… مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى: “إنما يخشى الله من عباده العلماء”..”وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟”…ومن فضائل العلم ما ثبت في الأحاديث أنه أفضل من العبادة…وأن العالم مقدم على العابد …وفي حديث أبي الدرداء المشهور: “فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب”….ذلك لأن العلم يسبق العمل…ويدل عليه ويرشد إليه…فهو دليل له من ناحية وشرط لقبوله من ناحية أخرى…فلا عمل بلا علم… ولكن قد يوجد علم بلا عمل…كما يحدث في وطننا السودان حيث يُحيّد العلماء…والمعنى أنه كلما وجد العمل لزم وجود العلم…ولكن أين العلم وأين العلماء من كل ممارسات حكومة الجبهجية الإسلامية الضاربة في الأُميّة والعفوية وسقيم الفعال …وخذ على سبيل المثال التفاخر بإفتتاح المستشفيات والمستوصفات الخاصة وكأن تلك المستشفيات والمستوصفات هي الحل الأوحد للمشكلات الصحية التي يعاني منها الشعب السوداني المغلوب… البروفسير الجليل مأمون حميدة…وزيرالصحة بولاية الخرطوم…ينام غرير العين بإنجازاته الوطنية العملاقة… مستشفى الزيتونة ويستبشرون وغيرهما…وبعض المستشفيات الجديدة التي يعد بها الدكتور عبدالرحمن الخضر والي ولاية الخرطوم في هذه الأيام…وهم لا يعلمون أن الصحة لسيت أطباء وأدوية ومستشفيات فحسب بل هي وقبل ذلك تغذية ونظافة بيئة وصلاح أغذية ومياه شرب في المقام الأول.
ماذا تعني مستشفيات ملوكية وفي غاية الرفاهية؟ ومن هم روادها؟… تعريف الصحة والمفاهيم الصحية قد تغيرت في العالم أجمع…ومنذ عقود…وبمجرد أن توصل العلم للقاحات والأمصال الأولية الناجعة والتي تحصن الإنسان ضد الأمراض تغيرت نظرية المفهوم العصري للصحة حيث الوقاية خير من العلاج… تلك نظرية لا تعني فقط اللقاحات، بل تعني التغذية السليمة وصحة البيئة بكل مناقبها ومناحيها…وهنا أرجوا من السيد وزير الصحة بولاية الخرطوم…البروفسير مأمون حميدة…أن يصطحب معه السيد والي ولاية الخرطوم…الدكتور عبد الرحمن الخضر…وأن يتواضعا في مرة واحدة…بأن لا يرسلا السائق الخاص لشراء رغيف الخبز لبيوتهما…بل عليهما أن يذهباء لشرائه بأنفسهما…ومن أفخر وأفخم المخابز في حي العمارات أو الرياض…ولا أظنهما سيندهشان حين يكتشفان أن بائع الرغيف يستلم الأوراق المالية المهترئة الملوثة المتسخة القذرة…ويناولك الرغيف بنفس اليدْ الملوثة المتسخة القذرة…بسبب العَرقَ وإستلام النقود…وعليهما التجوال في المطاعم لتقصي فوضى التعامل مع اللحوم وبقية الأغذية وطريقة حفظها وأستعمالها…وحتى لحظة تقديمها للمواطن المغلوب على أمره…وتلك الأغذية المعروضة في الأسواق من لحوم وخضروات وبهارات في أواني معرضة للأتربة والكتاحة الدائمة المشبعة بالبول المسكوب في قَعرْ الحِيط وقارعة الطريق…وبمساهمة دؤوبة من الإنسان والحيوان على حد السواء…في جميع الأسواق وفي جميع أنحاء العاصمة والسودان…ولك أن تعلم أيها القاريء الكريم أن تاريخ صلاحية المعلبات المعروضة في معظم البقالات ليس هو الضامن لسلامتها…وحتى لو كان هذا التاريخ نافذاً لعام كامل!!…والسبب أن الصلاحية لست فترة زمنية محددة…بل كيفية التخزين وأنت تعرف أيها القاريء مستوى درجات الحرارة في تلك البقالات المعروشة بالزنك والتي لا يوجد بها تكييف…فقط ثلاثة أيام في تلك الحرارة العالية كفيلة بإفساد علبة تونة صالحة لمدة عام كامل وتجعلها سامة …وتلك السمموم قد لا تكون آنية المفعول…بل تراكمية وقد تؤثر على وظائف الكبد والكلى والدماغ…وقد تسبب تكيس المبايض والعقم عند النساء …وأيضاً حتى السرطانات…وللأسف الشديد هذا قد ينطبق على الأدوية في الصيدليات التي تشبه البقالات لحد كبير…ناهيك من أن هذه المعلبات والأدوية قد تكون فاسدة أصلاً من المنشأ.
ومن الإشياء البسيطة التي تؤكد الجهل والفشل في إدارة الدولة والعجز عن حفظ مواردها وأموال شعبها وهو الإستيراد العشوائي لسلع ومعدات ومواد وكيماويات وضروريات بالعملة الصعبة وهي ليست لها صلاحية تذكر… بل أنها قد تكون ذات ضرر أكبر من قيمتها المفقودة … وخير مثال على ذلك ويمكن أن يلحظه أي مواطن في بيته أو أي مسجد أو مدرسة أو مستشفى…هو حنفية ومواسير المياه المستوردة من الصين…من منا من يستطيع أن يجزم أنه في بيته لا توجد حنفية أو ماسورة تسرب المياه…وحتى ولو كانت قطرة بعد أخرى… فذلك الفاقد…وبحسابات علمية غير معقدة…يكلف الدولة الملايين من العملات الصعبة على مدار العام…مياه يتم ضخها وتنقيتها وتوزيعها بطاقة بترولية وحرارية مكلفة…ويدفع المستهلك سعرها للدولة…ثم يصرف المستلك الكهرباء للموتور لرفعها وضخها حتى تصل للحنفية المتسربة… فأين ما يسمى بهيئة المواصفات والمقاييس؟… وأتذكر أنه في أحد حمامات وزارة التخطيط والبنى التحتية…بولاية الخرطوم…كانت الماسورة مفتوحة على الآخر…ولعدة أيام…طيلة ترددي لقضاء غرض ما…وهنا أستطيع أن أجزم أن نسبة الفاقد في المياه المنزلية والمرافق العامة قد يتراوح مابين 10-25%… ولوكانت حكومة السودان تعي ذلك لفعلت شيء حياله…وأيضاً أستطيع أن أجزم أن الدولة ستكون الرابح الأكبر لو أنها إستوردت حنفيات عالية الجودة…إنجليزية أو ألمانية…ووزعتها مجاناً على كل البيوت في جميع أنحاء السودان…فذلك مثال حيوي ملموس لكل مواطن سوداني…مع ضرورة التذكير بأن المواطن مضطر لتغيير تلك الحنفية الصينية كل ثلاثة أشهر في أفضل الإحوال…وقس على ذلك الكم الهائل من الإستهتار واللّامبالة في كل مناحي الحياة.
فشل الجبهجية فشل ذريع لأنهم كانوا يعتقدون ولا يزالون أنهم وحدهم القادرون علي خلق ذلك الوطن…ولوكان بمقدورهم أن يفعلوا ذلك لفعلوها على مدي ربع قرن من الزمان…ولكان السودان في مصاف الدول المتوسطة وليست العظمي على أسوأ الفروض…ولكن السؤال الأزلي الذي لن يبارح ذاكرة أبناء وأجيال هذا الوطن على مر العصور هو: “كيف يعقل لسياسي صاحب مؤهلات علمية وفكرية وأكاديمية…ومن المفترض أن يتحلى فوق ذلك بالوطنية…أن يضع نفسه موضع الوصيّ علي شعبه؟”…ويفرض نفسه متنقلا من وزارة إلي أخري علي مدي ربع قرن من الزمان… دون مجرد الإحساس بعواقب الفعل…لماذا لا يتيح ذلك السياسي الفرصة لأبناء هذا الوطن لكي يخدموا بلدهم وأهلهم في كل أنحاء السودان؟…أليس من مبدئيات الوطنية والأخلاقية السياسية أن يكون لهذا الشعب الحق في إختيار من هو أولى بخدمة مصالحه؟… أليس من حق الوطن علي أبنائه أن يعطوه ما يرتجيه؟…أليس من حق أبناء الوطن أن تستريح صدورهم المثقلة بهموم الوطن وتسديد ديون الواجبات المستحقة عليهم؟. أم ماذا؟
والسلام
[email][email protected][/email]