سقوط أم ” روابــة ” و السناريوهات المكرورة

المظهر الخارجي لسيادة الدولة يُقاس و يقيَّم بقدرتها على تنظيم علاقاتها مع الدول الأخرى في ضوء أنظمتها الداخلية ، وحريتها في إدارة شئونها الخارجية ، وتحديد علاقاتها بغيرها من الدول وحريتها بالتعاقد معها ، وحقها في إعلان الحرب أو التزام الحياد ، و المظهر الداخلي يرتبط بمفهوم بسط سلطانها على إقليمها وولاياتها، و على كل الرعايا وتطبيق أنظمتها عليهم جميعاً ، و عملية استتباب الامن بشكل عام في أي بلد من مهام الدولة .
في الاسبوع الذي سبق هجوم قوات حركة العدل و المساواة على مدينة أمدرمان كانت كل قطاعات الشعب السوداني و المجالس تتهامس و تتداول فيما بينها أنباء الهجوم الوشيك و المتوقع من قبل الحركة على مدينة أمدرمان ، وأصبح همس المجالس في الايام الآخيرة التي سبقت الغزو جهراً حتى أوشك الظن أن يصف الحكومة و قواتها و استخباراتها و أمنها بالوعي التنظيمي و التكتيكي المثالي باعتبار أن الحكومة كانت تبدو في أتم الاستعداد و العدة لهذا الغزو الوشيك .
لكن عندما حدث الغزو تفاجأت العاصمة بفوضى و أحداث و معارك غريبة فقدت فيها قوات الحكومة تكتيكها المزعوم ( المفخخ اعلامياً و اجتماعياً ) و انكشف ظهرها فدخلت قوات العدل و المساواة مدينة أمدرمان و مرَّت بعدة شوارع و مسارات حتى كادت ان تصل كبري الفتيحاب و تعبر الى مدينة الخرطوم ، و كانت لتلك الحادثة أصداء و تحليلات و احتفالات من قبل الحكومة بعد طرد العدو و أسر الكثير من افراد الحركة حيث تمت فيما بعد محاكمتهم .
و عند دخول قوات المتمردين لهجليج ، كان الشعب أيضاً ، يتناقل همساً و جهراً أخبار الهجوم الوشيك على المدينة و رغم ذلك حدث ما كان يخشاه الناس و يتداولونه و سيطرت القوات الغازية على المدينة و انسحبت بعد أيام ، و لكن في هذه المرة جاء تفاعل الشعب مع الأحداث ايجابياً و بصورة لم تتوقعها حتى الحكومة نفسها فحظيت بتعاطف جماهيري كبير أنسى الكثيرين هنات و أخطاء استخبارات النظام و أثبت هشاشة المنظومة الدفاعية للحكومة في مواجهة أي غزو خارجي حتى و ان كان معلناً.
الراجح هو أن تكتيكات مثل هذه الحركات معروفة فهي تحاول أن تكسب نصراً عسكرياً جديداً مع قرب كل جولة تفاوض للسلام ، تحاول تحقيق النصر الميداني لتخطو قدماً في التفاوض و بالتالي يمكنها الدفع باجندة جديدة و قوية للموافقة عليها بسهولة طالما أنها ميدانياً و على أرض الواقع تحرز نصراً جوهريا و استراتيجياً ، ولهذا السبب فمن المفترض أن تكون الحكومة على دراية و علم و تحسُّب لأي فعل هجومي من قبل الحركات عند قرب موعد التفاوض ، لكن الذي يحدث دائما يثبت العكس أو على الأقل فانه يثبت علم الحكومة بالشيء لكن عدم قدرة المنظومة العسكرية و الدفاعية على رده في حينه مما يتسبب كل مرة في سقوط بعض أجزاء الوطن في أيادي الغزاة.
و هاهي مدينة ( أم روابة ) و بعض المناطق التي تجاورها تسقط في أيادي الغزاة على مرأى و سمع الحكومة و بنفس السيناريوهات السابقة ، التعلل بأن منطقة أم روابة خالية من الجيش مردود لأنه يثبت خطأً استراتيجياً كبيراً كما أن محاولة التبرير بأن المدينة كانت أمنة تعيش في سلام لا يكفي لاقناعنا باستحالة الغزو و لا يعفي الحكومة من التواجد العسكري و الأمني خاصة و أن المنطقة متاخمة لبؤر صراع معروف ، و قول الناطق الرسمي للجيش عن تسلل قوات حركة الجبهة الثورية عبر المسالك الوعرة بجبال النوبة مستفيدةً من الغطاء الذي توفره طبيعة المنطقة مضحك أكثر مما هو مقنع ، هجوم الحركة الآخير يطرح بدوره عدة اشكالات ، و يعيد السؤال القديم من جديد لكن بشكل مختلف ، و هو .. الى متى يظل هذا الوطن في اشتعال و حرب ؟ و لماذا تُعاد صناعة الحركات و القيادات بأشكالها المختلفة و التوقيع على اتفاقيات مع حركات متناسلة ، متناسخة ، لا وجود لها على أرض الواقع ، حركات كما يقو المثل السوداني ( لا تحل ولا تربط ) في جوهر القضية السياسية بينما يظل المواطن و اضعاً ( يده فوق قلبه ) خوفاً من عبثية الحركات و الحكومة و عدم مبالاتهما بـالأمن الذي يمثل أهم متطلبات الحياة و البقاء و التطور ؟ .
الأمن و الاستقرار هو الوضع الطبيعي للبشرية و الانسانية لأنه يبني الأمم و الشعوب و اذا فُقد في منطقة نزح المواطن الى حيث يتوفر أمنه حتى لا يفقد كل شيء ، و بهذه الطريقة غير المسئولة من الجانبين ، ( الكَــر و الفَـر المسلح و ضرب المدن الأمنة ) فقدت الحركات المسلحة تعاطف بعض الذين ساندوها في فترات سابقة ، كما أن الحكومة ستفقد ايضاً تعاطف المواطن البسيط الذي وقف بجانبها و ( هلل و كبر ) عند تحرير مدينة هجليج لأنه كان ينشد الأمن قبل كل شيء و اذا أحس بأنه لن يجده في ظل هذه الحكومة التي تفتح أبوابها للآخرين فسوف يسخط عليها و لن يلومه لائم بعد ذلك .

E.mail:[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..