النسبية الثقافية

الشعوب عادة تميل الي الاعتقاد بان تراثها الفكري واسلوب حياتها يمثلان في نظرها الافضل دائما ،ولكن هذا التحيز الثقافي لا ينبغي ان يشكل اساسا للنظر الي الثقافات الاخري ،فكل ثقافة لها معني وقيمة يتناسبان مع المكان والزمان والخبرة الانسانية في موائمتها مع البيئة ،وفي اطار ظروفها التاريخية .فالثقافة نسبية ،مما يقطع الطريق الي التقيم الاخلاقي المسبق لثقافات الشعوب والحكم عليها بالخطا والصواب .باعتبار كل الثقافات مظهرا او وسيلة عملية لحل مشكلات الانسان مع بيئة زمنية في زمن محدد ،ونييجة لسيادة العقلية الاستعلائية في السودان وبروز الثقافة المتدثرة بثوب القداسة ،تولدت لغة الثنائيات في العقل السياسي السوداني منذ بواكير الحركة الوطنية والتي قسمت التاريخ السوداني الي تاريخ مقدس وهو يمثل حقبة ما بعد دخول الاسلام حاملة في طياتها ثقافية خلاصية للشعوب السودانية وانسان متعالي وخير دين …الخ ، وتاريخ اخر نجس ووثني (ما قبل دخول الاسلام) ، وهذا التصنيف النرجسي والاستعلائي ضاعف من حدة المعضلة السودانية وحال دون تشكل الاجتماع السوداني.وادعاء بعض المجموعات العرقية في السودان بارتباطهم بالقيم السماوية مما يجعلهم يستشعرون بظاهرة التفوق العرقي والثقافي! والقاموس الاجتماعي مليئ بالمفردات التي تحط من انسانية وكرامة الاخر الذي لا يمت بصلة بثقافة المجموعات التي تدعي تمثلات الهية في الارض! وظاهرات الاستحقار والاستخفاف لثقافات الشعوب السودانية العتيقة باعتبارها ثقافات بدائية ومتخلفة ما الا تجسيد لاعلي تجليات العقل القداسوي ….هذه العقلية التي تجعل من الدين الاسلامي كمعيار محدد عن مدي صحة وخطا اي ثقافة او عادة او تقليد.ويروج لها عبر مؤسساتها الايدولوجية (التعليمية ،والاعلامية ) ،واذكر من ضمن ما درسناه في الجامعة فيما يسمي بمادة الثقافة الاسلامية تقول “العرف الصحيح هي العرف التي لا تتعارض مع الشريعة الاسلامية، لذلك تقسم العرف الي عرف صحيح وفاسد” هذا المنطق منافي لطبيعة الثقافة والعرف .لان الثقافات والاعراف والتقاليد تتولد عبر قانون كيمياء التفاعل المجتمعي اليومي من طرائق المعيشة والادوات التي يستخدمها افراد المجتمع في قضاء حوائجهم ،والاساليب التي يستخدمونهم لاستخدام هذه الادوات ،فادوات الصيد والزراعة والقتال ادوات ثقافية، والازياء واسلوب الترفيه ايضا ادوات ثقافية واساليب الرقص وطقوس الزيجات وغيرها ،كلها عرضة للاغناء والزيادة والتعديل بفعل التطورات التي يتعرض لها المجتمع .وبالتالي لا يمكن استلاف اي معيار مفارق لقانون المجتمع للحكم علي اي عادة او عرف او تقليد بالخطا او الصواب .
اذن يمثل مفهوم النسبية الثقافية دعوة الي الاعتراف بتنوع الشعوب واحترامها ومحاولة تفهمها ،الامر الذي يساعد الي فهم افضل للطبيعة الانسانية وتفسير سلوك الافراد كافة ،والتعرف علي انماط الحياة الاجتماعية في الحاضر والمستقبل.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. أنا في اعتقادي لو الكلام الذي كتب في اثبات عنصرية بعض القبائل واثبات التحيز الثقافي في اعتقادي لو بذل هذا الجهد في ابراز الثقافات الاخرى التي يعتقد الكاتب أنها مضطهدة ربما لكان أفيد من محاولة إثبات قواعداجتماعية بوسائل برقماتية.
    إن إنشاء قناة فضائية ثقافية تعرض ثقافة منطقة معينة ليس بالامر المكلف، ولكن التحدي يكمن في المادة التي تقدم في القناة لتجعلها جاذبة و مؤثرة وذلك لضعف في المكون الثقافي وعدم قدرته على مواكبة روح العصر.
    شخصيا اتابع الراكوبة بانتظام واعتقد أنها منبر حر ولكني لم أجد مادة تعرض هذه الثقافات الاخرى التي لم نسمع بها فكل ما أقرأه هو هجوم على ثقافة الوسط دون عرض للثقافة المظلومة حتى أحكم بنفسي على صدق المقصد.

  2. خير الكلام ماقل ودل…هذا هو التناول العلمى السيلم لتنوع الثقافات وماأحوجنا لمثل هذا…

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..