المناهج المدرسية فرملَت العربية

تحصيل عيالنا من اللغة العربية مخجل ومؤسف ويكسف، (سأظل أطالب بترقية بعض الكلمات العامية إلى الفصحى بعد أن تصبح متداولة في كل البلدان الناطقة بالعربية، كما يفعل أصحاب قاموس أكسفورد سنويًا، ومن بين تلك الكلمات ?يكسف? و?يبهدل? و?يشرشح? ?يصيع? ومشتقاتها، الأمريكان استعاروا منا كلمة ?هبوب? وجعلوها إنجليزية، لأن لفظها يفيد معناها)، ويعزى ضعف الحصيلة ذاك، إلى بؤس مناهج وطرق تدريس العربية.
طبيعة عملي تتطلب قراءة سير ذاتية لراغبين في العمل في مجال الإعلام، واللغة هي ?أساس? الإعلام، وقل لي ماذا تفعل عندما يأتيك طلب توظيف من هدي او ندي أو يحيي أو مرتضي؟ أو يكتب شخص ما أنه يبحث ?عن وظيفتن?؟ (قال نائب في البرلمان السوداني إن تلميذاً سُئل عن العشرة المبشرين بالجنة، فذكر الرسول عليه السلام ثم أبو لهب). أجيال كاملة لا تميز بين الياء والألف المقصورة، ولا التاء المربوطة والمفتوحة، أما الهمزات فـ?خليها على الله?، وفي منطقة الخليج تكتب ?أبو ظبي? فتجد من ?يصححها? إلى أبو ضبي.
قبل أكثر من 50 سنة توصل معلمو اللغة الإنجليزية إلى ضرورة إلغاء ?النحو/ القرامر? كمادة مستقلة، ويتم إعطاء الطالب جرعات خفيفة من قواعد الإنجليزية، في سياق نصوص مكتوبة او مسموعة، بحيث يتم استنباط القاعدة والشواهد عليها من نص، ولو ظلت مناهج اللغة العربية عندنا جافة ومملة كحالها الراهن، فإن اللغة الفصحى ستصبح عما قريب ?تخصصاً? لنخبة النخبة، والنخب في جميع المجتمعات أقلية هزيلة العدد، ويزيد الأمر ضغثاً على أبالة (وهذه العبارة ليست بالأوردو، وتعني أن الأمر تحول من سيئ إلى أزفت)، أن التلفزيون وهو أكثر أدوات الإعلام رواجاً، وقع تحت سطوة مجاميع من الأميين لغوياً ومعرفياً، فهدموا كل ما بناه الإعلاميون الرواد، الذين نجحوا في استنباط لغة فصيحة بسيطة لا تنطع فيها.
في المرحلة التي كنت أسعى خلالها لتحسين إلمامي باللغة العربية، كنت ألجأ إلى إذاعة بي بي سي (هنا لندن)، للتأكد من صحة نطق واستخدام بعض المفردات، واليوم فإن نفس تلك الإذاعة صارت تفتك باللغة العربية، آناء الليل وأطراف النهار، وإذا كان هذا حال أداة إعلامية ذات خبرة وإرث تراكمي ضخم، فما بالك بإذاعات وتلفزيونات سلق البيض، التي تسلل إليها جهلة عصاميون، كل رأسمالهم وسامة مصطنعة ويقدمون برامجهم بلغة المقاهي والأرصفة؟
وبالمناسبة فإن كثيرين يعرفون أنه حتى نظام التصحيح في الكمبيوتر، يتسم بالغباء عند معالجة النصوص العربية، فيضع لك خطوطاً حمراء تحت كلمات مكتوبة بطريقة صحيحة، في حين أن النظام الخاص باللغة الإنجليزية، لا يصحح الخطأ الإملائي فحسب، بل النحوي أيضا، (إذا كنت تكتب نصوصاً إنجليزية فقم بتحميل برنامج grammarly لأنه يصحح كل الأخطاء بكفاءة)، وما ذلك إلا لأن من أعدوا نظام التصحيح العربي كانوا قليلي الزاد والعتاد اللغوي.
لا أزعم أنني فطحل في اللغة العربية (وضع الكمبيوتر خطاً أحمر تحت ?فطحل?)، ولكنني حريص على الاستزادة، فقط أتمنى أن تختفي من مناهجنا ? على الأقل في المراحل الأولى من التعليم النظامي- بعض دروس النحو التي تسبب التهاب القولون: الفاعل مرفوع بالضمة المقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر!! طيب طالما الضمة غائبة ومعذورة فلماذا لا تسترونها بمنطق ?فقه السترة والغائب عذره معه?؟ هل دراسة الطباق والجناس والاستعارات تسهم في تحسين إلمام الدارس باللغة؟
ولماذا درسنا الإعلال والإبدال في المرحلة المتوسطة؟ فيم يفيدني أن أعرف أن ?ميناء? كانت أصلاً ?موناي? لأنها من الفعل الثلاثي ?وني?، بفتح الأحرف الثلاثة، وقلبت الواء إلى ياء لأنها جاءت بعد كسرة وقلبت الياء إلى همزة متطرفة من خلايا داعش النائمة.

الراي العام

تعليق واحد

  1. ويلك من الفية ابن مالك وشروحها،نحو يعدم الاوكسجين تماما من جو الغرفة،ابان المرحلة الابتدائية،كان يتملكني الاسي العظيم حينما يكتب كلمة نحو علي السبورة،،لقد تم اغراق التلاميذ بمواد لغوية ودينية،لذا كانت النتيج وبالا،فاصبحت جملة انشاء الله جملة صحيحة ولا حولة ومشاقب،ولكن الامر ليس مقصورا علي السودان،فلو تتبعت كتابة العرب الاصليين حولنا لظننت ان الكاتب بنغالي معلوم وصاحب

  2. استاذناالكريم

    معجب جدا بكتاباتك واتفق معك فى اضمحلال مستوى اللغة العربية وخاصة الاملاء

    المشكلة الاساسية هى طريقة تدريس الكتابة فى المراحل الاولى لتعلم اللغة. الاجيال السابقة تعلمت القواعد الكتابية ثم طبقتها، وتم صقل مهارة الكتابة بكثرة التدريب عليها وكانت الاملاء حصة قائمة بذاتها مثل الانشاء وغيرها من فروع اللغة.
    الذى حدث هو ان الطريقة فى تعليم الكتابة تغير الى ما يسمى بالطريقة الكلية.. وهى طريقةتعتمد على صورة الكلمة ككل . ربما تكون طريقة اسهل للقراءة لكنها لا تعلم الكتابة الصحيحة. فمعظم الاجيال الجديدة تخرجت وفيها ضعف فى الاملاء.

    اما دراسة الجناس والطباق وكل فروع البلاغة، فهى مهمة وكذلك الصرف من اعلال وابدال.. الا انها ربما لا تناسب المراحل الاولى من التعليم.

    ثورة التعليم العالى ، عربت الجامعات واهملت العربية، فخرجت جيل لا يتقن اى من اللغتين.

    المؤسسات الاعلامية حالها حال كل المؤسسات التى تهتم باشياء اخرى غير الكفاءة.

    اعجبنى فيك البحث عن الاتقان فى البحث و التعليم المستمر، فكثير من اهلنا فى السودان يعتبر نفسه كامل الدسم بمجرد تخرجه من الجامعة.

  3. ضعف اللغات والقدرة على التفكير الذاتي من أهداف هذه الأمة وأنتم تعرفون ولكن تتظاهرون بالإندهاش.

  4. ان دراسة النثر والادب …. والعربي الفصيح لما اصبح شحيحا في كتب الدراسة وفي الواقع المعاش …… وصلت العربية الى ماهي عليه الان ….. في ظل تسيد ….. لغات حية …. كل يوم هي في رقي …..

    والسبي عدم استقرار المجتمع …. مابين ….. داعش …الى البشير ….الى القذافي …..الى ناصر …. الى مبارك ….. وغيرهم … من اتى….. اما بجراب او ببندقية …. وتسيد الناس …. فاصبح الخامل نابها ….. والغني طاغيه …. والفقير محروم ….. بل …. معدوم الروح ….والقوت ….. فمن ….. يتفكر ….. للغة الضاد….. بل سمها ….. الظاد…. لان الخليجيين اشكل حتى…. على مثقفيهم ….. هذا الحرف ….. الحزين المندثر ….. لا محالة ….. لصالح …. لغة OK …

  5. الاستاذ ابو الجعافر كنا جيلا محظوظا لان مناهج التعليم كانت توضع بعناية وتجرب في بحت الرضا ثم لا تنسي تاهيل الاساتذه والدورات للترقية في المعاهد سنويا ثم مرور مفتشي التعليم ومما يؤسف له ان تلك الطريقة وذلك النظام وضعهه الانجليز كما نظام الخدمة المدنية والقوات المسلحة وبقية القوات النظامية وكذلك تقسيم البلد لولايات بطريقه سليمة وادارة هجين بين الاهلية والحكومية ومما يؤسف له كل ذلك انهار بايدي وطنية صرفه وفي تقديري ماساة اللغة العربية هي ماساة اللغة الانجليزية لان اللغات تتفاعل وكنا في اللغتين (شطار) لان النظام محكم والمدرس مؤهل وضاعت العربية يوم ان ضاعت الانجليزية وبداية التعريب (الخليط ) بغير خطه ولا هدي ولا كتاب منير نحن في وكسة ووحسة ووحشه فضلت تاتي داعش!!!وشكرا

  6. ابو الجعافر الرائع ، بمناسبة اللغة العربية وأفول نجمها فى تعليمنا فى الزمان الردئ . اهديك جبل التوباد ، وهي كافية لاستعادة لواعج الذكرى لذلك الزمان الجميل والتعليم المتقن ..

    جبل التوباد يقع إلى الجنوب الغربي من مدينة الرياض بمسافة 350كم، بالقرب من مدينة الغيل، بوسط وادي المغيال. شهد هذا الجبل قصة حب قيس بن الملوح وابنة عمه ليلى العامرية، وذلك عام خمس وستون من الهجرة في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.
    مر به قيس، بعد فراق ليلى وزواجها من وردى الثقفي، أنشد هذه الابيات
    وأجْهَشْــــــتُ لِلتـــــَّوْبـــــَادِ حِيــــــنَ رَأيْتــــــُهُ
    وهلــــل (وكبر) للــــــــرحمـــــــــن حيـــــن رآنـــي
    وأذْرَيْتُ دَمْــعَ الْعَيْــــنِ لَمــَّا رَأيْــتُـــهُ
    ونــــــادَى بـــأعْلــَى صَوْتِــــــهِ ودَعَانـــــــــــِي
    فَقُلْـــتُ لـــــه أيــــن الَّذيــــِنَ عَهِدْتُهــُمْ
    حـــــواليـــك فــــــي خصــــب وطيــــب زمــــــان ؟
    كما نظم أمير الشعراء أحمد شوقي، في مسرحيته الشعرية قيس وليلى، هذه الأبيات على لسان قيس ومخاطبا جبل التوباد :
    جـبـــل التـــوباد حيــاك الحــيا
    و ســقى الله صبـــانا و رعــا
    فـيك ناغــينا الهــوى في مــهده
    ورضــعناه فكنت المُــــرضعا
    و عــلـــى ســفحك عشنا زمـنا
    ورعيـــنا غـــنمَ الأهــــل مـعا
    و حـَدَونا الشمسَ في مَغـــــربها
    و بَكــرنا فسبَـقــنا المَطلعا
    هــــذه الربـــــوة كانت مَلـــــعـَـبا
    لشبابَيــنا و كانت مـَرتـــــعا
    كــم بنــــينا مــن حصــاها أربُــــــعا
    وانثـنـينا فمَحَونا الأربُــعا
    و خطـــطنا في نــقى الرمل فلم
    تحفظ الريحُ ولا الرملُ وعَى
    لم تـــزل ليلى بعَيــنى طِـــفلة
    لم تــزد عــن أمس إلا إصبـــَعا
    ما لأحــجــارك صُـــمّا كلما
    هــاج بي الشوق أبتْ أن تســمَعا
    كلــما جـئــــتك راجــــعتُ الصِــــبا
    فأبــتْ أيامُـــه أن تــرجــِعا
    قـد يهــــون العـُـــمرُ إلا ساعــة
    و تهـون الأرض إلا مَوضِــعا

  7. استاذنا العزيز جعفر عباس الفرق بين هذا الجيل والاجيال التي سبقته في عدم الالمام باللغة العربية هو ان جيلنا الغالبية العظمى منهم بدأوا تعليمهم بالخلوة حيث هي التي تضع الاساس في تعلم لغة القرآن فكنا نبدأ بتعلم الحروف أ ب ت ث وكنا ننطقها هكذا ألف باء تاء ثاء جيم حا وخاء دال وذال راء وزين سين وشين صاد وضاد طاء وظاء عين وغين فاء وقاف كاف ولام ميم ونون هاء وواو لام الالف الاتنين من تحت. طبعا لام الألف لم يفهما الا من درس الخلوة وهي تعني حرف اللام المربوط بحرف الألف (لا) والاتنين من تحت تعني حرف الياء حيث تحمل الياء نقطتان اسفل رسم الحرف ي وكذلك كنا نتعلم الحركات على الحروف حيث نقول الباء باء نصب أي أن عليها فتحة أو علامة النصب والباء بي خيفيض أي عليها كسرة والباء بو روفوع أي عليها ضمة والباء أب جزم أي عليها سكون. كذلك يا ابني فان جيلنا وجد حظه من تعلم اللغة العربية لغة القرآن بالصورة الصحيحة ما يفتقده جيل اليوم حيث نجد من ابنائنا من هو مؤهل اكاديميا ويحمل الدرجات العليا ولكنه عندما يتحدث العربية أو يكتبها فحدث ولا حرج لذا ننصح الابناء الاهتمام بلغة امهاتنا وإبائنا فمعظمنا ولا اقول كلنا لا يتحدث اباءنا ولا تتحدث امهاتنا إلا اللغة العربية ولا يعرفون غيرها ومن تعلم العربية ولا ينطق بغيرها فهو عربي لذا يجب ان نعتز بها وهي لغة القرآن وبهذه المناسبة عندما كنا طلاب في كلية الزراعة جامعة الخرطوم كان هنالك استاذ زائر من الجنسية الهندية وكان يدرسنا احد الكورسات وفي محاضرة معينة ترددت كلمة اكسجين Oxygen عدة مرات وفي كل مرة كان ينطق الكلمة نطق غريب لم نعتاده فكان الطلاب في كل مرة يضحكون عليه فاشتط الهندي غضبا وصاح بأعلى صوته قائلا ان اللغة الانجليزية ليست هي لساني امي ولا هي لسان امهاتكم وإنما لغة غريبة The English language is not my mother tongue or your mothers tongue but it is a foreign language وهذا يوحي باعتزازه بلغة امه الآ فعلنا ذلك الاعتزاز ابنائي الاعزاء بلغة امهاتنا وهي لغة القرآن الكريم فجودنا معرفتها نطقا وكتابة . ثم بعد تعلم الحروف وتعلم الكتابة نبدأ بحفظ القرآن ويبدأ الطالب بالفاتحة والحفظ يتطلب كتابة السورة القرآنية على اللوح وهو لوح من الخشب وتتم الكتابة عليه بواسطة المداد الموجود في الدواية وهو مداد يتكون من السكن الاسود بعد ان يضاف له الماء وقلم الكتابة الذي يكتب به على اللوح فص من قصب الذرة يتم برايته بدقة فتصبح حافته رقيقة تشبه الريشة ثم يغمس في الدواية فيتشبع بهذا المداد الاسود ثم يكتب به وكلما جف المداد عن القلم اعيد الى الدواية. كان لذلك الفضل بعد الله في اتقان جيلنا اللغة العربية بعكس جيل اليوم.

  8. سأل الطالب الشيخ; يا مولانا نهو دة بسوو بى شنو؟
    رد الشيخ; نهو دة عشان نقلب الهاء دي حاء.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..