أوان الدعاش

… إنها
… يدي
… تلك
… الجسورة
… الحانية
… المخاتلة
… الكريمة
… الرادعة
… الرحيمة
… الطاغية
… ذات الأصابع الطويلة
… تأخذك أخذاً
… تمسك بتلابيبهم
… تقذف بي
… إلى أقاصي الدنيا
… تحطه
… ترفعه
… تتسلق بهم
… مدارج الغايات الكبرى
… عسى نور السماء
… أن يسمو بنا
… ويزداد إشراقاً
… ليضيء أعطاف النفق الحالك
… ليته يطهرك حتى ينقشع ضباب الغفلة
… التي غشيتني
… فيرى ما غاب عن بصيرة الفانين
… فأرويه حكايا
* * *
… هذه يده
… أبطش بها
… يربتون عبرها
… على متون ضحايا الحروب
… إنهم يغتصبون بها
… النساء الأرامل
… وبناتهن الصغيرات
… أعلم أن كبدك المفطور
… أحرقه صدري المشتعل
… إلا أن كبرياء المهمشين
… مجتثة الجذور
… من يؤجج نيران الحروب؟
… إنها يده الطولى
… ذات المخالب الحداد
… جذبت يدي
… كففتها عن القهر
… هيمن عليها كابوس
… لا يني
… يحرضني
… على المكر والفتك
… ويده مفتونة بالحقد والبارود
… وشبقة بالسيوف المسمومة
* * *
… كانت يدي ترتعش
… كرنين الساعة
… معلقة على صدره
… أكافح وعياً
… أجزم أن رصيده
… من الخبرات
… لا يحصى
… كلا
… إن يده ليست
… كلها خضراء
… ثمة بقعة جرداء
… فجوات
… أخاديد من السعير الملتهب
… تحرق القلوب الوالهة
… وتمزق فلذات الأكباد الرطبة
… من يبتر يدي ؟
… حتى لا يشق بها
… عصا طاعة
… سواد الناس
* * *
… إبان نهايات القرن التاسع عشر
… إهتبل “علي دينار”
… سانحة هزيمة “كرري”
… وسيادة الفوضى
… التي ضربت بأطنابها
… على مناحي “البقعة”
… ففر بجلده إلى “دارفور”
… ذات ليلة دهماء
… حيث تمكن من هزيمة منافسيه
… فارضاً
… سطوته على السلطنة
… مخضعاً “حواكير” معظم القبائل
… من “زغاوة” و “رزيقات” و “معاليا” و”بقارة”
… وغيرهم
… متخذاً “الفاشر”
… حاضرة له
… محيداً السلطة المركزية
… تجاهه
… موسعاً تخوم سلطنته
… من “ود باندا” شرقاً
… إلى “حفرة النحاس” غرباً
* * *
… تلك يد
… وهذي يدي
… أمدد يدك
… تكورت قبضتا يديهما
… إنتظمت أرتال السحب
… غطت سماء البلاد
… إنفجرت غيثاً
… كصرخة أول الميلاد
* * *
… أيتها الغبطة الوليدة
… ها أنت
… تسلكين فجاج الحواكير
… وتسكبين قطرات الندى
… لتضمدين بها جراحنا
… أعيدي إلى الجسد الخامد
… روحه السليبة
… هدهدي طفولته الموءودة
… يا ترتيلة عذبة مجيدة
… دعي بهجة المراعي تسود
… أشرعي أبوابك
… في وجه الفضاء
… ولا توصدينها
… دون الرياح
… فأن العواصف
… تجدد شباب الأزاهير
… والشجن يضفي سحراً
… على مشارف الربوع
… والدموع تزيد
… من وضاءة المحيا
* * *
… هل شممت أريج الدُعاش
… هذا أوانه
… حدق صوب الأفق
… وأعمل فؤوس الكدح
… في الأرض الخراب
… لا تخش المسغبة
… رغم عصف الريح
… وزغللة البروق
… ورهبة السحب الراعدات
… وقارسات الشتاء
… والبطون الخاويات
… دع الترحال
… وإبن صرحك العالي
… مراعٍِ ومروجاً زاهيات
… وأطو وهم السراب وأعرج
… فإن السفر الطويل
… أوله خروج
* * *
… أمدد يديك
… بلا سلاح
… هذه يدي
… ملأى بألوان البراءات
… والود القديم
… لقد أضلنا هوانا
… هذا أوان الدُعاش
… رائحة المطر الوشيل
… تاهت يدانا
… بين أضاليل الطغاة
… وقوة الجسم الغريب
… هناك في البعيد
… بلا مدى
… بلا زمان
… ولا مكان
… حيث حافة الكون الوهمية
… تبرق يدِِ
قاص وروائي سوداني مقيم بأمريكا
[email][email protected][/email]