مدرسة الهداية: ماضٍ تليد وحاضر جديد ومستقبل واعد

للشاعر المصري الكبير محمود غنيم قصيدة في التحسر على الأمجاد المضاعة يقول في مستهلها:
إني تذكرت والذكرى مؤرقةٌ
مجداً تليداً بأيدينا أضعناه
ثم يمضي في تحسره إلى أن يقول:
استرشد الغرب بالماضي فأرشده
ونحن كان لنا ماضٍ نسيناه000
ومن ماضينا العريق في مجال التربية والتعليم والذي كاد أن يندثر ويطويه النسيان، مدرسة الهداية لمؤسسها الشيخ الطاهر الشبلي قبل مائة عام «قرن بالتمام والكمال»، لولا أن نفراً كريماً من الكرام الذين عرفوا فضل هذا الشيخ وشهدوا له بالريادة بل ونهلوا من علمه وتتلمذوا على يديه وغرفوا من معين نهجه التربوي المحكم الذي نالوه من هذه المدرسة الرائدة، تنادوا وتداعوا لإحياء هذه السنة الأهلية المجيدة وإعادة هذه المسيرة التعليمية والتربوية الباذخة، بإحياء سيرة هذه المدرسة، مستلهمين من التجربة ماضيها العريق والأصيل، مقتدين بروح صاحبها الوثابة والمثابرة والمتطلعة، مترسمين خطاه في عدم تسليع التعليم بأن لا يصبح سلعة تشترى وتباع ويُنتظر منها مكاسب وأرباح، كما هو شائع الآن وبصورة جشعة، جعلت من التعليم سلعة غالية الثمن باهظة التكاليف لا يستطيعها إلا ذوو بسطة في المال أو السلطة أو الاثنين معاً في أزمنة تحالف أهل المال مع السلطان، الامر الذي شطر المجتمع إلى فسطاطين كما يقول الساخرون «الشناة والفقر والمرض والفلس والفاقد التربوي» في جانب و«الدعة والراحة والجمال والعافية والترطيبة والتعليم الجيد» في الجانب الآخر، ثم قرر هؤلاء المبادرون ربط هذا الماضي الزاهي باستحقاقات الزمن الحاضر ومطلوباته ومستجداته ومستحدثاته وتقنياته ووسائله الحديثة، مع مد النظر إلى المستقبل القادم تطويراً ومواكبة لما قد يستجد، فقرّ رأيهم علي ترفيع المدرسة من مستوى الأساس إلى الثانوي، ثم مضوا خطوة عملية بأن اختاروا لها مجلس أمناء برئاسة مولانا دفع الله الحاج يوسف والرجل غني عن التعريف وعضوية قامات اخرى من علية القوم من بينهم صالح عبد الرحمن يعقوب وأمير عبد الله خليل والبروف بركات الحواتي وبعض أبناء وأحفاد المؤسس الشيخ الشبلي واخرين، كما تم تعيين المعلم المخضرم والخبير التربوي المعروف الاستاذ حسين الخليفة الحسن شقيق سر الختم الخليفة رئيس وزراء حكومة اكتوبر مديراً للمدرسة تعاونه نخبة مختارة بعناية من الأساتذة أصحاب القدرات والخبرات المشهودة، وتحتل المدرسة موقعاً متميزا جنوب بوابة عبد القيوم الشهيرة بأم درمان، وستبدأ المدرسة في استقبال الطلاب الجدد للعام الدراسي 2013- 2014 بمقرها المشار إليه000
لولا ان طبيعة هذه المساحة التي نكتب عليها «العمود» لا تسمح، لاستفضنا في الحديث عن مآثر هذه المدرسة ومناقب مؤسسها، فهي تستحق وبجدارة ان يفرد لها سفر كامل، تخيل فقط أن مدرسة سودانية خالصة تنشأ في عام 1912 وتقوم بجهد فردي خالص لشخص واحد في ذاك الزمان الذي يعز فيه التعليم وتندر المدارس بل ان الامية في اوساط المجتمعات السودانية حتي المدينية منها وقتها تكاد تبلغ نسبة مائة بالمائة، فما بالك بمن علمتهم وصقلتهم وخرّجتهم من افذاذ وضعوا بصماتهم وتأثيراتهم على هذا الوطن منهم من رحلوا عن هذه الفانية ومنهم من هم بين ظهرانينا أمد الله في ايامهم من أمثال الزعيم الخالد ابو الاستقلال اسماعيل الازهري، وعبد الخالق محجوب الاسم الذي لن يحتجب عن تاريخ الوطن، واللواء طلعت فريد وامين الشبلي وبشير البكري، ومولانا دفع الله الحاج يوسف والدكتور كامل شوقي والفريق فتحي أحمد علي، ومن الرياضيين بكري التقر وبشرى وهبة وبشارة عبد النضيف وسليمان عبد القادر والاخوان الصحافيان الضخمان عبد الرحمن مختار مؤسس هذه الصحيفة وشقيقه حسن ومن الفنانين محمد ميرغني وكمال ترباس والمسرحي الفاضل سعيد والاذاعيان اللامعان حمدي بولاد وعبد الرحمن أحمد محمد صالح وغيرهم وغيرهم من الاسماء اللامعة التي خلدت ذكراها في سجل الوطن كل في مجاله، واخيرا لا يمكن ان نختم هذه العجالة بغير الاشارة إلى أن اول مدير لهذه المدرسة بعد وفاة مؤسسها كان هو الاستاذ عبد الله عبد الماجد والد الزعيم الاخواني المشهور صادق عبد الله عبد الماجد متعه الله بالصحة والعافية، كما شغل هذا المنصب أيضا أبو المسرح السوداني الفنان خالد ابو الروس رحمه الله.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..