للإنقاذ دروس و عِبر في الزمن الضائع (1)

كما هو متوقع فقد التقط المؤتمر الوطني العصا مرة أخرى عقب دخول قواته إلى أبو كرشولا بعد إنسحاب قوات الجبهة الثورية منها، محاولاً إستعادة الروح و الحياة إلى جثته الباردة و التي إنفض الناس من حولها، و مثلما حدث أيام أزمة منطقة هجليج في العام الماضي فقد عاد النظام ليمارس عاداته البغيضة و اللحوحة و عاد جنراله لتسليك حلقومه بالصراخ و الوعيد، دون رقيص و صقرية هذه المرة، بعد إنقطاع و فترة صمت لم نتوقعها أن تطول كثيراً. و الشاهد أن هذا النظام و رئيسه لا يتعلمان من الدروس و العبر الكثيرة والمجانية التي تُقدم له في هذا الوقت الإضافي لكي يفهم شيئاً و لكنه دوماً يأبى إلا أن يثير فينا المزيد من هذا الإحساس بالإشفاق و السخط نحوه. لقد مرت دروس و عبر كثيرة تحت جسرهم و بفضل غرور متأصل و فظاظة تربوا عليها في عرصات تنظيمهم نظروا إليها بإستهزاء و تعنت شيطاني. كانت أهم تلك الدروس و العبر التي مضت و لن تعود أبداً في العام 2005م أي مرحلة تنفيذ إتفاقية السلام و فترتها الإنتقالية اللاحقة، و التي تعاملوا معها ليس باعتبارها مرحلة حاسمة و حرجة في تأريخ السودان بكامله، بل تعاملوا معها على أساس أنها أمر مفروض عليهم و لم يكونوا بأي حال من الأحوال على إستعداد حينها على تقديم أجندة الوطن و وحدته على أطماعهم الشخصية و مصالحهم الحزبية الشاذة، فأستعانوا بأساليب المراوغة و الإستهتار و حشر الأصابع في الآذان بغية إنقضاء الفترة الإنتقالية بأي شكل كان عدا أن يكون هناك تحول حقيقي في البلاد، و بإعتبار أن المؤتمر الوطني وقتها له الأغلبية في البرلمان و مجلس الوزراء و قد إحتمى بمعظم الوزارات السيادية ذات الأهمية القصوى فضلاً عن أن جنراله بإعتباره رئيس البلاد و المسؤول الأول، فلم يفتح الله على ناس الإنقاذ أن يتحلوا بشيء من روح المسؤولية و أن يعملوا صادقين على جلب سلام حقيقي في شأن أزمة دارفور و ليس إتفاقيات التجزئة و القطاعي التي إستعانوا فيها بنفس ذات التاكتيك الذي أحال أحزاب المعارضة الشمالية إلى أفواه بلا أسنان و إلى جماعات منقسمة على نفسها و متفرقة و لا تحسن الإتفاق على رأي موحد حول أبسط أجندات الوطن، و لم يسعف العصبة الحاكمة سلوكهم الشمولي و قصر النظر عندهم لتعديل قانون الأمن و إتاحة أجواء الحريات السياسية للأحزاب و التنظيمات الأخرى بل إستمر القمع على ما هو عليه، و ظل النظام يبث نفس رسالته الإعلامية الإقصائية السابقة و لم يتح المجال للثقافات و الآراء الأخرى لتعبر عن نفسها بكل حرية، و في مرحلة الإنتخابات العامة التي أعقبت إتفاقية السلام جعل حزب المؤتمر الوطني مؤسسات و أجهزة و إمكانيات الدولة حكراً له و لحملته الإنتخابية، فأستعان و بشكل مغزز بالإعلام المرئي و المسموع و المكتوب و بأموال و إمكانات الدولة و حتى السيارات و وسائل التنقل و كأنه يملك كل ذلك ملكية خاصة و بصك شرعي عنده، إلى جانب و إستمرار عصبة المؤتمر الوطني في إنتهاج سياسة تنمية صورية مظهرية لبعض المناطق تتسم بكثير من الإختلال. فكانت خاتمة الدرس الأول الذي عجز أهل الإنقاذ فهمه أو فعلوا ذلك متعمدين أن إنفصل الوطن و ذهب الجنوب الحبيب بعيداً لتجنيب أجياله ويلات أفكار المؤتمر الوطني الشاذة بينما ظل الشمال يرفل إلى اليوم في تبعات ذاك الفقد الجلل الذي نجم عن ذات العقلية التي أدارت أحداث هجليج و تدير الموقف الآن عقب أحداث أبو كرشولا و أم روابة و السميح و الله كريم و جبل الدائر.
نواصل…

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..