ورطة الغربة (3)

احد اساتذة علم الاجتماع قال ان الانسان فى الغربه فى الدول المتقدمه يمر بثلاثه مراحل اول مرحله هى الانبهار والدهشه وهذه حقيقه فبمجرد ان تطأ قدمك ارض المطار تنبهر بذلك النظام وتلك النظافه وحتى الصف ينال اعجابك فليس هناك من يتخطى دوره او من ياتى بالواسطه من الداخل وعندما تخرج للحياه يعجبك سهولة الحياه لانها منظمه والتقدم التكنولجى واحترام القانون والعمل وتستمر هذه الحاله لفتره ثم تاتى مرحلة الرفض home sick وهى التى يصل فيها الانسان الى قناعه بالمقارنه ان حياتنا افضل من حياتهم وان مابهره هو قشور حضاره ويبدأ يكتشف فى عيوب المجتمع الجديد من تفكك اسرى ودعاره وماديه وجرائم تصدم وانعدام الحياه الاجتماعيه وفرديه مطلقه بل قسوة مجتمع لايتحمله انسان نشا فى وسط مثل وسطنا فيه تداخل اجتماعى واسع فجارك لاتعرفه واذا قابلك لايلقى اليك حتى بالتحيه وتحس انك تعيش فى مجتمع بلا عواطف وتبدأ تحس بحالة شوق للوطن وارتباطك باهلك ومعارفك يقوى بعد فتره انشغال بالمجتمع الجديد ويتملك المغترب الحنين لاهله واصدقاؤه وتزيد معدلات محادثاته للسودان بشكل كبير ويبدا فى استرجاع ذكرياته الحلوه عن بلده والبعض تنتابه نوبات بكاء وعزله يعيشها مع ذكرياته مع اسرته وعطفها ولمة الاصدقاء ووقفة الجيران فى المناسبات وزملاء العمل وهذه هى المرحله التى تطغى فيها العواطف على العقل فيقرر الكثيرون العوده للسودان والذى يتجاوز هذه المرحله يدخل فى المرحله الاخيره وهى مرحلة قبول المجتمع الجديد والاندماج فيه وهى تتفاوت من فرد لآخر فبعد ان كان الفرد فينا يرفض اكلهم بل ويشمئز من رائحته يبدأ يستسيقه ويسمع لاغانيهم ويتقبل عاداتهم وخاصه اذا كان لديه ابناء فانهم ينقلون الخارج للداخل وتحس ان ثقافه جديده بدأت تتسلل للمنزل فرب المنزل وزوجته اصبح لهم تلفزيونهم الذى لايشاهدوا فيه الافضائيات السودان والدول العربيه والابناء اصبحت القنوات الامريكيه لاتفارق تلفزيونهم واللغه نفسها اصبحت هناك لغتان وفهمان للامور احدهم بعقليه غربيه والآخر بعقليه عربيه ويبدأ تناول الوجبات فى المطاعم فى الويك اند واللبس مختلف ويبدأ التصالح مع الثقافه الغربيه واذكر فى بعض الفترات لاحظنا ان منسوبى الحركات الاسلاميه اكثر الفئات التى تتحصل على تاشيرات لامريكا فسالنا احد صحفى نيويورك تايمز عن السر فى ذلك فقال لنا اننا لانراهن عليهم ولكن نراهن على ابنائهم وهذه حقيقه اكتشفتها امراه سودانيه اتت باسرتها لقرينزبورو وبعد فتره قررت العوده للسودان فاستغرب الناس وسالوها فقالت لهم اذا استمريت هنا فقد اضمن ابنائى يحافظوا على دينهم ولكن هل اضمن الجيل الذى يليهم ان يكون مسلما وعادت للسودان (وساعود لموضوع الابناء )
واواصل فى موضوع العمل فى امريكا فقد كان فى زمننا ذلك متوفر والاقتصاد منتعش وكان البعض يترك عمله فى وردية الصباح ليلتحق بعمل آخر فى وردية الظهر والبحث عن عمل يتوقف على المجهود الفردى فليس هناك واسطه او من يتفرغ ليذهب معك للبحث عن عمل وكانت الاعمال اعمال هامشيه مثل حارس فى متجر او سائق تاكسى اوالمتجر او المطاعم واغلب السودانيين لم يكن لديهم اذونات عمل وقليلين جدا الذين كانوا يحملون القرين كارد وقد اكتشف اليهود فى نيويورك ان السودانيين يتميزون بالامانه فى ذلك الزمن فاستخدموهم وكانت اغلب دكاكين اليهود يديرها السودانيين واذكر ان يهودى ثرى جدا جعل من عمر احد ابناء كسلا مديرا لاعماله يتحصل اجرة الدكاكين والعقارات ويوردها للبنك وعندما قرر عمر العوده للسودان تاثر ذلك اليهودى كثيرا واصبح يرسل مع كل عائد للسودان مبلغا من المال لعمر جزاء على امانته ووفائه ….. كان السودانيون يتركزون فى المدن الكبيره فقط حيث تتوفر الاعمال واول مايعانى منه السودانى فى العمل هو الوقوف لساعات طويله ونحن لم نعتاد على ذلك ولم نعتاد على اخذ العمل بجديه ولكن السودانيين سرعان ماتاقلموا على الجديه فى العمل بل والعمل لساعات طويله وبذوا الامريكان نفسهم فى ذلك فكانت هناك نماذج اذهلت حتى الامريكان وكان على راس هؤلاء الاستاذ عثمان الجلقنى المعلم ابن سنجه الذى عمل فى التاكسى ومع انه عمل حر فقد كان عثمان يتعامل مع تاكسيه كمستخدم يخرج فى السادسه كل صباح لايتاخر دقيقه ويعمل لاكثر من 12 ساعه يوميا وفى الويك اند يصل ل15 ساعه وليس هناك off وفى قرينزبورو كان هناك عمك موسى وضياء الدين والمرحوم حاتم المسعوديه وهؤلاء كانوا يعملون فى مصنع proctel and gambel وكانوا يعملون ورديتين متواصلتين وقد كتب عنهم فى جريدة المصنع عن قوة تحملهم المدهشه وكرموا ومنحوا جوائز وفى مره اعطاهم مدير المصنع اجازه منحه منه ليرتاحوا وفى البوسته كان هناك عصام ابراهيم وابوحسين واحمد على وانس واحمد عبد الغفور الذين كانوا يعملون ايام الكريسماس 14 ساعه يوميا بلا off لمدة شهر وفى الايام العاديه 10 الى 12 ساعه يوميا هذه نماذج لرجال فى الغربه بذلوا من العرق الكثير وضربوا مثلا جيدا للسودانى الذى فاق الامريكان بذلا وجهدا وقوة تحمل وتنفى هذه الامثله مايشيعه الاخوه الخليجيين عن كسل السودانى الذى يضرب به المثل وتحكى عنه النكات ……. كنت اكثر مااعانى منه جو العمل فنحن اعتدنا فى جو العمل على الونسات وعقد الصداقات التى تمتد لتصبح علاقات اسريه ولكن فى الغربه علاقات العمل بارده كبرودة طقسهم فهم لايهتمون بتبادل التحيه وليس لديهم نظام فى السلام فالجالس يمكن ان يبدا بالتحيه وكثير منهم لايتبادلون حتى التحيه فالامريكى ياتى بمشاكله الاسريه للعمل فلا يبدا بالقاء التحيه كما اعتدنا واحيانا لايتكلم معك طوال اليوم وانتم تعملان فى مكان واحد واحدهم عمل معى لمدة 5 سنوات ولم يتبادل معى كلمه واحده !! وعندما استقلت وغادرتهم لم اودع واحدا فى مكان العمل فليس هناك اى ذكريات نحن الذين نتقابل فى البص لمدة ساعات فنودع بعضنا بالدموع
وفى نهاية هذه الحلقه اود ان اشكر كل من علق على هذه الحلقات او مقالاتى الاخرى سواء بمقال او تعليق او ايميل وتفيدنى تعليقاتكم كثيرا ويسرنى تجاوبكم ومرحب بكل راى مهما كان ولكم تحياتى وللحلقه القادمه
محمد الحسن محمد عثمان
قاضى سابق
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. طلب بسيط ما عاوزين حلقة اخرى وشوف ليك كورس لتحسين اللغة او المعلومة
    انت إشتغلت قاضي ولا محامي كيف؟ الا اذا كان لقب مولانا ده من الجامع!!
    اخخخ .. ضيعت وقتنا ..عالم موهومة فاضية..شوف ليك شغلة

  2. والله الرجل كلامه طيب وقال معلومات جيده والسوداني شغيل والله دى معروفة لينا لكن الاخوان المصريين مامريحننا وهم سبب هذه الاشاعة حسد منهم على تعوننا مع بعضنا وشكرا لك كاتب المقال .

  3. ياخى انت كمان ماتحسن اسلوبك وانا مغترب جديد فى امريكا واتابع هذه الحلقات بنهم انت لو ماعاجبك بتشوفه ليه بعدين اتقى الله فى دينك لانك عرضت بالجامع والجامع دا بيت الله يانقص دين وحتى تعليقك فيه اخطاء وانا قريت تعليقك دا ذاته فى عدة مقالات انت ماعندك شغله يانص …

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..