مهمة كرتي المستحيلة !!

تجاوزاً لحالة الاستنفار التي تمر بها البلاد ،وجه علي كرتي وزير الخارجية بضرورة التحرك الدبلوماسي للعمل علي حل قضية الديون قبل انقضاء الاجل المحدد ،وجاء ذلك في لقاء تنويري عقده مع سفراء السودان لدى ايطاليا ،وأسبانيا ،وفرنسا ،وسويسرا و هولندا .ذكر الوزير ان مسألة ديون السودان التي تبلغ 42 مليار دولار يجب ان تتصدر اولويات السياسة الخارجية . الحكومة تقول انها استوفت كل شروط اتفاقية الهيبك المتعلقة باعفاء وجدولة الديون ،وفيما يبذل الان السيد كرتي جهدا كبيراً للتصدي لهذه المهمة الصعبة ،هو يريد ان يدخل الي القضية مدخلا فنياً في حين ان الحديث الان في مرحلة “السيستم” السياسي ، ويريد ان يعيدها سياسية حينما ياتي وقت الحديث عن الاشتراطات الفنية والاقتصادية الموجبة لكل من يتقدم بطلب للاستفادة من اتفاقية اعفاء الديون .
ينهض كرتي بعافيته الي مهمة مستحيلة وهي اقناع اعضاء نادي باريس ال55 للموافقة علي اعفاء ديون السودان ،معظم هذه الدول يهمها امران لا ثالث لهم “الالتزام بالشروط الفنية والاقتصادية لاتفاقية الهيبك وثانيا الاستقرار السياسي والنظام الديمقراطي ” .هناك دول لديها اهتمامات جوهرية بعدم انزلاق السودان الي الانهيار .الحقيقة ان ما من احد يقيم استراتيجيته تجاه السودان علي اساس الفوضي . هذا لا يهم الدول في شئ .لكنه قد يفيد جهات غير مسؤولة معنية بتجاوز القوانين الدولية ،هناك تجارة غير مشروعة باتت تنهض بها جماعات قوية وتمسك المالية العالمية “من عراقيبا ” ،تهتم تلك المجموعات بغسيل الاموال وتجارة السلاح والمخدرات …الخ .لا وجود لدولة في العالم الان ستفرح لانهيار السودان ،ومعروف علي نطاق واسع ما يعنيه انزلاق السودان الي اكثر السيناريوهات تشاؤماً “الحرب الاهلية .
مبكراً في 2011 قال كرتي للمجتمع الدولي “لا يمكن ان تتفرجوا علي انهيار السودان “. في وقت لاحق كثف السودان حملة جديدة للدبلوماسية السودانية لانتزاع وعود جادة بالتعامل مع مسألة الديون ،كان ذلك مع اقتراب استفتاء تقرير المصير لجنوب السودان في 2011 . الان تعيد الحكومة علي لسان وزير خارجيتها الكرة مرة اخري ،وقد كان اجتماع مدريد الذي حضره ايضاً يحي حسين الوزير برئاسة الجمهورية ،ويحي حسين بحسب “سونا ” هو ايضا ممثل السودان في لجنة التحرك وعضو لجنة الديون ،ورئيس لجنة الدين الخارجي .بهذا يكون ان موضوع يحي حسين الرئيسي هو الديون . العالم علي ما بدى من حواراته مع الحكومة يتفهم حوجة السودان لتسوية ديونه ،ويتفهمون ايضاً ان تسوية الديون هو الحل الوحيد لمشكلة السودان ،فهو في هذا الجانب مستوفي شروط اتفاقية اعفاء وجدولة الديون .لكن المشكلة ان السودان “ساقط سياسة واقتصاد ” ،ولا يمكن ان تتفاصح بانك مؤهل لتلقي امتيازات اعفاء الديون لمجرد انك فاشل !
عندما تسمع جدل الحكومة ومناطحتها للدخول ضمن الدول المستفيدة من اتفاقية “الهيبك ” تتحير صراحة في قوة عينها . فالدول التي ينافحها دفع الله الحاج سفير السودان في الامم المتحدة في مجادلة سخيفة ،حول احقية الحكومة في استخدام الطيران في حربها بجنوب كردفان والنيل الازرق ودارفور ،هي ذاتها الدول التي تتجه اليها الدبلوماسية السودانية لاستقطاب 55 صوتأ لاعفاء الديون ،اذا وافقت هذه الدول كلها دون اعتراض واحد سيتولى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مهمة “انشاء سيستم اقتصادي” وبالضرورة يتولى السودانيون مهمة تطوير نظام دستوري وسياسي .
ما الهيبك ؟
هي اتفاق بين الدول الدائنة لمنح الدول المدينة والمتعثرة في تسديد ديونها المتراكمة ،فرصة جديدة .. لان تراكم الديون قلل نسب النمو وادي الي ركود اقتصادي عام ..ولتصبح مؤهل للانضمام الي هذه الاتفاقية هناك اشتراطات “فاذا ارادت الدولة ان تُمنح مساعدات لتخفيض ديونها عليها الالتزام بسلسلة من الاصلاحات .قال البنك الدولي ان هذه الاصلاحات باختصار كده تستهدف تشجيع النمو الاقتصادي وتخفيض مستويات الفقر ” طبعاً دي لو نططا لا يمكن تحقيقها في ظل حرب ونزاع قبلي في كل مكان ” وما بين الاقواس معناه ان دبارتك لحل نزاع جبل عامر في ثروة الذهب كشف ان ما تحت السواهي دواهي ” قال لي مجدي الجزولي في عرض تحليله لاقتصاد رقعة النزاع في دارفور “انه لابد من مشاريع انتاج استثمارية توفر وظائف وتعيد المواطن الي دورة الانتاج ،بخلاف ذلك حسب مجدي سوف لن يجد صبية وفتيان شريط النزاع الا البندقية كوسيلة لكسب العيش . اذن لا يمكن للحكومة ان تتوفر علي خطة ناصحة تخفف بها الفقر وتزيد النمو الاقتصادي وهي تحتضن “خطتها الجهنمية ” في الحرب علي العملاء والارهابيين .تتضمن خطة الاصلاح التي يراقبها البنك الدولي “واحتمال يسويها براهو في حالة السودان ” سياسات اقتصادية وطنية شاملة “اقتصاد كلي ” وبالضرورة انشاء نظام قانوني سليم .اما “الزيت ” فهو اقامة نظام مالي يمكن التعويل عليه وخاضع للمساءلة ،كما تضع الحكومات التي تريد ان تستفيد من “مبادرة اعفاء الديون ” خطط تفصيلية لتحسين الجودة النوعية للخدمات العامة ،مش كده وبس ،كمان تحديد طرق للحصول عليها وتتضمن تحسين نوعية حياة الفقراء .لنقل ان ما يتعلق بالفقراء هو انشاء ساي باعتبار “نقد النظام الراسمالي ” وبالتالي فان البنك الدولي والدول الدائنة سيغضون النظر عن مسالة “تاثير السياسات علي الفقراء وتحسين حياتهم .لكن ما هو مؤكد ان التدريب ونوعية التعليم والخدمات الاخري هي ذات تاثير مباشر علي كفاءة الاقتصاد في المستقبل .اضافة الي جودة المالية العامة والخدمة العامة .هذه لا يمكن التنازل عنها لانها الطريق الوحيد لتوجيه اموال الدائنين في بنودها الصحيحة .حتي وان طلب السودان ديناً جديدا يكون قادراً علي اعادته “ما دي الفكرة انت قايل شنو ” .
السؤال الاول كما قال ادوارد الجميل رئيس وفد صندوق النقد الدولي الي السودان ابريل الماضي ،هو كيف يمكن للسودان ان يقنع 55 دولة بالموافقة علي اعفاء الديون ؟ صعوبة هذا السؤال لان بعض هذه الدول سيسأل اسئلة في السياسة ” كلها تتعلق بالحرب والنزاعات والنظام السياسي المستقر ”
لا ادري عن طبيعة الاوراق التي تُطرح في الاجتماعات الرسمية بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وحكومة السودان .لكن ما مهم في هذه الاوراق هو هل فيها شئ يشير مجرد اشارة الي ان لدينا خدمة عامة يمكن ان يُعتمد عليها ؟ الاجابة علي هذا السؤال ستقود الي مرحلة اخري من التفاوض في اعادة هيكلة الدولة علي اسس ونظم وقوانين ومؤسسات . مش قلنا ليكم ؟
اعفاء الديون يتطلب مهر غالي و هذا النظام لم يتوفر لديه هذا المهر اول هذا المهر الشفافية و الدايمقراطي ثانهاحقوق الانسان هل هذه الحكومة عندها الاستعداد لهذا؟ في نفس الزمن يتحدث وزير دفاع نظام الابادة بانهم استخدموا اسلحة حديث في ابوكرشولا ضد المدنين
* هذه البلاد يا اخى، يتولى امر تسييرها سلاطين، و ليس جهاز تنفيذى او حكومه ذات اهداف وخطط و برامج مثل بقية دول العالم. حول هؤلاء السلاطين تنابله و ليسوا مسئولين تنفيذيين او سفراء او خلافه.
* الشاهد يا اخى ان مبادرة الهيبك التى تبناها صندوق النقد الدولى عام 1996(Highly/Heavily Indebted Poor Countries Initiative) تتطلب ثلاث إشتراطات اساسيه:
1- إعداد ورقه علميه توضح إستراتيجية الدوله الراغبه فى الإستفاده من المبادره نحو تخفيض حدة الفقر فى الدوله: برامج و خطط و سياسات(Poverty Reduction Strategy Paper(PRSP
الشرط الأساسي فى إعداد هذه الورقه هو مشاركة منظمات المجتمع المدنى و المرأه! و المنظمات غير الحكوميه! و لا بد من إعتماد صندوق النقد لهذه الورقه اولا”. و هنا تظهر معضلة السودان الإستبدادى الشمولى الذى لا يعترف بمثل هكذا منظمات او كيانات!!.
2- ثبات السياسات الكليه للأقتصاد القومى الهادفه لتعزيز برامج خفض الفقر، و متابعتها لفتره اقلها عام كامل. و نحن لا نثبت ليوم واحد!!
3- الإحتفاظ بسجل كامل للديون الخارجيه بهدف عدم انتاج ازمه الديون مستقبلا. هل هذا ممكن فى حالة السودان و المدعو مصطفى عثمان و ولاة الولايات كل فى مسعاه بدون رقيب فى بلدان العالم من اجل ديون جديده؟
* على كل حال فإن الإنضمام لمبادرة الهيبك هو شأن فنى بالدرجه الأولى، وهو من إختصاص وزارة الماليه بإعتبارها نقطة إرتكاز( Focal Point ) فى كل ما يتصل بعلاقة السودان بالبنك الدولى و صندوق النقد الدولى، كما هو الحال دائما مع كل دول العالم ( ما عدا دولة السلاطين طبعا)! دور وزارة الخارجيه هو مهمة علاقات عامه، قد تكون فى مرحلة لاحقه، ولكن قطعا ليس الآن.
** و عليه، فإن السلطان على كرتى إختار ان يقضى إجازه صيفيه فى منتجعات إسبانيا بصحبة زوجته فى شهر عسل ثانى، على ما يبدو، و هى فى ذات الوقت سفيرة السودان فى إيطاليا!!، على ان يدفع الشعب السودانى تكاليف إستمتاعه بهذه الخلوه الشرعيه. و من عجب فهو ذات الشعب المراد إلغاء ديونه بهدف تخفيض فقره. و لا بأس فى ان يصحبه فى هذه الإجازه 3 او 4 من تنابلة السلطان الذين يسمونهم سفراء. و لا بد ان يكون هؤلاء من اصحاب الحظوه و المقربين، بحكم محطات عملهم المنتقاه بعنايه فائقه، لو تلاحظ.
** هناك 36 دوله من افريقيا جنوب الصحراء و امريكا اللاتينيه إستفادت، بشكل او بآخر، من هذه المبادره. و للأسف الشديد اقول لك يااخى ان السودان من بين ثلاث دول فقط لم ينظر فى امر إنضمامهم بعد نسبة لعدم إستيفائهم الشروط الفنيه الأساسيه، و الدولتين الأخريين هما إريتريا و الصومال، بس تصور؟!!
** و ما لم يتبنى صندوق النقد الدولى موقف السودان (Sponsor) تجاه مبادرة الهيبك، سوف لن يلتفت نادي باريس او خلافه من الدائنين للسودان ابدا. و الصندوق لم و لن يفعل ذلك ما لم يستوفى السودان الشروط اعلاه.
**** نحن يا اخى نعيش فى بلد السلاطين و التنابله، فليس هناك دوله إسمها السودان.
و لكم الله يا فقراء بلدى، إنه يمهل و لا يهمل.