التعدين: إيجابيات ومخاطر

صار مصطلح الدهابة من المصطلحات المتداولة في السودان للإشارة للآلاف من الشباب وغير الشباب الذين هجروا مهنهم وأعمالهم الأخرى واتجهوا للنشاط الجديد المسمى بالتعدين الأهلي. انتشرت أماكن التعدين الأهلي في الشمالية ونهر النيل والنيل الأزرق والقضارف ودارفور، وصارت الفضائيات والصحف تحمل إعلانات أجهزة الكشف عن المعادن، وبالذات الذهب، بشكل يكشف أنها صارت سوقا رائجة.
إلى جانب ذلك تنشط شركات كثيرة سودانية وأجنبية في القطاع المسمى بالتعدين المنظم الذي يتم عبر عطاءات وتخصيص مربعات للشركات في عدد من ولايات السودان، حيث لا يتوقف التعدين عند الذهب وحده وإنما يتعداه لمعادن أخرى. وقرأت وسمعت عن اتجاه جديد للتعدين في النيل، لم أقرأ عنه دراسات وابحاث، لكن أعلم أنه اتجاه قد يجد القبول والتصديقات.
ولا يمر يوم دون حديث عن اكتشاف جديد، أو تصديق لشركة جديدة، وعن مئات الآلاف من الأراضي التي تخصص لهذا الغرض، مع حديث متفائل جدا، وقد لا يكون دقيقا، عن الدخل الذي سيحققه التعدين، والذي قد يعوض الدخل المفقود من البترول.
لست خبيرا، ولا أدعي حتى الاطلاع المنتظم والراتب على دراسات وابحاث التعدين بتشابكاته الكثيرة، لكن لدي إحساس قوي بوجود فوضى كبيرة في هذا المجال، وغياب الخطط المدروسة التي تشارك فيها كل الجهات المتخصصة وذات الخبرة. فمن القراءة الأولى للتقارير الصحفية المتعددة نستنتج كثيرا من المشاكل التي نتجت عن هذه العشوائية في التعدين، منها الصراعات القبلية التي وقعت في دارفور والتي راح ضحيتها العشرات، غير ضحايا الانهيارات التي حدثت وفي مناطق بعيدة عن وسائل الإنقاذ والإسعاف المعروفة دوليا، والتي يجب أن ترافق النشاط التعديني.
كذلك فإن التعدين المفتوح من دون دراسات سيسبب أضرارا بيئية كبيرة في كثير من المناطق، وقد بدأت هذه الآثار عبر الحفر العشوائي وترك المخلفات، حيث تحولت مناطق كثيرة إلى مقالب وحفر، ستغير على المدى البعيد طبيعة هذه المناطق وبيئتها. وليس ببعيد ان تمتد مناطق التعدين لتؤثر على الأراضي الزراعية والرعوية ومجاري الأودية الطبيعية والقطاع الغابي. والأخطر من كل ذلك امتدادها إلى مناطق الآثار المعروفة منها والمجهولة، بما يعرض آثارنا وتاريخنا كله للخطر، خاصة وأننا لا نملك خريطة آثارية كاملة ومعروفة.
نحتاج لمراجعات على مستوى القوانين ذات الصلة بالتعدين، بحيث تتضمن هذه القوانين نصوصا منظمة وصارمة ، وشفافية في التعامل مع الشركات المحلية والأجنبية، وأجهزة رقابة متقدمة حتى لا تضيع ثرواتنا. من الممكن أن نفقد في غضون سنوات قليلة هذه الثروات دون أن يكون لها مردود حقيقي على اقتصادنا، ونورث بدلا من ذلك كثير من الاضرار البيئية والاقتصادية والاجتماعية، وجيوش من الشباب الذين أضاعوا مهنم الأصلية، ولم يكسبوا شيئا جديدا غير سنوات العمر التي ضاعت.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الاستاذ فيصل لك التحية للاسف كل شي في بلادى عشوائي ولايرتقى حتى لمستوى المسؤلية الدولة لاتهتم بالبئة ولا بالانسان كل مايهمها ان تاتى للخزينة دولارات لقضى حاجتها وازمتها اليوم اما ما هو المقابل فهذا ليس مهما لديها دولة لاتحترم انسانها فهل هذه دولة اخى فيصل نحنا اصبحنا دولة فاشلة بسبب جهل الانقاذ في ادارة الدولة السودانية التعدين اكثر من عشوائى تخيل اذا اته هذا الكم من الشباب نحو الزراعة ووفرت لهم الدولة الحد الادنى من التجهيزات ورفعت عنهم الجبايات ماذا سنجنى فهذا هو الذهب الحقيقي ولكن من يفهم ونخبتنا دوما تدمن الفشل

  2. لم نرى فى اى دولة محترمة ان تترك الثروة القومية فى ايدى الاهالى وشركات وهمية تعبث بمقدرات البلاد بدون ضوابط وبدون قوانين بالاضافة الى خطورة استحدام الزئبق الاحمر مما يسبب امراض حطيرة يصعب علاجها وقصد حكومة المؤتمر الوثنى الهاء الشباب عن الثورة والسياسة بفرية الذهب والثراء دون الاهتمام بالاضرار البيئية واهدار الثروة القومية للبلاد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..