مقالات سياسية

المدهش في الخرطوم (1)

حسين الزبير

غبت عن الخرطوم سنتين و بضع شهور ، و توقعت ان اجد الكثير من الجديد المدهش، الذي منيت نفسي ان يكون ايجابيا. لكنني وجدت الكثير من المدهش المقلق الذي يدعو الي تشخيص امراض مهنية و اجتماعية و اخلاقية. فقررت ان اكتب لكم في حلقات عن المدهش في الخرطوم.

خدمة العملاء (Customer Service)في شركات تأجير السيارات

عندما يزور اجنبي بلد ما بغرض الاستثمار يكون اهتمامه مركزا في المقام الاول علي دراسة الظروف الرئيسية كالاستقرار السياسي و النمو الاقتصادي، و توفر الموارد البشرية المؤهلة. و اهم العاملين في مجال الاعمال الخدمية اؤلئك الذين يتعاملون مع العملاء، اي موظفي خدمة العملاء (Customer Service Employees) .

تعالوا لنلقي نظرة علي احدي الخدمات التي تقدمها الخرطوم لسكانها و زوارها،و الخدمة التي اعنيها هي تأجير السيارات.

في زيارتي هذه للخرطوم، و التي بدأت في منتصف مايو، وجدت اسعار تأجير السيارات وقد ارتفعت بصورة مدهشة، لذا بدأت في البحث عن بديل لشركتي المفضلة فايف ام (5 M) ، و هي شركة تتعامل بمهنية عالية وفق المعايير العالمية لتأجير السيارات، ولذا فاسعارها ايضا مرتبطة بالتحولات التي تحدث لعملتنا السودانية.

وجدت شركة اسعارها المعلنة تقل بكثير عن اسعار شركتي المفضلة، فقررت ان اؤجر منهم ، خصوصا و قد رأيت بعض عرباتها امام المكتب يغسلها بعناية احد موظفي الشركة. دخلت المكتب ووجدت شابا يجلس خلف الطاولة منهمكا في كتابة شئ ما، فحييته و رد علي تحيتي بنبرة خالية من الحماس و الود و دون ان يرفع راسه عن الدفتر الذي ينشغل به. و مع ذلك اتفقت معه علي تأجير سيارة تويوتا قيمة اجرتها 140 جنيه في اليوم (140 الف بالقديم) و بعد الاجراءات اللازمة من تسليم جواز السفر و صورة الاقامة الكندية، و التوقيع علي العقد ذهبنا لموقف السيارات لاستلام السيارة، و بدأ بالسيارة المسجلة ارقام لوحتها في عقدي، لكنها رفضت ان تدور، فحاول اخري من نفس النوع و لم تكن احسن من سابقتها، فاقترح علي ان اسوق سيارة اخري اتوماتيك و سقتها. و في الليل اعتقد احد الجائعين ان سيارة المغترب الكندي به مال وفيرفكسر زجاج الباب المجاور لمقعد السائق. ذهبت اليهم لاسلم العربة للتصليح. فاصروا انني المسؤول عن التلف لانني تركت السيارة امام باب المنزل، فدفعت مرغما قيمة تصليح السيارة. و من بعد بدأت في المطالبة بحقوقي كمؤجر للسيارة، اي ان يعطوني سيارة اخري اسوقها. و كانت اجابة هذا الشاب: ما عندنا سيارة نديها ليك ، السيارة المخصصة للطوارئ سايقها المدير!!! و ماذا افعل انا؟ ما عندك حل غير تشوف ليك ضل تقعد فيه لغاية ما نصلح ليك السيارة!! و كم من الزمن علي ان اجلس في الضل؟؟ ساعة ساعتين!! و بما ان مكتبهم في شارع محمد نجيب طلبت منهم ان يأتوني بالسيارة في مقهي ” الاوزون”. و بعد ثلاث ساعات اتصلت بهم فقالوا ان السيارة لن تكون جاهزة خلال النهار، فاتصل بنا عصرا – لاحظوا الاشارة للوقت بالنهار و العصر! فتملكني غيظ شديد و لم اجد ملاذا غير الذهاب لامي في الكلاكلة. و هناك حوالي الرابعة مساءا اتصل بي هذا الشاب المغرور دون مبرر، ليقول لي ان السيارة جاهزة. ووصلت لمكتبه حوالي السادسة و لم اجده و قيل لي انه يصلي العصر، و استغرقت صلاته 22 دقيقة تماما. و بعد وصوله اجري مكالمة تليفونية،ليقول لي بعدها ان السيارة لن تكونو جاهزة اليوم ? اتصل بنا غدا!!! لكن لما اتصلت بي لتقول لي ان السيارة جاهزة؟؟ ياخي السيارة ما جاهزة و نحنا ما رسلنا ليك دعوة في بيتكم عشان تؤجر مننا ? نحنا خدماتنا كده اذا عجبك ? ما عاجبك ممكن ارجع ليك قروشك و اعاد لي ما دفعت ناقصا اجرة يوم واحد.

اعتذر للقارئ عن هذه التفاصيل القبيحة التي كان واجبا ايرادها لتتفهموا هدفي من كتابة هذا المقال.

عندما يصادفني سلوك غريب كهذا ابحث عن عذر لصاحب السلوك، مستخدما المبدأ القانوني (Benefit of Doubt)، و لم اجد مخرجا لهذا الشاب غير ان المخدم كان يبحث عن شخص لا يستحي و لا يتورع قول او فعل اي شئ ، ليحرم الزبون من حقه في خدمة لها اصولها و قوانينها في بلاد الناس كلها، ما عدي مثل هذه الشركات التي قررت الاستثمار في هذا المجال دون دراسة او خطة. و لذا فان المؤهل المطلوب من الموظف الذي يتعامل مع الجمهور ان يتمتع بقدرة علي انتهار الزبون و استفزازه ليتنازل عن حقوقه و “يتخارج”! و الذي لايعلمه صاحب هذا العمل ان كل عميل يتعرض لمثل هذه المعاملة نقطة دم تنزف من جسم عمله الربحي، حتي يأتي يوم يصاب فيه هذا العمل بفقر الدم.

طلبت من العم قوقل ان يزودني باسباب النجاح لشركات تأجير السيارات فاعطاني العم قوقل مثالا : شركة انتربرايس رنت-أ-كار الامريكية (Enterprise Rent-A-Car) يعتقد الجهاز الاداري لهذه الشركة ان نجاح الشركة ليست فقط في استثماراتها في السيارات المتنوعة و صيانتها بل في التيم الذي يتعامل مع العملاء. في مقابلات التعيين يبحثون عن شخص يتمتع بالكياسة و الصبر و القدرة علي حل المشاكل مطبقا مبدأ ان “العميل دائما علي حق” و قبل كل هذا التعامل مع الزبون الذي يصعب ارضاؤه(Handling difficult people) تحدد هذه الشركة ثمانية مهارات اساسية في موظف “الفرنت دسك”:
1. ان يكون اولي اهتماماته رعاية الزبون
2. رغبة و قابلية في التعامل بمرونة
3. اخلاقيات مهنية مستمدة من الاخلاص للمؤسسة و تنفيذ سياساتها
4. رغبة اكيدة في التعلم و الترقي في سلم الوظيفة
5. حافز ذاتي يؤهله للمبادرة بتحقيق اهداف المؤسسة
6. مهارات تسويق تقنع الزبون و تجذبه للتعامل مع المؤسسة
7. مهارات تخاطب ممتازة
8. القدرة علي الريادة و القيادة في موقعه

اسمع احدكم يقول ماذا فعلت؟؟ طبعا عدت لشركتي فايف أم ? و رغم ان المدير الجديد “ماثيوس” ناشف شوية، الا ان المدير الاب كلما وجدته في المكتب قال لتيم المكتب: “اتوصوا بالحاج ? ادوه يوم هدية مني” فاكتشفت انني ادفع نفس القيمة التي “اتهزأت” بها في تلك الشركة التي تتعامل بتقاليد سوق يفتح الله و باركوها!

رب اهدي اهلي في السودان لادراك قيمة العلم في كل مجالات الحياة.
و آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

و انتظروا الحلقة الثانية بعنوان : اللي يسأل يتوه
[email protected]

تعليق واحد

  1. وددت أن أحييك يا قريبي، والظروف أبت أن تجمعنا، والله أسأل أن نلتقي، أنور محمدين من مانيلا وجدي شيخ إدريس سليمان من سعدنكورتي قريبكم، وكذلك أم العيال بنت فاكمة شالي واسأل الحاجة التفاصيل.
    وكان الله في عونك.

  2. 1/ الحمد لله ان رجعوا ليك باقى المبلغ مع الخصم لليوم .. والجاتك فى القزاز سامحتك
    2/ المقارن بين الشركه الفاسده مع انتربرايس زى المقارنه بين اوباما والبشير المنفعل دايما
    3/ الشئ الملفت فى العاصمه وبى صوره مخيفه كسر الزجاج والسبب البلد فوضى وهايصه
    4/ السلوك الغريب والاستفزاز هو شعار الدوله والماعاجبو إتصرف ونحن جاهزين
    5/ اتمنى ان الحلقات القادمه تشمل المستشفيات والمراكز الصحيه والاحياء والجيران وياحبذا لو كتبت
    حلقه من داخل بصات الوالى .. الوجع بالكوم ياحسين الزبير والحال مايل بالحيل
    والناس تعبانه شديد .. شديد … وياريت لو فى امل . الكل يدعون داخل القلوب وهو
    اضعف الايمان .. الله المستعان ..

  3. من الذي قال نحن معشر السودانين نعرف ” البزنس ” ؟ إن تجارب السودانيين الفاشلة فى “البزنس “لا تحصى ولا تعد . ذات مرة ذهبت أشترى طبق فول من مطعم سودانى ، فوجدت الشخص المسؤول عن تقديم أطباق الفول والطعمية والجنبة يرتدى ملابس أقل ما توصف به بأنها قذرة اى والله قذرة بل مقرفة ، تمالكت نفسى وقلت طالما أن الفول خارج للتو من النار يمكن أخذه .المشكلة طلبت منه أن يضع عليه قليلا من الجبنة ، فما كان منه إلا وبدا يحك الجبنة بأضافره تصور!. عندها غادرت المطعم دون أى تعليق . مرة أخري ذهبت لدكان لبيع الثياب النسائية وكان برفقتى زائرات من السودان .عندما دنوت من الدكان شاهدت حوالى 8 سودانيين يشكلون حلقة داخل الدكان ويتونسون ويتعاطون الشاى والتمباك .قلت لصاحب الدكان معى سيدات راغبات فى شراء ثياب ولكن كيف يدخلن الدكان والمكان محاط بالرجال . تصوروا ماذ قال لى ! قال لى : يا خى ديل أولاد أهلنا من الحلة ! المصيبة أنه شايف هذا الوضع عادى جدا !. تركته مندهشاً وانا أنطلق بسيارتى الى أحد دكاكين الإيرانيين .ألم أقل لكم نحن لا نعرف ” البزنس “

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..