الصادق المهدى ودوره فى غياب حزب الأمة عن دائرة العمل والنضال

أزمة حزب أم أزمة قيادة

أزعجتنى الدعاية لخطاب يزعم أنه هام للسيد الصادق المهدى عبر الوسائط المختلفة، وجاء إنزعاجى للإنتهازية التى ظل يمارسها الصادق مع الأنصار ومنسوبى الحزب؛ فكلما أحس بكثرة الهجوم على مصداقيته وما أكثره؛ إستنفر الناس ووعدهم بحديث هام ينتهى بمبادرة ورقية أو تهديد أجوف، وكلنا يعلم أن النظام سوف لن يسمح للصادق بهذه الجمهرة إن كان يعلم فيها تهديد ولو قليل لبقائه؛ كثرة هذه الوعود الجوفاء والكل صار لا يعول عليها أملا كثيرا؛ ولو كنت مكان الصادق لقمت بواحد من الأثنين: أن يعلن عن تنحيه عن قيادة الحزب فى هذا اللقاء ويحدد موعد لا يتجاوز الثلاث أشهر لقيام مؤتمر عام لإختيار زعيم جديد للحزب وأن يسند مهام قيادة الحزب للجنة ثلاثية برئاسة نائبه برمة ناصر وعضوية الأستاذة سارة نقدالله رئيسة المكتب السياسى و الأمين الاعام للحزب الدكتور إبراهيم الأمين وينزل من منبره متجها إلى بيته ليقضى ما تبقى له من عمر فى أسفاره وهواياته أو يعلن عن إعتصام عام فى ميدان الخليفة يقوده بنفسه ويطلب من كل الحاضرين أن لا يرجعوا لبيوتهم حتى يسقط النظام وليكن ما يكن بعد ذلك، لو قام الصادق بإحدى هذين الأمرين فسوف يستطيع أن يحافظ على ما تبقى له من ماء وجه فى مصداقيته التى تلاشت؛ وإلا فأى كلام مكرر فى سواءت النظام أو إصدار أى مبادرة جديدة فإن نتيجتها سوف تكون مزيدا من إذدراء الأنصار والمغلوبين على أمرهم وجماهير الشعب السودانى لأساليبه المكررة غير المستساغة؛ وكذلك مزيد من التمرد والتفتت فى الحزب ومزيدا من الإقتتال فى ربوع الوطن ومزيدا من للضياع لما تبقى من مصالح الوطن. هكذا إبتدرت نقاشا فى إحدى منابر الفيس بووك؛ ولما كان هذا النقاش مفيدا فى من كثير من جوانبه لتسليط الضوء عى أداء الصادق المهدى الذى قاد إلى إضمحلال حزب الأمة وغيابه عن مسرح التغيير مما جعله يكون خصا على ماضيه وعبئا على وطن مثقل بالكوارث؛ وللدخول فى محاور النقاش دعونى أجيب على بعض الأسئلة كمقدمة ضرورية لهذه المرافعة. عاب على زملائى إستخدامى لبعض المفردات اللغوية وهو ما أعتبرته موضوع ثانوى جدا فى الموضوع المطروح؛ لقد إستخدمت لغة سياسة أعنى كل ما قلته فيها وأستطيع أن أدافع عنها؛ وهى على الأقل أفضل من اللغة التى ظل رئيس الحزب يستخدمها ضد زملائه فى الحزب ولم نسمعه يستخدمها مع أهل النظام؛ أن اللغة هى وسيلة من وسائل التخاطب والتواصل فيما يراد إيصاله. وقد إستخدمت لغة معروفة ومتداولة ومن قواميس السياسة وذات دلالات محددة إخترتها بعناية وكنت ومازلت أعنى ما جاء فيها، لأن المخاطب فى هذه الحالة سياسي؛ كما أن الإنتقاد الموجه له ذى طبيعة سياسية بحتة؛ وربما تكون دواعي التحسس من اللغة قد نشاءت من كون المخاطب رجل إمام وذى قدسية؛ وهو الأمر الذى لا أعيره أى إهتمام فى هذا المقام. الإنتقاد الموجه للصادق هو إنتقاد لحزب سياسى له برامجه وموجهاته واجهزته وليس لاى منها قدسية أو حواجز تحول دون المناقشة. واحد من أكبر أزمات حزب الأمة وما يعانيه الكثيرون من كوادر الحزب هو عدم مقدرتهم للتمييز بين رئيس الحزب وإمام طائفة الأنصار؛ ولهذا ظل أمر إنتقاد رئيس الحزب محفوف بكثير من العواطف والإنفعالات غير المبررة؛ وقد كنا قد نبهنا فى مواقع كثيرة لخطورة مثل هذا الجمع بين الوظائف التى كثيرا ما تحولت لعبئ ثقيل على كاهل الحزب و الوطن. كنت سوف اتفق مع الذين إنتقدونى فى أمر اللغة لو غير منسجمة مع هدف المقال لو كنت إستخدمت كلمات مثل كلمة بعاعييت وسواسيو وطراطير لان فى هذه الحالة تكون اللغة شاذة وغير ذات مدلول؛ ولا توصل للهدف لانها بالضرورة لغة جوفاء وسوقية وتحمل فى طياتها الإسائة والتحقير وليس إيصال للمفاهيم أو النقد البناء. ومن يكون الصادق من أمير المؤمنيين عمر بن الخطاب حينما أخرج صحابى من الأعراب سيفه فى وجه عمر قائلا والله لو راينا فيك إعوجاج لقومناك بسيوفنا هذه يا عمر؛ لقد كان ذلك فعل وليس قول ولم يقل خليفة المؤمنيين حينها إقتلوا هذا الإعرابى؛ وإنما قال لاخير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها؛ وفى موضع أخر حينما وقف الإعرابى يتساءل من أين لك هذا يا عمر؟ هذه هى الروح التى يجب أن تسود وهذا هو الإسلوب الذى يجب أن يتبع فى توضيح المواقف؛ وليس القدسية الزائفة التى ظلت بعبعا مخيفا فى حزب الأمة وفى الأحزاب الأخرى ذات التركيبة المشابة للحزب والتى لم تكسبنا غير التأخر. وأعود لدور الصادق فى السياسة: إن مايربطنا مع الصادق حزب له أهدافه وبرامجه وهو حزب سياسى ديمقراطى من أولوياته رعاية مصالح الوطن و وتظل اللغة أمر ثانوى حينما يكون هناك أكثر من 450 ألف شخص زهقت أرواحهم فى إقليم دارفور لوحده وما يزيد عن ال10 الف راحوا ضحية النزاع فى مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان فى العامين الماضيين؛ وما يزيد عن ال10 ألف ضحايا النزاعات القبلية التى لا حصر لها وكل هذه قبائل فى مناطق نفوذ الحزب؛ ولم يتدخل الحزب بإى حال لوقفها ولو بمناشدة ورقية خجولة؛ وحسب أخر تقرير رفع للكونقرس الأمريكى هناك ما يزيد عن ال5 مليون مواطن سودانى فى مناطق النزاعات بأرض الوطن فى حاجة عاجلة لمساعدات إنسانية؛ وأن 32% من الأطفال دون سن الخامسة فى كل السودان يعانون من سؤ التغذية إما لعدم توفر المواد الغذائية أو لعدم تمكن أهلهم من الإيفاء بإحتاجات أطفالهم لغلاء المعيشة والفقر وهذه النسبة تعنى أن أكثر من ثلث أهل السودان يعانون من فقر مقدع؛ وهو نفس الفقر الذى وعدنا رئيس الحزب بأن ينشى له بنك للقضاء عليه قبل أكثر من سبعة أعوام ولا أعتقد أنه يتزكر هذا الوعد؛ نظام الإنقاذ يمارس كل أساليب البطش والتعذيب وحتى نسائنا لم يسلمن من هذا البطش والإعتقال ودونكم أسماء الكريمات الشاجاعات اللأتى تم إعتقالهن فى عقر دار رئيس الحزب وهناك تقارير عن أفراد منسوبين للحزب والأنصار صاروا يساعدون الأجهزة الأمنية بإعتقال الطلاب؛ وهناك حالات إغتصاب مسجلة يقوم بها عناصر النظام؛ ولهذا فى ظل هذا الوضع والذى عمد رئيس الحزب فيه على تغييب واحد من أكبر أحزاب العالم الأفريقى والعربى وحول مكتب الرئيس لمكتب سياحة مؤتمرات تارة عن الماء وتارة عن نادى مدريد وأخرى للوسطية وتحول الحزب الذى من أولوياته المواطن السودانى ورفاهيته إلى حزب بيانات إدانة وشجب فى أفضل الظروف أو مبادرات ورقية لا قيمة لها؛ وظل رئيس الحزب يمارس أساليب مكررة ومملة مثل دعوة أعضاء الحزب للقاء هام أو لمؤتمر صحفى أو خلافه والنتيجة واحدة وهى إستمرار لبطش النظام ومعاناة أهلنا وضيــاع مصالح الوطن؛ لان ببساطة لو كان هذا الحزب فاعل ومهتم بقضايا الوطن لما إستمر هذا النظام كل هذا الوقت؛ المطلوب الأن أن يتنحى الرئيس ويترك هذا الموقع لمن هو قادر على العطاء؛ ولقد إستمر الصادق فى هذا الموقع لما يقارب الخمسون عـام والكل يتفق معى فى أن النتيجة؛ ديمقراطية تضيع من بين أيدينا ووطن ممزق وشعب معذب.

تولى الصادق رئاسة الحزب بإنسقاق أحدثه مع أعظم رئيس وزراء يعرفه السودانيون وهو محمد أحمد المحجوب الذى كان يسانده الإمام الهادى المهدى وإستمر بعد إتفاق وحدة الحزب وبعد إنقلاب مايو لفترة تقارب النصف قرن؛ ولكن من كل هذه المدة الطويلة التى قضاها فى قيادة الحزب سوف أركز على الفترة الأخيرة بعد تسلم نظام الأنقاذ السلطة، وأقصد هنا تسليم وتسلم وليس إنقلاب عسكرى، لان النظام الديمقراطى الذى كان الصادق على رئاسته كان أضعف من بيت العنكبوت كدليل حقيقى على ضعف مقدرات الصادق الإدارية والقيادية لدولاب الدولة فوجد عمر البشير دولة من غير نظام لأن رئيس الوزراء حينها تقعده مقدراته عن الإحاطة بضرورات تأمين نظام ديمقراطى وليد محاط بمتأمرين مدنيين وعسكريين فضلا عن كونه مسترد من نظام عسكرى إنقض على ديمقراطيية سابقة، و قد مكث أعضاء الحزب وقتا طويلا فى تحليل دواعى الإنقلاب والظروف التى جعلته ممكنا؛ وقد تحدثنا مع الكثيرين من قيادات الحزب الذين كانوا فى حكومته وزكر لنا الكثيرون من القيادات التى تولت حقائب وزارية أو كانت مقربة من الصادق كيف أنهم قد نبهوا رئيس الوزراء لما يحاك بليل بهيم وكيف أن رئيس الوزراء قد تجاهل هذه التحذيرات المخلصة وكأنه يعلم أن تخوفاتهم فى غير موضعها؛ لان الصادق عنده إعتزازية بموقفه ويظن أن موقفه دوما على صواب وغيره هم المشفقين من غير المدركيين أو أصحاب الغرض وبهذا يتحمل الصادق بنفسه ولوحده مسؤلية وذنب إنقلاب الإنقاذ وما ترتب عليه من ويلات! جاء الإنقلاب وبدأت المعارضة تنتظم بداخل وخارج البلاد وكل و الكل أبلى بلاء حسن وخصوصا القادة الذين تولوا تأسيس التجمع الوطنى الديمقراطى وجيوش الأحزاب؛ لأن فى ذلك الوقت الأمر كان واضحا وكانت حكومة الإنقاذ تتحدث بصوت غليظ فهمه الكل وهو أنها لن تذهب دون مواجهات؛ وهذا ما حتم وجود جيش الأمة والجهود التى قام بها. وفاوض الصادق النظام سرا ثم عاد إلى أرض الوطن وكل هذا أمر مقبول ومحمود أن يغير الحزب تكتيكاته وأساليبه ولكنه لا يغير أهدافه والتى هى بالمقام الأول منصوص عليها فى دستور الحزب وهى السعي لإقامة نظام حكم ديمقراطي اتحادي قوامه التعددية الحزبية. الكل كان يعلم بأن النظام مراوق ويريد أن ينسف معارضة الشرق وصحيح أن هناك تحولات أقليمية ودولية قادت إلى إعادة النظر فى إسلوب المعارضة وهذا شئ مفهوم. ولكن بعد أن فشل إتفاق جيبوتى كان بالضرورة أن يسعى حزب الأمة لتغيير تكتيكاته وينتهز فرصة عودته ليعبىء الشعب السودانى بغية الوصول إلى الأهداف المنشودة. وكان على الحزب أن يرجع لكل مورثاته النضالية لتحقيق غاياته المشروعة.

موقف الصادق وحزبه من الصراع فى دارفور

تدحرج الوضع على صعيد الوطن وأطلت أزمة دارفور بوجهها الكالح؛ ودارفور فضلا عن كونها إقليم من أقاليم الوطن يقع تحت مسؤلية الحزب للدفاع عنه ورفض ما حل به من تعدى؛ هو أيضا وطن للمناصريين لحزب الأمة؛ ومن دارفور إنطلقت جحافل الخليفة عبدالله التى حررت أمدرمان من الإستعمار الأول؛ ومنها جاء مقاتلى يوليو 76 الأشاوس الذين وصفهم نميرى بالمرتزقة لسحنتهم؛ ومن دارفور هاجرت مئات الأسر نحو الجزيرة أبا ليكونوا نواة نصرة للأمام عبدالرحمن المهدى قائد إستقلال السودان؛ وحديثا من دارفور حصل حزب الأمة على أغلبيته البرلمانية التى أهلت الصادق لرئاسة الوزارة؛ إذن هى إقليم يمثل خط أحمر للحزب؛ ومع بداية تداعيات دارفور كتب الحبيب الأستاذ صلاح الجلال مقاله المشهور حريق دارفور حريق فى دار الأمة؛ وكتبت أنا فى مطلع 2003 مذكرة إسترايجية للتعامل مع الوضع أرسلت للقيادة للمطالبة فيها بترتيبات محددة تساعد على إطفاء الحرائق وتحويل الحرائق إلى قصر البشير وذبانيته الظالمة؛ وكنا حينها مازلنا على بعض الثقة بالصادق ولكنه خيب أمالنا بدرجة الإحباط لكونه لا يستطيع أن يقود؛ ولا يريد أن يترك الأخرين لكى يقودوا. فأنبرى الصادق يتحدث بالمنابر عن الأزمة ودواعيها وتداعياتها بلسان الأكاديمى وليس بلسان السياسى الذى يعنيه الأمر؛ وفى مرة أعطى الحكومة إنذار لمدة 72 ساعة لتغير موقفها فى دارفور ومر أكثر من 72 شهرا وإنزلقت أزمة دارفور إلى الحضيض وحرقت حكومة البشير ومليشياتها القرى وقتلت الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال وإغتصبت النساء فى أكبر كارثة إنسانية على نطاق الأقليم الأفريقى والعربى ومازالت مستمرة معاناة أهل دارفور حتى يومنا هذا. وحينما عجز الحزب عبر الوسالئل التي سوف أتطرق إليها عن حماية أهل دارفور إنبراء أبناء دارفور للدفاع عن أعراضهم وأهلهم وأراضيهم ووقف الصادق متفرجا حيرانا. وأنفجر الوضع وتعقدت الأزمة وخرجت للمجتمع الدولى وبدأ الصادق هوايته فى التردد فى إتخاذ المواقف فتارة هو مع قرار الأمم المتحدة الداعية لجلب البشير والمجرمين المسؤلين عن جرائم دارفور للمحكمة الدولية وتارة قائلا جلدنا ما بنجر فيه الشوك للإشارة لرفضه بصورة مبطنة لإيداع البشير للمحكمة الدولية؛ وإضطرب موقفه تماما وخرجت الأزمة عن دائرة الوصول؛ وضاق أبناء دارفور زرعا بحزب الأمة وفقدوا الثقة فى قيادته وإنضم العديدين منهم للحركات المسلحة ووقف الصادق وحزبه متفرجين. وتعمقت أزمات الحزب وبداء حزب الأمة يتشطر ويتفتت وصار الكل مشغولا بتفلتات حزبه وإنشقاقاته ولكى ينسى الصادق ما حدث إستحدث إسلوب السفر للمؤتمرات العالمية حتى لا يشغل باله كثيرا بالموضوع وسوف أتى لموضوع المؤتمرات لاحقا.
ما الذى كان ممكن فعله فى دارفور: كان الحزب يمكن أن يتحرك فى ثلاث محاور رئيسية وهى: أولا الضغط على النظام وتعبئة الرأى السودانى ومخاطبة من تبقى بالجيش والأجهزة الأمنية لإحداث التغيير المنشود وذلك بالمظاهرات والإحتجاجات المنظمة المدعومة من قيادة الحزب والتى كان يجب أن تكون فى قيادتها؛ وتنسيق هذه الجهود مع أفرع الحزب بالخارج للضغط على النظام وكسر ظهره؛ لاسيما وأن الحزب كانت له أفرع قوية بدول أساسية مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة ؛ لم يفعل الصادق شيئا فى أزمة دارفور غير الكلام فى الأزمة؛ مؤكدا على ضعفه كقائد عند المحن؛ وأى حديث عن أنه زار نيالا وقابل زعيم القبيلة الفلانية وغيره من الحكاوى الجوفاء يقابلها سؤال بديهى ما النتيجة؟ وماهى الأدلة العملية للتحول فى طبيعة الأزمة أو تداعياتها؟ والزعماء الحقيقين هم من يستجيبون لنبض جماهيرهم ويحسون بألامهم ويحدثون التغيير لا أن يكونوا من المتفرجين؛ ولهذا سار المهاتما غاندى على قدميه طائفا أنحاء الهند وأتبعه الهنود حتى تحقق الإستغلال مقدما تضحية بنفسه سطرها له التاريخ؛ وقضى مانديلا سبعة وعشرون عاما حتى حقق ما يريد، فإستلهمت منه الشعوب الدروس والعبر. وفى السودان لم يقف الإمام عبدالرحمن المهدى مكتوف الأيدى بل شرع فى عدة جبهات عملية فى صمت لتأمين وضعه الإقتصادى وذلك بحشده لطاقات الإنصار وأنشئ نظام دقيقا للإتصال بجماهيره التى كان يستقدمها للخرطوم للضغط على الحكم الثنائى وحلفائه من السودانيين حتى حقق ما أراد وهو إستقلال السودان. ثانيا: كان يمكن أن يقوم حزب الأمة بتشكيل لجان من أبناء القبائل مستقلا مساحة الصمت التى قدمها للنظام ثمنا للأمان ويرعى سلسلة من المصالحات بين أبناء القبائل لاسيما ما عرف بالقبائل العربية وغير العربية تحقيقا لحقن الدماء بينهم ونزع فتيل الفتنة التى رتبت لها الإنقاذ؛ فإقتتال القبائل فى دارفور يشكل جزء كبير من الأزمة؛ وكان يمكن أن يستفيد من خبرات التجمع الوطنى الديمقراطى حينما تعاون مع الحركة الشعبية فى إرسال وفود من من أبناء القبائل الوجهاء للتحدث مع أهلهم لتفويت الفرصة على نظام البشير وأستحضر فى هذا الجانب وفدا لمقابلة زعماء المسيرية والدينكا كان قد قاده الزعيم الأستاذ حماد عبدالرحمن صالح وقاد إلى توفير هدنة مريحة ساعدة التجمع فى تحقيق بعض أهدافه. لم يقم حزب الأمة أو زعيمه الصادق بأى جهود مصالحة بهذا الإقليم المنكوب ولهذا كان دور الصادق فى هذا الجانب صفرا كبيرا؛ وقد كان من الممكن تمويل مثل هذه البرامج من المنظمات الدولية أو بتمويل مباشر من أعضاء الحزب بالخارج، وكان يمكن أن نبرر سفر الصادق للخارج لوكان من أجل إنهاء النزاعات بدارفور أو جلب الدعم لجهود المصالحات أو إعانة المتضررين والنازحين وهى النقطة الثالثة فى هذه المرافعة. ثالثا: إعانة النازحين والمساعدة فى إعادة توطينهم: لم يقم الصادق أو حزب الأمة بأى جهد لإغاثة المتضررين من الحرب فى مناطقهم فى دارفور أو النازحين حول المدن الكبرى فى أواسط البلاد؛ وكان يمكن للحزب أن يساعد بتشكيل لجان إغاثة وإعداد برامج عبر منظمات يسجلها لمنسوبي الحزب أو أن يسير القوافل عبر هيئة شؤن الأنصار أو أى ألية أخرى لدعم النازحين والمتضريرين من الحرب والنزوح وهذا العمل كان يمكن بكل سهولة تمويله بواسطة منسوبى الحزب والمنظمات الإقليمية الأفريقية والعربية والدولية إذا سخر الحزب جهدا فى هذا الجانب؛ ملف دارفور زاد تعقيدا وصارت هناك تداخلات عديدة فى أمرها؛ ولكن الحزب لم يجعلها قضية مركزية كما كان ينبغى؛ ولم يتفاعل مع تداعياتها وقد زكرت فى مذكرتى الداخلية مطالبتى بضرورة تسمية لجنة ومسؤل يتابع هذا الملف بصورة راتبة؛ والتحدث مع الجهات الحاملة للسلاح لتأمين سلامة المواطنيين وتسهيل إنسياب المساعدات الإنسانية؛ وحسب علمى أخر مسؤل كلف بأمر دارفور كان الأستاذ محمد عبدالله الدومة المحامى الذى إبتعد عن الحزب بعد أزمة المؤتمر السابع، وظلت مقابلات الحركات المسلحة مع حزب الأمة أشبه بالمقابلات السياحية وحصرت على أفراد مقربين من عائلة رئيس الحزب تتم حينما تتاح لهم فرصة للسفر الخارجى ولم تقوم وفق برنامج مدروس وخطة إستراتيجية لتنفيذ هذه المهمة؛ وبحزب الأمة كوادر عديدة مؤهلة للقيام بهذا الدور بالخارج؛ إلا أن غياب الرؤية وغياب العزيمة وإحتكارية القرار بالحزب فى بيت الرئيس والذى كانت كريمته تمسك بملف الإتصالات الخارجية لفترة طويلة دون أن تكون لها الدراية الكافية والإحاطة المطلوبة بطبيعة النزاع وتعقيداته المحلية والعالمية مما أقعد الحزب عن القيام بدوره فى أمر النزاع بالإقليم مما زاد من معاناة أهلنا فى دارفور وأطال من أمد النزاع؛ ومما زاد من حجم فقدان الثقة بين الحركات المسلحة وبين الحزب ولهذا أعتقد أن رئيس حزب الأمة مسؤل بالدرجة الأولى عن هذا التخلف والقعود فى موقف الحزب من أزمة دارفور.
الحزب مطالب أن يسعى بكل الوسائل المشروعة والمنصوص عليها فى دستور الحزب لتحقيق المبادى أذكر منها الأتى:
? حماية إستقلال السودان ووحدة أراضيه
? الدفاع عن الحريات والحقوق الأساسية لأهل السودان
? السعي لإقامة نظام حكم ديمقراطي اتحادي رئاسي قوامه التعددية الحزبية
وهى المبادى التى أقسم رئيس الحزب على بذل الجهد من أجل تحقيقها بكل الوسائل المنصوص وغير المفصلة فى الدستور؛ لان الدساتير لم توضع لتعيق مسيرة العمل بالأحزب السياسية ومن ضمن هذه الوسائل التى نص عليها دستور حزب الأمة الأتى:
: يزاول الحزب نشاطه ومهامه عن طريق الوسائل الاتية
? تعبئة المواطنين من اجل تحقيق مبادئ الحزب ومصالح الوطن
? التنسيق والتعاون مع الكيانات السياسية والإجتماعية ومنظمات المجتمع المدني لتحقيق مصالح البلاد
? التنسيق والتعاون مع المراكز والمؤسسات والمنظمات الديمقراطية في العالم
? إرتياد العمل الإنساني والطوعي في مجالات الإغاثة وإعادة التأهيل والتنمية
دعونا نناقش مواقف وأوضاع الحزب على ضوء النقاط المشار إليها.

موقف الحزب ورئيس الحزب من إنفصال الجنوب

فاوضت الإنقاذ الحركة الشعبية وفق ألية الإيقاد حتى أفضت إلى إنفصال الجنوب وفق إتفاقية نيفاشا التى لم تكتفى بفصل جزء عزيز من أرض الوطن فحسب وإنما وضعت أجزاء أخرى من البلاد فوق صفيح ساخن، غارثة بذلك أزمات كشميرية مذمنة تلاحق البلاد عبر الأجيال وتتسبب فى ضياع الموارد البشرية والإقتصادية والأجزاء المتأثرة من جراء هذ الإتفاقية هى منطقة جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان ومنطقة أبيي التى تمثل أكثر المناطق حساسية وتنازعا مع دولة الجنوب الوليدة؛ وأبيي التى تقطنها قبيلة المسيرية التى ناصرت الحزب عبر التاريخ وقدمت للوطن فرسان مشهود لهم بالشجاعة والإقدام. وتسببت الإتفاقية فى إهدار موارد البلاد وضيعت مصالحه؛ وعمدت الإيقاد وحلفائها على إقصاء حزب الأمة مع القبول بتمثيل التجمع الوطنى الديمقراطى بدرجة اقل فى المفاوضات ووقتها كان الحزب قد للم أطرافه عن التجمع وبذلك أصبح حزب الأغلبية حزب أبوالسودان (كذلك كان يعرف السيد الإمام عبدالرحمن) خارج اطار الفعل و إكتفى الصادق برفض الإتفاقية وتفنيدها بشكل نظرى وقد أفلح فى تحديد المخاطر والقصور بالإتفاقية، ورغم انه أمر مطلوب وإلا أنه لم يسعى فى إستصحاب الإدوات النضالية الشعبية المنصوص عليها فى دستور حزبه والمتفق عليها فى الأعراف ولم ينظم حزب الأمة أى وقفة إحتجاجية ولو واحدة لينتزع حقه المسلوب فى تقرير مصير الوطن؛ولإقاصائه عن دائرة المفاوضات. وكتب حينها الكثيرون من قيادات وكتاب وأكاديمى حزب الأمة مطالبين بفعل شى ما تجاه التهميش الذى مارسه المتفاوضون على مستقبل الوطن بإقصائهم لحزب الأمة عن دائرة القرار؛ وغييب حزب الأمة تماما بسبب هذا القصور فى أداء الحزب والقيادة. حزب الأمة عبر العقود العديدة منذ إنشائه فى الأربعينات لم يزل ويستهزا به ويستحقر به فى مواقفه ويستهان به كما كان عليه إبان الإتفاقية وكما يجرى الأن بواسطة النظام؛ فمن يهن يسهل عليه الهوان؛ إن الحقوق لا تعطى ولكنها تنال بعزيمة الرجال. فعندما أحس الإمام عبدالرحمن ومساعديه بطبخة تحاك فى الخفاء ربما غيرت مسار الإستقلال حشد الأنصار فى خيولهم ومركباتهم وتوافدوا من كل فج عميق ليسمعوا ضيف البلاد الرئيس المصرى محمد نجيب الصوت الإستقلالى وصحوت الخرطوم والعاصمة المثلثة على أفواج الأنصار المدججين بحرابهم وعصيهم وكل ما وصلت إليه أيديهم من وسائل الدفاع عن النفس وكانت تلك الرسالة ورسائل عديدة أخرى هى الحاسمة فى أمر الوطن ومستقبله الذى أفرز إستقلالا عظيما؛ وعندما صعد عبود من مواجهاته فى الجنوب لم يقبل حزب الأمة ولم تقبل القوى الوطنية الأخرى ما جرى فى الجنوب وتحركت القوى السياسية تحركا أفرز ثورة أكتوبر الخضراء التى إقتلعت نظام عبود. وعندما إستفز نميرى الأنصار بتهديدهم بعلمنة الدولة ونزع الحريات قائلا لهم بأنه قدم ليمزق الوريقة الصفراء قاصدا الدستور الإسلامى! لم يستكين إمام الأنصار الشهيد السيد الهادى المهدى؛ بل قاومهم وقدم نفسه رخيصة لفداء الوطن والعقيدة التى أمن بها؛ تماما كما قال الزعيم الفرنسى شارل ديغول: رجل السياسة الحق هو ذلك الذي على استعداد للمخاطرة. هذه هى مواريث الأنصار وقواعد الحزب فى رفض التهميش فى قضايا الوطن المصيرية ووحدة أراضيه ولهذا كان موقف الصادق من نيفاشا هزيل وغيب حزب الأمة عن أهم قرار فى تاريخ السودان بعد إستقلاله. وجاءت أزمة أبيي كأحد إفرازات إتفاقية نفاشا المعوجة وحدثت فيها مواجهات عديدة غاب عنها الحزب بشكل تام وغابت أى إستراتيجية للحزب للتعامل مع هذه الأزمة فى هذا الجزء المتنازع عليه؛ وفقدت قيادات المسيرية الثقة فى حزب الأمة وإبتعد من إبتعد وإنضم أخرون منهم للنظام بدواعى تأمين مصالح أهلهم وبهذا فشل الصادق تماما فى إدارة هذا الملف وقديما قال العرب إمام فعال خير من إمام قَوَّالٍ.
موقف الصادق من الدفاع عن الحريات والحقوق الأساسية لأهل السودان

سوف يكون من الظلم إن لم نزكر للصادق مبادراته العديدة وإشفاقه على مستقبل البلاد وإداناته المتكررة لإسلوب النظام؛ ونشاطه الأكاديمى الواسع حول أوضاع الحريات فى السودان؛ والحق يقال أنه بزل جهدا ذهنيا كبيرا فى هذا المجال وحاور النظام سرا وعلانية وناجاه سرا وعلانية وقدم لهم الحلول بعد الحلول حول ما ينبغى أن يكون عليه الوطن فى إطار الحريات والحقوق؛ ولكن: رغم تقديرنا لهذا العمل الفكرى الكبير الذى قام به الصادق نحو إعادة البلاد لحكم القانون وتبادل السلطة، إلا أنه بالمقابل كان النظام يمارس أبشع الجرائم فى حق المواطنيين وهنا ملخص مقتضب وأمثلة عابرة للقليل من تجاوزات النظام بعد عودة الحزب من جيبوتى:
تأجيج النظام للنزاعات القبلية وهندستها التى قضت بأرواح عشرات الألف من الموطنيين فى أطراف البلاد وحتى الأواسط لم تسلم من هذه النزاعات والتناحرات مثل قضية قبيلة تامة الدارفورية بأواسط الجزيرة؛ وقضية قبيلة الفلاتة مع قبيلة الزيادية بالنيل الأبيض .
مزبحة المواطنيين فى بورسودان والتى راح ضحيتها مايقارب الثلاثون مواطنا
مزبحة المواطنيين فى كاجبار
قضية إقتيال طالب جامعة الخرطوم محمد موسى بواسطة أجهزة الأمن فى أمدرمان
قضية إقتيال الفتاة عوضية عجبنا فى وسط الخرطوم
مزبحة طلاب جامعة الجزيرة المنتمين لدارفور بمدنى
حوادث الإغتصاب وإساءة حقوق المرأة؛ وإهانتها؛ حادثة الشابة صفية
حادثة أراضى أم دوم
قضايا الإعتقالات المطولة للصحفيين والسياسيين والطلاب
هذا فضلا عن إنتهاكات مناطق دارفور ومناطق الحرب التى سبق أن أشرنا إليها فى مكان أخر.
تعتيم النظام على فرص التعبير السلمى وبطشه بكل المسيرات الإحتجاجية التى قام بها الطلاب قبل وبعد بزوق فجر الربيع العربى.
الفساد الإجتماعى والإقتصادى ونهب ثروات الوطن وإهدار موارد الوطن
التلاعب بالمؤسسات التعلميمة والصحية وغيرها من مؤسسات الخدمات؛ وإنهيار القطاعات والمؤسسات التابعة للدولة والتى لا يسمح المجال لحصرها هنا.
إهدار مصالح الوطن عبر إتفاقيات مختلفة تصب فى مصلحة تجنيب البشير من الذهاب إلى لاهاى
ضياع سيادة السودان؛ وحالات إختراق أراضية بواسطة الطيران الإجنبى لتسديد ضربات لمواقع عسكرية أو إصابة أهداف أخرى كحوداث بورسودان وحادثة الخرطوم
أخيرا ملاحقة رئيس الدولة وبعض المسؤليين من قبل محكمة العدل الدوليه
هذه مجرد أمثلة عابرة وهناك الكثير من المراصد التى خصصت لتوثيق تجاوزات نظام الإنقاذ فى كافة المجالات
وأى من هذه الأمثلة والحوادث كان كافى لتفجير ثورة غضب شعبى تؤدى بالنظام؛ فعندما وجدت الفتاة أميرة الحكيم مقتولة بضواحى الخرطوم إبان فترة حكومة الصادق الأخير هذا الأمر إستغلته الجبهة الإسلامية القومية وأشعلت الخرطوم مفجرة غضب شعبى عارم قاد إلى إستقالة وزير الداخلية حينها ومهدت إلى تقبل الجماهير للإنقلاب فى أيامه الأولى خصوصا بعد أن إستدل عمر البشير فى خطابه بعدم أمان أهل الخرطوم نسبة لإرتفاع الجرائم كما زعموا فى ذلك الوقت زورا وبهتانا لتبرير إنقلابهم المشؤم.
كان ومازال موقف الحزب من كل قضايا حقوق الإنسان والحريات والقضايا المشار إليها أعلاه موقف سالب للغاية؛ مكتفيا ببعض التصريحات السياسية لبعض المسؤلين بالحزب وقليل من البيانات؛ ولم يدعو أو يسير الحزب على مدار الثلاثة عشر عاما أى مظاهرة أو وقفة إحتجاجية مدعومة رسميا من الحزب بشأن أى من القضايا المذكورة أعلاها؛ صحيح أن هناك أنشطة فردية لبعض المنسوبين على قيادة الحزب كما أن هناك أنشطة الطلاب التى كثيرا ما تمت دون أى تنسيق أو توجيه رسمى من أجهزة الحزب؛ وكانت هناك مواقف متضاربة بمناشدات لتنظيم مظاهرات من قبل الأمانة العامة الجديدة المحاربة من قبل رئيس الحزب؛ ولهذا ظل النظام عنيفا مع هذه الأنشطة لانه يعلم أن ظهرها مكشوف وانها لا تحظى بأى دعم من القيادة؛ وأخيرا إلتحق نجليى الصادق بالنظام فى أعلى مواقع البطش وإنبرى الصادق يدافع عن خيارات إبنيه دون إدانتهم ورفض أى قرار للحزب بفصلهم متزرعا بعدد من الزرائع تارة أنهم لم يعودوا أعضاء فى الحزب؛ وأنهم تقدموا بإستقالاتهم وأخيرا ان عضوية الحزب كالجنسية لا يمكن سحبها من أبنائه ولعمرى كل هذه المغالطات توكد على إنحراف الرئيس عن أداء مهامه وحماية دستور حزبه الذى يوضح بجلاء طبيعة العضوية فى الحزب؛ ورعاية مصالح الوطن التى من أجلها أنشى حزب الأمة. ولم يفعل الصادق الشى الذى فعله عندما إنشق عدد مقدر من “كوادر الحزب” السابقين وإنضموا للنظام؛ بيد أن الأزمة الأخرى التى أدخل فيها الصادق الحزب وجماهير الأنصار هى مواصلة نجله الكبير مساعد البشير لنشاطه وسط الأنصار وبطريقة غير مباشرة مع الحزب عبر نائب رئيس الحزب المعين صديق إسماعيل الذى لم يخفى اشواقه وتطلعاته لدمج الحزب مع أجهزة حزب المؤتمر إذا صح التعبير؛ وقد أدى هذا الوضع لإضعاف الحزب وبداءت بوادر تأثير إختراق أجهزة الحزب من قبل حزب المؤتمر (وأقصد به حزب البشير الذى لا أستطيع وصفه بالوطنى)؛ أو على الأقل التأثير عليها باينا من مواقف الحزب الرمادية وتردده فى أعظم القضايا وأعنفها؛ وقد سمعنا كيف أن أجهزة الأمن تمكنت من إعتقال الطلاب المتظاهرين فى مسجد ودنوباوى بمساعدات داخلية منسوبة للحزب. وخلاصة القول أن الحزب غاب تماما عن دائرة الفعل بسبب عجز القيادة وضعف موقفها. وضاعت صيحات وصراخات وأنات الحراير و الأطفال بين الأودية والسهول وأزقة المدن لغياب المعتصم؛ الذى جاء بجيوش جراراة للدفاع عن إمراة أهينت طالبة نجدة أمير المؤمنين المعتصم مما أدى إلى فتح عمورية التى أنشدها أبوتمام قائلا: السيف أصدق أنباء من الكتب: في حده الحد بين الجد واللعب! إن صمت فعل الصادق على بطش الإنقاذ يولد أكثر من سؤال حول ماهى المشكلة؟ هل هى الضعف؟ أم الخوف؟ أم قلة الإرادة والعزيمة؟ أم عدم إحساس بما يدور حوله؟ أم كل ما سبق ذكره؟
فى هذا الأثناء لم تصمت قيادات الحزب ومنسوبيه وشبابه على ما يدور فى اروقة الحزب ورفعت جهات عديدة مذكرات منها فرع الحزب بأمريكا والذى رفع ثلاث مذكرات تباعا فى مواقف مختلفة؛ ورفعت أفرع الحزب بالخارج عدد من المذكرات أشهرها مذكرة العشرون فرعا بالخارج، ومذكرة قيادات الحزب بالأمارت ومذكرة فرع الحزب بالمملكة المتحدة؛ ومذكرة الأف كادر؛ هذه المذكرات العديدة والوفود العديدة التى قابلت الصادق كانت تترجاه فى أن يفعل شيئا أقلها أن يوحد الحزب لكى يقوم بدوره؛ إلا إن الصادق قابل كل هذه المناشدات والمساهمات المخلصة بتجاهل وإزدراء فى احيانا كثيرة رافضا لمبدا ديمقراطى أصيل تكفله الأعراف الديمقراطية فى كل بقاع الأرض العاملة بالديمقراطية، وقد قدت مع زملائى بامريكا جهود كبيرة فى هذا الجانب، وكنت أسمع من كثيرا من المقربين بأن الصادق لا يحب إسلوب المزكرات وكأنه أكبر من النقد؛ او أن نقده من المحرمات؛ ولم يرد الصادق على أى من المزكرات التى رفعت له من أمريكا و لا أدرى عن ردود له لمزكرات مشابهة. مجسدا بذلك لصورة لا يمكن قبولها فى عصرنا هذا خصوصا أن المخاطبين للصادق فى معظم الأحوال هم خيرة كوادر الحزب تعليما وتدريبا وخبرة ودراية وإحتكاكا بمؤسسات ديمقراطية عالمية او إقليمية. وقيل: من استغنى بعقل نفسه اختل , من أعجب برأيه ضل. هذا الوضع قاد إلى تزمر الكوادر وإستقالة بعضهم مثل البروفسور فيصل عبدالرحمن على طه من الأمارات والدكتور عمر عبدالله عمر الذى إستقال من منصبه كأمين عام لحزب الأمة بأمريكا؛ كما قاد عدد أخر من الكوادر لإتخاذ مواقف داعمة لأى نشاط يضعف نظام الإنقاذ كما فعل السيد نصرالدين الهادى والسيد مهدى داؤد الخليفة والكثيرون.

موقف الصادق من خلافات الحزب
من أهم أسباب ضعف الحزب وعجز قيادته عن إتخاذ القرار الذى يلبى طموحات الجماهير وينسجم مع مبادى وأهداف الحزب الداعية للدفاع عن الحريات والحقوق الأساسية لأهل السودان هو حالة الإنشقاقات والتفتت التى حدثت فى الحزب عقب عودة قيادة الحزب للسودان فى إطار إتفاق جيبوتى. وقد سبق عودة القيادة إجتماع تاريخى تم بالقاهرة لقيادة الحزب حول ترتيبات البيت الداخلى للحزب قبل النزول إلى السودان؛ وعجز الصادق أن يخرج بمعالجات توحد موقف الحزب وتساعد على بناء الصفوف؛ ونتج عن ذلك هجرة كوادر أساسية وفاعلة أمثال الدكتور صديق بولاد الذى هاجر إلى دولة كندا والأستاذ صلاح الجلال الذى هاجر إلى أستراليا.
عاد الصادق بمن معه إلى الداخل ليستعر الخلاف مرة اخرى؛ هذه المرة بين القيادات التى عارضت النظام من الداخل والأخرى القادمة من الخارج؛ ولما لم يتمكن الصادق من إدارة هذا الخلاف ولعوامل أخرى خارجة عن نطاق هذا المقال جاء إنشاقاق السيد مبارك المهدى والذى بخروجه ومن معه من قيادات مشهود لها بالعطاء بدأء عهد جديد من النزاعات والمواجهات لم يكن الصادق موفقا فى إدارتها مما زاد من حجم التوتر بين زملاء الخندق فى الماضى؛ وجاء المؤتمر السابع لتكتمل حلقات الضعف فى الحزب وقد كان الصادق مسؤل عن الظروف التى قادة لتداعيات المؤتمر السابع وخرج نفر عزيز من قيادات الحزب مشهود لها بالبلاء والعطاء ليدخل الصادق معهم فى مواجهات جديدة ومراشقات كلامية عملت على توسيع حجم الهوة بين الصادق وهؤلا النفر لم يستطيع الحزب من تداركها حتى لحظة كتابة هذا المقال؛ وإستمر الحزب بقيادة صديق إسماعيل للأمانة العامة وهو شخص مغمور لا يعرف له تاريخ فى الحزب؛ وله ماضى تعاون مع النظام؛ وقد هذا قاد الوضع لمواجهات أخرى مع من تبقى من القيادات والشباب إنتهى بهزيمة صديق إسماعيل المسنود من الصادق ليختار الأمين العام الحالى الدكتور إبراهيم الأمين ليقود دفة الصراعات الموروثة فى الحزب.
ولم يكن الدكتور إبراهيم الأمين الخيار المفضل للصادق وأهل بيته الذين ظهر لهم نفوذ كبير فى إدارة الحزب حيث شغل عدد مقدر من أبناء الصادق وأصهاره وظائف فى أمانة صديق إسماعيل المنحلة ومازالوا يشغلون مواقع بالمكتب السياسى للحزب؛ وقد أدى هذا الوضع إلى مواجهات معلنة وخفية مع الأمين العام الجديد الذى يحظى بتأييد الشباب والقيادات الرافضة لنظام الإنقاذ؛ ووضع الصادق وأبنائه العراقيل أمام الأمين العام الجديد؛ الذى لم يتمكن من تشكيل مكتبه إلا بعد جهد جهيد إستغرق عدة شهور ومازالت العراقيل موضوعة أمامه لتثنيه عن أداء دوره.
تبنى الصادق أنشطة عمل موازى لإضعاف أداء الأمين وخير أمثلة لهذا رفض المكتب السياسى المسنود من الصادق لقرار الأمين العام بتعيين أمين عام جديد للمهجر، ومثال أخرالمؤتمر الذى دعى له الصادق وأمين المهجر المنتهية دورته بالقاهرة بحضور الصادق وقاطع الأمين العام الدكتور إبراهيم الأمين وعدد مقدر من الكوادر والقيادات هذا المؤتمر الذى قدمت الدعوة فيه للمريدين والمؤيدين للصادق وأهل بيته وهذا يوضح حجم الأزمة التى يمر بها حزب الأمه فى ظل قيادة الصادق.
الملاحظ أن الصادق هو القاسم المشترك بين كل خلافات الحزب الحديثة الجارية أو القديمة وهو طرف أصيل فى أى خلاف حالى أو سابق فى الحزب وحقيقة الأمر يبدو أن شخصية الصادق لم تحظى بالتحليل الكافى من الكثيرون بما فيهم شخصى؛ ولكن يهمنا هنا أن نوضح أن هذه الأدوار التى لعبها الصادق فى الفترة عقب عودته من جيبوتى والتى خصصت لها هذه السلسلة من المقالات توضح بجلاء أنه كان المسبب فى تفطرات الحزب وتشتته؛ ولم يستمع الصادق إلى أى نصح قدم له بخصوص توحيد صفوف الحزب؛ وقد أسهمت مع زملائى فى تشكيل قناعات السيد مبارك المهدى بالعودة للحزب وبعد دعوته لأمريكا وإستمع لنا السيد مبارك بقلب مفتوح وتلقى إنتقادات غليظة من كوادر الحزب فى مؤتمر تداولى أقيم بهذا الخصوص وشدد الجميع على عودته؛ وعاد السيد مبارك ليعلن بكل شجاعة عن حل حزبه وعودته لمؤسسات الحزب؛ وبعودته بدأت معانات مبارك وزملائه العائدون مع الصادق مماطلا فى تسكينهم فى أجهزة الحزب الذى تفاوض عليها الحزب مع جماعة مبارك ورغم أن السيد مبارك أكد مرارا على أنه مازال داخل الحزب: بالمقابل ظل الصادق يوجه لهم الإتهامات وتارة نافيا كونه عاد للحزب. وفى جانب أخر بذلت مع زملائى جهدا كبيرا فى التحدث مع جماعة التيار العام للتفاوض معهم للعودة للحزب وتمت هذه العودة جزئيا وإمتنع أخرون من العودة فى إطار قبضة الصادق وبيته لمفاصل القرار فى الحزب؛ ولم يبذل الصادق جهد واضحا لتوحيد الحزب؛ بل كان دوما فى الطرف السالب واصفا القيادات التى إختلف معه بأوصاف منفرة تسببت فى توسيع الهوة بينه وبين هذه القيادات التى لها نفوذ معتبر وسط الجماهير ولها قبائل تسندها مما أثر سلبا على إستعداد الحزب للقيام بدوره تجاه قضايا الوطن وصرف الكوادر والقيادات وقتا غاليا فى جهود التوحيد التى كانت دوما تصتدم بصخرة رفض الصادق غير المعلنة لها؛ تأبي الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت أفرادا وبإختصار إن تفتت الحزب وضعفه وعدم مقدرته للقيام بمهامه مسؤل عنها الصادق بصورة مباشرة؛ وسوف يكتب التاريخ عن أدواره السالبة التى قادت لتفيت وحدة الحزب.
مما تقدم من مرافعات كنت ومازلت أرى ويساندنى العديين فى موقفى هذا أن معاناة الشعب السودانى ما كان لها أن تطول لو قام حزب الأمة بدوره تجاه الوطن كما هو منصوص عليها فى دستورة، وما كان لحزب الأمة أن يتخلف عن صيحات النساء والأطفال والشيوخ والرجال لو كان حزبا موحدا تحت قيادة همها وتركيزها فى الوطن، وحال حزبنا تنطبق عليه ضعف القوى وضعف البصيرة وليس كما قال مصطفى الرفاعى لم يضيع الشرقيين من ضعف القوة اكثر مما ضيعهم ضعف البصيرة؛ مع ضعفنا غابت البصيرة والتى كانت يمكن أن تقود للفعل.
أنشغل الصادق بالكلام والتنظير يتبعه تنظير وقبل أن يجف مداد المبادرة يبادر الصادق لكتابة أخرى وغابت البصيرة فى أن الكلام وحده سوف لن يحرر روما؛ وإنما الكلام القليل المصاحب للفعل هو الحل فى أزماتنا؛ وليس بالضرورة أن يكون الفعل محصور فى جهود إزالة النظام ولكن يمكن لهذا الفعل أن تتعدد مقاصده ومراكزه فإغاثة الملهوف ومداواة المريض من سقمه؛ وحفر بئر فى قرى الفقر، أو تشييد مدرسة، أو إقامة صلح بين مختصمين؛ أو توفير مرافعة قانونية ضد تسلط الحكومة كما حدث فى أراضى أم دوم أو كاجبار أو قفا بالجزيرة أبا كل هذه الأفعال تشد على يد المؤيدين وتولد ثورات؛ وهذه وسائل ذات منفعتين؛ ينتفع الناس ويرتبط بقادتهم وتؤسس لقوى التغيير؛ ولكن للأسف ظل الحزب قليل الحيلة قليل النفع ولم توظف أنشطة الصادق وأسفاره فى منافع الحزب وجماهيره؛ فهناك العديد من المنظمات والحكومات عل إستعداد لدعم مثل هذه الأنشطة لو خاطبها زعيم الحزب؛ كم أن هناك الكثيرون من كوادر الحزب والسودانيين الميسورين الذى بإستطاعتهم تمويل مشروعات صغيرة للحزب فى القرى والبوادى؛ أو الحضر؛ كما فعلت تنظيمات سياسية عديدة فى السودان والمنطقة؛ وأنا لا أدعو لشراء الذمم كما فعلت الجبهة القومية إبان الإنتخابات الديمقراطية الأخيرة ولكن فى إطار ما نص عليه دستور الحزب لتخفيف روعات المواطنيين.
لم يحس المواطن الذى لا يفهم كثيرا فى لغة المبادرات ويلهيه جلب قوته عن الإلتفات لمناشدات القوى الناعمة التى هى بالأساس نائمة؛ وصعب التغير فى ظل هذا ضعف المتواصل؛ و غابت تماما التراكمات التواصلية النضالية التى يمكنها أن تقصم ظهر الدكتاتوريات؛ ولا أمل لجماهير حزب الأمة ولا لشعبنا فى تغيير لم يعملوا له ولم يستنهضوا له وغابت عنه قياداتهم. والتراكمات النضالية الحقيقة هى التى تفرز التغيير وليس تراكمات التنظير التى تفرز معهدا للدراسات الإستراتيجية ومكتبة للباحثين ولكنها سوف تغذى العقول وليس البطون الجائعة ولا تجلب أمنا او فرصة عمل وفق القانون وضواب التأهيل وليس الإنتماء السياسى أو العرقى كالذى تمارسه حكومة البشير.
أختم بما بدأت به هذا المقال وهو إنتظارى لنتيجة اليوم الموعود يوم التاسع وعشرون من يونيو الذى وعد فيه الصادق جماهيره بكلام هام. وكما زكر العديدين فى المنابر المختلفة أنه يوم الفرصة الأخيرة للصادق ليقدم كتابه لجماهير الحزب والشعب السودانى؛ أما بالنسبة لى فقد تولدت لى قناعة منذ فترة ليست بالقصيرة بأن الفرصة الأخيرة إنتهت بقيام نظام الإنقاذ وإن المذكرة التى كان يحملها الصادق فى جيبه يوم إستسلم للنظام كان ينبغى أن تكون موجهة لجماهير الحزب والشعب السودانى ليعتذر الصادق عما أصابهم ويقدم لأركان حزبه إستقالته عن قيادة الحزب ويترك المجال لغيره لمقارعة النظام؛ وإنى جازم لو حدث ذلك لكنا نتحدث اليوم فى برامجنا الإنتخابية ودورات الديمقراطية ومستقبل الأجيال وليس إسقاط النظام.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. سلامات اخى الحبيب دكتور مهدى

    لقد نكأت جراحى وادميت قلبى الذى تعرف مرضه المزمن . تعرف اننى مثلك اصبحت من اليائسين . ولكننى مثلك انتظر يوم غد .فقد تحدث معجزة ويصيب السيد الصادق المرمى الخالى الآن كما تبدو اللوحة لكل من القى السمع وهو شهيد . لقد تم تحييد الانصار وتدجينهم عبر عملية مدروسة بعناية من قبل ابالسة الانقاذ واالأمل ضعيف فى ان يتعافى الانصار والحزب من هذا السبات العميق . تذكر اننا كنا نتداول الالم فى مؤتمراتنا فى امريكا . ولما طال تداول الالم اخذ بعضنا نفسه وغادر . وبعضنا اختار المواجهة والتحدى ورفع اصبع الاعتراض والتمرد وكان شخصى الضعيف من بين هؤلاء كما كنت انت يادكتور . دعنا نلتقى بعد غد فى هذا المنبر لنرى الذى يجد

    اخوك على حمد ابراهيم

  2. ياسلام يابروف مهدي مقال في الصميم وزاد بريقا وقوة بمداخلة سعادة السفير والذي اشهد له بقوة الحجة وشجاعة في طرح افكاره ولكم انا غير محظوظ بان التقيه في اخر ايام له بامريكا والمدهش انه كان في لقاء للسيد الصادق بمنطقة واشنطن وبقدر سعادتي بلقاءه كم حزنت لاني لم التقيه من قبل ، نعود لمقال دكتور مهدي والذي ساقنا بسلاسة ودون ان نحس لما يريد طرحه ، وقبل سويعات من هذا الحشد لدي من اليقين مايصل الي التأكيد انه لن يتعدي ان يكون مثل صلاة العيد مالم يصنع شباب وطلاب وكوادر حزب الامة الحدث ويكون لهم المنبر والحديث والهتاف ، كل المؤشرات الاولية تدل عن عدم حدوث اي تغيير في مواقف رئيس الحزب تجاه النظام مثل اقصاء الحزب ومؤسساته من الدعوة والترتيب للحشد وحصرها فقط علي هيئة شئون الانصار دليل واضح ، مناصرته لجناح يسعي لتعطيل الامانة العامة المعروفة بمواقفها الواضحة من الحكومة ولم تتعد المناصرة علي تسليم هذا الجناح مفاتيح الحزب في اعلي المستويات بل وصل الي تجميد نشاط الامانة وحرمان الامين العام حتي من امكانية اختيار مساعديه ، وهناك الكثير من الاشارات علي ان الحشد لن يتعدي ان يخرج من دائرة مبادرة او تهديد او تعبئة له ضد الموهومين كما اطلق هو عليهم الذين ينادون بتنحيه

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..