ريب وغريب

حذر رئيس السلطة الانتقالية لولايات دارفور الدكتور التيجانى سيسى من تسلح بعض القبائل فى دارفور باسلحة موازية للقوات النظامية، وذكر ان المواجهات القبلية المسلحة يمكن ان تظهر السودان على انه دولة منهارة، مطالباً بتنفيذ عمليات نزع واسعة فى الاقليم، وطالب كذلك بتويقع القصاص على المتورطين فى تلك الصراعات القبلية، كما اتهم فى معرض حديثه دولة كندا بالعمل على تقويض العملية السلمية فى دارفور واصفا إياه بقوله «انها تمارس دوراً مريباً وغريباً».
٭ يأتى تحذير السيسى متزامناً مع اقتتال تشهده القبائل فى وطنى خاصة الأبالة والبنى حسين والهلبة وغيرهم من جيوب اخرى متفرقة تنخر فى مفاصلها الحرب والموت، فينخر فى النسيج الاجتماعى ويحيله اشلاءً متفرقة، فها هى دارفور تفقد يومياً خيرة شبابها واهلها، فتتباعد المسافات لتنطوى على الخلاف والاختلاف، ورغم مرور السنوات التى لم يكن داخل شهورها وايامها رئيس السلطة الاقليمية، الا ان الحرب ظلت عنوان دارفور الرئيس مع اختلاف اسماء القبائل التى تتطاحن وتتعارك وتشهر السلاح فى وجه الاخرى، وهذا السلاح هو ما يخافه الآن السيسى من أن يشوه وجه السودان ويلصق بها وصف دولة منهارة. واذا سلمنا بوصف السيسى لما يجرى ويدور فى اروقة الولاية الممتدة، فذلك لن يمنع اطلاق الوصف عليها من كل الجهات التى تقرأ الحدث وتشاهد المشهد المتكرر، ويعضد ذلك وجود السلاح الموازى المنتشر على جنبات الولاية، والذى يصعب جمعه او حتى الاعتراف به من الجهات التى تمتلكه، وذلك لأن الحبل ظل زمناً طويلاً ممدوداً ولم يستطع ولاة الاقليم العمل على جذبه نحو «الضبط والربط» مما اظهر فشلاً متوالياً اخذ فى التجزر فى قلب الولاية واطرافها، فأدخلها فى عنق الزجاجة المظلم، ويأتى الآن فقط دكتور السيسى بـ «مقترح » نزعه، الأمر الذى يجعل جمعه مثل حظ الشاعر حين قال فى قصيدته:
إن حظى كدقيق فوق شوك نثروه
ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه
فالتيجانى السيسى يسوق الامنيات بتطبيق القصاص على المتورطين فى اعمال العنف والصراعات القبلية، ويأتى السؤال هنا هل لدى رئيس السلطة الاقليمية المعلومات والادلة الكافية لإثبات التورط فى الصراعات والقتل، ام انه يأخذها مأخذاً عاماً اثر تكرار المشهد على الشارع الدارفورى، ويسقط تعريف الشخوص متحاشيا ذكر تفاصيل اكثر؟ وفى الحالتين يصعب الجمع وإحداث التغيير المطلوب، لأن الاغتسال من المرارات لم تكتمل منابع مياهه بعد، فعدد السنوات التى مرت على الصراع فى دارفور وفقدانها بوصفها إقليماً كاملاً ترك الجراح مفتوحة، وها هى تنزف بغزارة من انحاء متفرقة من الجسد الذى كان فى يوم ما واحداً، إلا أن شرارة صغيرة أتت عليه وتركته فى لهيب مستمر ينام اهله على طرقعات السلاح الذى صار مألوفاً فى الشارع والاسواق باعتراف السيسي.
٭ رئيس السلطة الاقليمية لا نقف امامه ونثنيه عن ذات الأمنية سراً مرة وجهراً أخرى، حتى يبلغ ويتأكد ويعرف تماماً حد «استحالة» تنفيذها، اللهم الا اذا كانت له فكرة اخرى متوارية بعيدة فى أعماق الذاكرة يدخرها لوقت الحاجة والاستدعاء.
٭ دولة كندا أصبغ عليها السيسى صفة العمل على تقويض العملية السلمية، واصفاً دورها بالغريب المريب، ولكنه لم يكشف ثنايا هذه الغرابة التى لمسها للرأى العام، ولم يدفع بتفاصيل شفيفة على الدور المريب حتى لا يظل ويبقى الوصف «كلاماً عائماً» يعبر على موجة «العوم» فيه «العوام» بتحليل كل من زاويته، فقط يقفز على السطح الاتفاق على المصدر وهو رئيس السلطة الإقليمية لدارفور!!
٭ قلوبنا مع دارفور، ومع حلول ترفق بواقع الحال فيها تستصحب أهلها بلا استثناء.. أصحاب الوجعة الحقيقية الطامعين إلى الاستقرار بقدر حبهم لها.. حلول بلا مزايدات وتحريك ضغائن تجاه الآخر وإلباس الغير الفشل!!!
٭ همسة:
ونعترك قرب ساعة كبيرة
ونأمل في السلام
لكننا نمارس العناد والرفض
ونكتم الآهات
فتحصدنا الحروب

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..