خواطر متفرقة حول محصلة ٢٤ عاما من حكم الإنقاذ

بدءا ,
هذه بعض الزفرات ( لن نسميها حرى بعد أن سبقنا اليها مفكر عصر الأنقاذ المفدى ) نستعين بها محاولين ايجاد نوع من التوازن النفسي بعد أن هرمنا في انتظار يوم التغيير المنشود سدى , يوم تؤول سلطة اتخاذ القرار لمالكها المستحق و تعطي الأولوية للرفاه ، الأمن ، للتنمية و البناء ، بدلا عن توجيه جل أمكانيات الدولة للبقاء في السلطة مهما كان الثمن .
و بالرغم من سوداوية واضحة لما سنحاول إيراده من حصر لحصاد نظام الإنقاذ عبر ما يقارب العقود الثلاث من حكمه للبلاد و الذي نري انه يعبر أيضاً عن فشل أجيال من السياسيين السودانيين الذين افتقدوا للرؤيا و الخيال و الشجاعة و فوق كل ذلك الإرادة النزيهة للعمل خارج أطر المصالح الذاتية او الجهوية و الحزبية الضيقة لأجل رفاه و امن المواطن و مستقبل افضل للسودان ،
الا اننا يجب ان ننوه باننا في الوقت عينه نعتقد جازمين ان مستقبلا عظيما ينتظر هذا الوطن المكلوم ، في زمن ما نتمناه قريبا ، و انه و بكل ما يملك من مقومات أولها شعبه السمح الكريم بكل سحناته و تنوعه المحبب ، و ليس آخرها كنوز تملأ فجاج ارضه و مياه عذبة تجري في انحائه و ارض خصبة بمساحات ضخمة لم نحسن استغلالها يوما .
كما ان السودان دولة فتية مقارنة بمعظم دول العالم ، نعتقد انها في طور التكون و التخلق و حتما سيخرج من شرنقتها القبيحة يوما كائنا جميلا مبهرا .
دون الدخول في تعقيدات فذلكات نظرية لمدي جدوي و صلاحية التيار السياسي الاسلاموي الحالي للحكم ( و الذي هو نتاج طبيعي لانكسار القوي الحديثة امام المد الطائفي عبر تاريخنا السياسي المعاصر بالاضافة لتراكم عصر من الانحطاط الفكري و الثقافي و موجات من الاحباط المتوالية التي ضربت العالم العربي الاسلامي خلال القرنين الماضيين )،مدى موائمته للواقع رغم عدم توفر اساس فكري عميق له و اعتماد المنضوين تحت لوائه في سعيهم و من ثم تمسكهم المستميت بتلابيب السلطة ، علي شعارات فضفاضة تتسربل بالنصوص الالاهية بعد تأوليها بما تقتضي الضرورة ،مما يؤدي به تلقائيا لان يصبح اداة لاستغلال الدين لأهداف دنيوية بحتة كاحتكار السلطة و الثروة و استئصال اي منافس عبر العنف و التخوين و التكفير و اغتيال الشخصية ( وهو دأب كل النظم الحاكمة القائمة علي أيديولوجيا دينية ، بغض النظر عن كنه الدين نفسه ……محاكم التفتيش في اسبانيا نموذجا ) وهو ما اثبت التاريخ انه قد يتسبب في ماّس إنسانية و جراح قد تستغرق قرونا لالتئامها .
دون التعمق فيما سبق ذكره و بصورة موجزة و محايدة (رغم صعوبة ذلك )دعونا نحاول رصد محصلة الأعوام المتطاولة لحكم الإنقاذ علي السودان :
بالرغم من غلبة مظهر التدين في الشارع العام فأنه لم ينجح في افتضاح تدهور أخلاقي و تحلل مجتمعي لا يخفي الا علي مخاتل , و هو ما نراه أكبر الخسائر التي تكبدتها بلادنا و أخطرها علي المدى الطويل , و بمقابل ذلك تضخم و استقواء التيارات الدينية المتطرفة و التي تتبني مذاهب لا يعد قبول الاخر و استيعاب التنوع الموجود في المجتمع السوداني و تعظيم قيم التسامح و الرحمة جزءا من مكونات عقيدتها و يرجع ذلك في المقام الاول لتفسيرها المتحجر للنصوص و امتناعها عن استخدام ما انعم الله به الانسان من عقل للتحليل و التطوير ، دع عنك مفاهيم مثل العدالة الاجتماعية و حقوق الانسان و حرية التعبير و حقوق المرأة و الطفل و الحرية الشخصية و التداول السلمي للسلطة و ما ينتج من ذلك من محدودية في الخيال يؤدي حتما الي العنف بكافة أشكاله .
انفصال الجنوب رغم ما اعطي لهذه الحرب الكئيبة من قدسية و مبررات دينيه حولتها من صراع بين المركز و الهامش الي محرقة راح ضحيتها الاف من الشباب و الرجال و النساء و الاطفال من الجانبين
و ذلك دون أن تتوقف الحرب عمليا وهو المبرر الاساسي الذي بني عليه منطق تقرير المصير لجعله مقبولا لدي شريحة واسعة من المواطنين السودانيين شماليهم و جنوبيهم .
بالاضافة لاشتعال كل من دارفور ، النيل الأزرق و جبال النوبة بحرب عنيفة تحمل في جوفها صيغة عنصرية ( نعتقد انها رد فعل طبيعي للصبغة الجهوية التي تبنتها العصبة عبر عقود و عبرت عنها بعض نظرياتهم المبهمة كمثلث حمدي ) و توجهات أبعد ما تكون عن القومية و تفاقم المشكل بسبب تمسك النظام بالحلول الوقتية و الاستخدام المفرط للقوة في اّن .
3- تضاعف حجم الدين الخارجي و الداخلي و تدهور مريع في القطاعات الاقتصادية الإنتاجية كافة و ظهور طبقة من الانتهازيين المرتبطين بصورة او بأخري بالنظام الحاكم و الذين يقومون بنشاطات في اغلبها هدامة لا تخدم الا تضخم أرصدتهم في المصارف .و هو مما ادي لصدارة بلادنا ضمن قائمة قصيرة من الدول الفاشلة للدول الاكثر فسادا في العالم ( وهو مما لا يدعو للاحتفال كما احتفلت قيادات العصبة احتفالا امتلأت له جوانب احد الأستادات ، بكلفة كان يمكن ان تشيد بها مدرسة او مركزا صحيا او حتي ثقافيا ، بأحد الانتهازيين لحصوله علي لقب مشكوك في أمره ,و كان في مقدمة الحضور و لدهشة شعب بأكمله قائد الركب حفظه الله ….. عيب لي الحسانية !.).بالاضافة لاحتكار الدولة لقطاعات مفصلية يتم خصخصتها جزئيا أو كليا و بالتدريج لتؤول لعناصر العصبة الحاكمة .
4- فقدان السودان و الي الأبد لمنطقة حلايب و ربما أيضاً لمنطقة الفشقة و ذلك نتيجة لضعف موقف السودان الخارجي و تضعضع هيبة دولته عقب انتهاجها سلسلة من السياسات الخارجية اقل ما توصف به الغفلة بدأت بمساندة صدام حسين و استعداء دول الخليج و الديقراطيات العظمي و محاولة اغتيال الرئيس المصري و دعم منظمات مشبوهة و أخيرا و ليس آخراً التحالف مع دولة مثل ايران تحمل في طياتها مشروعا توسيعا يحن لماض كانت فيه الامبراطورية الفارسية واقعا و لكن هذه المرة بطعم طائفي لا يمت للسودان بصلة . و جدير بالذكر ان الأمثلة السابقة ليست علي سبيل الحصر للاسف الشديد .
5- تدهور القطاعين الصحي و التعليمي و خروج شريحة واسعة من المواطنين من مظلة هذه الخدمات و التي لسخرية القدر هي التي مكنت اغلبية من ينتمون للعصبة الحاكمة ضمن اّخرين من سواد الشعب السوداني من الترقي الاجتماعي و الحصول علي التأهيل الأكاديمي الجيد فقلبوا ظهر المجن و ردو الجميل بخصخصة القطاع الصحي لتتحول المؤسسات العامة منه لخطر عام (Public Hazard .( و تتضخم المؤسسات الخاصة لتصبح أقرب للفنادق التي تقدم خدمات متوسطة الجودة مستخدمة وسائل تسويق ابعد ما تكون عن اخلاق مهنة عظيمة مثل الطبابة.
كما أصبحت حال المدارس العامة لا يرثي عليه و الخاصة فوضى عارمة تحشو جيوب المستثمرين فيها أرباحا و لم تتفوق كلتاهما مؤخرا في مجال الا في التفوق على الرقم القياسي لتجاوزات الأعتداء الجنسي علي الأطفال الأبرياء و ما خفي أعظم .
و تدهور حال جامعاتنا العريقة فاصبحت بفضل ما سمي جزافا بثورة التعليم العالي تحتل ذيل قائمة الجامعات في أي تقييم علمي مهما كان مجاملا و ظهرت مؤسسات جامعية شائهة همها التربح مقابل استقبال طلاب يقضون أحلي سني عمرهم الغض بين المقاصف, المقاهي , ظل الأشجار و أماكن أخرى لينضموا بعد تحصيل أكاديمي يصل أحيانا للعدم و أموال طائلة يثقل بها كاهل اولياء امورهم المثقل أصلا لجيش العاطلين الحزانى و المحبطين .
6-اعتماد العقلية الأمنية محدودة الأبعاد و قصيرة الاهداف في تفكيك و اعادة انتاج المؤسسات القومية علي أسس حزبية و جهوية و نتيجة لذلك ظهور الحمية القبلية بصورة قبيحة و سافرة في هذه المؤسسات و استغلال هذه الظاهرة لماّرب سياسية و اقتصادية و هو ما لم يحدث سابقا بهذه الكثافة في تاريخ السودان الحديث .
7- أحدى محصلات سياسة الأقصاء و السياسات الأقتصادية غير المدروسة هي اندثار الطبقة الوسطي و المتعلمة و لجوء خيرة العقول السودانية للمهجر و هم كما هو معلوم راس الرمح في اي تطور منشود و احلال اصحاب الولاء مكان اصحاب الخبرة و الدراية و امساك اشباه المتعلمين لمفاصل الخدمة المدنية مما ادى بها الي حالة هي الى انهيارها أقرب .
8- نجح النظام في تدمير و تقسيم و في كثير من الاحيان تقزيم الكيانات الحزبية المنافسة (حزب الامة القومي نموذجا ) رغم ان هذه الكيانات تتحمل جزءا من الذنب لانها لم تحمل بذرة الديوقراطية في جوفها يوما و بالتالي لم تنجح قي ترسيخ سنة لتداول السلطة و اتخاذ القرار بين الاجيال و لكن و بصورة موازية فالعصبة الحاكمة فشلت في إدارة الحوار و تداول السلطة داخل كيانها أيضاً مما إدي لتكلس صفها الاول و عقرها المحتم عن انتاج قيادات شابة نزيهة و ذات رأي مستقل.
و حتي في ما تبقي من جسد هذا الحزب السياسي اذا صحت تسميته بذلك ، اصبح الصراع بين تياراته علي السلطة هو الدافع الحقيقي لاتخاذ القرارات المصيرية للسودان بعيدا عن المصلحة العامة و بغض النظر عن تبعات هذه القرارات علي رفاه و امن المواطن المغلوب علي أمره .
يتبع ………………………………………………….
المحصلة ياسيدي صفرا كبيرا والحكومة ومنسوبوها ومخططوها الجهابزة لايزالوا يأملون في السنوات القادمات متربعين على قفا شعب من الجياع والمعوزين