معصوبةُ العينين!

الكثير مِن القناعات بداخلنا لا تتعمق ويظهر أثرها على تصرفاتنا إلا بعد أن يدثرها رداء التجربة وتصقلها نار الواقعية، وكثيراً ما يكون تعاطفنا مع غيرنا ممن إبتلاهم الله بإعاقةٍ ما مُبللاً بالشفقة التي تعترينا للحظات ثُم تفارقنا بمجرد أن نُشيح بوجوهنا عنهم.
أنعم الله تعالى على البشر بطاقة فكرية وعاطفية لا تحدها حدود ومع هذه الطاقة المُمتدة تُصبح محدودية القوى الجسدية غير عائق لمسيرة الإنسان إذ أنّ بوسعه أن يُسخِّر بعقله كل الموارد الممكنة والأدوات المتاحة حتى يُحقق غاياته وأهدافه، إذ لا يوجد مستحيل أمام تلك المقدرات خاصةً إذا صاحبتها قوة الإرادة والتصميم ومع كل تلك الطاقات الهائلة التى يمتلكها بنو البشر تحولت تحت أيديهم الى إنجازات حقيقة وملموسة ومُعظم اللذين يفشلون فى حياتهم لا يفشلون بسبب قله قدراتهم و إنما يفشلون بسبب ضعف إيمانهم بتلك المقدرات المكمونة بداخلهم مما يحد من قواهم وتصميمهم ويُضعف عزيمتهم.
تلقيت دعوة كريمة من شبابُ (وقفة النور) الذين يقومون بحملة إعلامية مُكثّفة تحتوي على فعاليات وأنشطة مُستمرة لتحريكِ المُجتمعِ وتنويره ولفته بمختلف فئاته تجاه قضايا المكفوفين،أجبتُ الدعوة من خلال زيارة لمعهد النور بالخرطوم بحري ولم تكن هذه زيارتي الأولى للمعهد فقد زرته عدة مرات خلال السنوات الماضية لأغراض مُتعددة ولكن هذه المرة كانت الزيارة مُختلفه و تركت أثراً عصياً على مخالِب النسيان لما فيها مِن تجربة فريدة ومؤلمة فى آنٍ معاً، إذ يقوم المُشرفين على أمر المعارِض بإدراج الزائرين في غُرفه مُجهزة و مُهيئة بظروف و بيئة تشبه كثيراً الذي يعيشه المكفوف، تُربط العينين بِعُصابة مِن قِماش ويعرضون الزائر لعدة عوامل من صوت عالي وإصطدام مُحتمل وتعثر إلى آخره.
جالت بخاطري الكثير من الأفكار في تِلك اللحظات الحالكة، ليس إحساسُ الظلامُ فقط هو ما إعتراني حينها بل كان مصحوباً بإحساس الضياع والوحشة والكآبة ومما زاد على ذلك تِلك العوامل المُحيطة مِن ضوضاء وتعثر وتصادم وغيرها من الظروف التي تجعل مِن حياة الكفيف مُعاناة حقيقية.
بالنظر الى الكثير من قِصص الإنجاز نجدُ أن العزيمة والإصرار هما القاسم المُشترك فمعظم الذين خرجوا بتجارب فريدة كانت خلاصتها أنهم أصروا وعزموا وحركوا القوى البشرية والطاقة الفكرية الهائلة بدواخلهم ونشطوا عقولهم بالتفكير الصحيح وزادهم الله توفيقاً، فلو أراد الله للبشر أن يقفوا عاجزين عن العمل والعطاء لما أخرجهم من الجنة الى الأرض والأساس فى إستخلاف الإنسان فى الأرض هو لعمارتها عبادةً لربه وتحقيقاً لسُنة الإستخلاف، ولو أنّ الأقدار تجري كما نشاء لإستوقفنا الزمن عند أجمل اللحظات ولإستأثرنا لأنفسنا بخيرات الدُنيا كُلها ولكن قدر الإنسان أن يسعى ويمضى عُمره عنتاً ثم يفوز بالأجر فى الآخرة.
همسة:
أسوأ شعور لما الأمل .. جوانا يتحول ندم
زعل الفرح لو ما إكتمل .. يجرح أحاسيس العشم
ينطق لسانك بالعسل .. اعفيني من قول الخشم
يبقى الكلام من غير فِعل .. فرق الحقيقه من الحلم!

همسات – عبير زين
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. معصوبة العينين

    انه رمز العدالة يا عبير زين

    الله يا خلاسية يا حانة مفروشة بالرمل يا مكحولة العينين
    يا مجدولة من شعر أُغنية يا وردة باللون مسقية
    بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت يا مملوءة الساقين أطفالا خلاسيين
    يا بعض زنجية وبعض عربية وبعض أقوالى أمام الله
    من اشتراك اشترى فوح القرنفل من أنفاس أمسية
    أو السواحل من خصر الجزيرة أو خصر الجزيرة من موج المحيط واحضان الصباحية
    من اشتراك اشترى للجرح غمداً وللاحزان مرثيه
    من اشتراك اشترى منى ومنك تواريخ البكاء وأجيال العبودية
    من اشتراك اشترانى يا خلاسية فهل أنا بائع وجهى وأقوالى أمام الله
    فليسألوا عنك أفواف التخيل رأت رملاً كرملك مغسولاً ومسقيّا
    وليسألوا عنك أحضان الخليج متى ببعض حسنك أغرى الحلم حوريه
    وليسألوا عنك افواج الغزاة رأت نطحاً كنطحك والأيام مهدية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..