وثائق امريكية عن عبود (5)

وثائق امريكية عن عبود (5)

“تفرقة دينية وعنصرية” شمالية نحو الجنوبيين

الحكومة ليست متطرفة، لكن شماليين في الجنوب “مهووسون”

نقطة ايجابية: الحكومة زودت التلاميذ المسيحيين في الجنوب بالكتاب المقدس

عندما رفضت البعثة الامريكية المسيحية تدريس مسلمين الاسلام، لم يغضب وزير التربية، وارسلهم الى مدارس حكومية

الكونقرس يتدخل، ويصدر قانونا بمعاقبة اي دولة “تفرقة دينية وعنصرية ضد مواطنين امريكيين”
———————-

واشنطن: محمد علي صالح

هذه خامس حلقة في هذا الجزء من الوثائق الامريكية عن السودان. وهي كألآتي:
وثائق الديمقراطية الاولى، رئيس الوزراء اسماعيل الازهري (1954-1956). وكانت 25 حلقة.
وثائق الديمقراطية الاولى، رئيس الوزراء عبد الله خليل (1956-1958). وكانت 22 حلقة.
وثائق النظام العسكري الثاني بقيادة المشير جعفر نميري (1969-1975، اخر سنة كشفت وثائقها). وكانت 38 حلقة.
هذه وثائق النظام العسكري الاول بقيادة الفريق ابراهيم عبود (1958-1964). وستكون 25 حلقة تقريبا.
وبعدها، واخيرا، وثائق الديمقراطية الثانية، بداية بثورة اكتوبر (1964-1969). وستكون 25 حلقة تقريبا. ان شاء الله.
———————
هذه عناوين حلقة الاسبوع الماضي:
— محكمة عسكرية لجنوبي طالب بالفدريشن
— طلعت فريد: “لا نعترف بالفدريشن”
— مدير الاستوائية: “على دعاة الفدريشن العمل في شئ مفيد”
— سودنة التبشير المسيحي “فورا”
— تحذير للمبشرين: “ممنوع العمل السياسي.”
—————————-
(هذه حلقات قليلة تركز على جنوب السودان، ثم نعود للمواضيع الاخرى)
—————————-
الكونقرس يتدخل:

14-1-1960
من: وزير الخارجية
الى: كل السفراء والقناصل
“هذه اشارة الى قرارات كان اصدرها الكونقرس يوم 8-8-1956، ويوم 2-2-1959، عن ممارسات تفرقة دينية وعنصرية من جانب حكومات اجنبية ضد مواطنين امريكيين …
الأن، وخلال مناقشة الكونقرس لميزانية العام الجديد لوزارة الخارجية، اثار بعض اعضاء الكونقرس الموضوع. واضاف الكونقرس الفقرة رقم 113 الى قانون برنامج الامن المتبادل …
(جزء من الفقرة):
“يرى الكونقرس ان اي محاولة، من جانب اي حكومة، لاي سبب، للتفرقة بين المواطنين الاميركيين بسبب عرقهم او دينهم، تنافي مبادئنا، والتي يجب ان توضع في الاعتبار عند الموافقة على اجازة اعتمادات مالية تخص تلك الحكومة…”
ونحن نود ان نذكر كل السفارات والقنصليات بهذه المبادئ والاجراءات. الولايات المتحدة ابدا لم تقبل التفرقة من جانب اي حكومة اجنبية ضد مواطنيها بسبب العرق او الدين … ”
———————-
الجانب الافريقي للسودان:

27-1-1960
من: السفير، الخرطوم
الى: وزير الخارجية
” … يستمر السودانيون في مناقشة جانبي شخصيتهم: الجانب العربي والجانب الافريقي. ووسط صحف الخرطوم، ينعكس النقاش في بعض الصحف:
اولا: “النيل” الناطقة بلسان طائفة الانصار، وتهتم اكثر بالجانب الافريقي، ربما لحساسية قديمة بين الانصار والمصريين، والان بين الانصار وحركة القومية العربية التي يقودها الرئيس المصري جمال عبد الناصر
ثانيا: “صوت السودان” الناطقة بلسان طائفة الختمية، المقربة نحو مصر والمصريين. طبعا، لا تعارض الانتماء الافريقي للسودان، لكنها تؤيد المصريين، وتعتمد على تأييد المصريين.
ثالثا: “الصراحة” المستقلة والتي تميل نحو اليسار. لكن، رئيس تحريرها (عبد الله رجب) صار وكانه متحدث باسم النظام العسكري. (في وقت لاحق، صار عبد الله رجب رئيسا لتحرير صحيفة “الثورة” الناطقة الرسمية باسم النظام) …
مؤخرا، كتبت صحيفة “النيل” رأيا تحت عنوان: “واجباتنا نحو الدول الافريقية.” وانتقدت سياسة حكومة الفريق عبود نحو الدول الافريقية الجديدة، وعدم الترحيب الكافي بها، وعدم توثيق العلاقات معها.
ربما بسبب هذه الانتقادات، زادت حكومة عبود اهتمامها بالدول الافريقية. ورحبت بزيارة هيلاسلاسي، امبراطور اثيوبيا. واصدر مجلس الوزراء قرارا بالاعتراف بجمهورية الكميرون الجديدة. وصرح مسئول في وزارة الخارجية السودانية لصحف الخرطوم بان “سياسة السودان الخارجية هي دعم الدول الافريقية التي نالت استقلالها، ومساعدة الاخرى لنيل استقلالها. وزار السودان مسئول في الحكومات المحلية في باسوتولاند، ومسئول في التعليم في الصومال البريطاني، بهدف الاطلاع على انظمة الحكم والادارة في السودان …
رأينا:
اولا: يظل السودان ان يقف وهو يضع رجلا في افريقيا، ورجلا في العالم العربي.
ثانيا: لكن، يظل واضحا ميل السودان نحو العالم العربي، والعالم الاسلامي، ومصر، وجامعة الدول العربية، اكثر من ميله نحو الدول الافريقية المجاورة.
ثالثا: يتحدث السودانيون عن ان دولتهم “كوبري” بين العالمين العربي والافريقي. لكن، الى حد بعيد، ليس ذلك اكثر من حديث. ولا يبدو انهم يبذلون جهودا واضحة وقوية للتقرب نحو الافريقيين.
رابعا: من اسباب عدم حماس السودان لتاييد الدول الافريقية المستعمرة لنيل استقلالها التأثير البريطاني. يريد البريطانيون استمرار استعمار هذه الدول، خاصة دول وسط وشرق افريقيا. ويتمتع البريطانيون بعلاقة قوية مع نظام الفريق عبود.
خامسا: يلاحظ ان السودان متحمس جدا لقضايا التحرر العربية، مثل ثورة الجزائر. ويدعمها ويدرس طلابا جزائريين في الخرطوم. لكن، في الجانب الأخر، لا يوجد في جامعة الخرطوم اي طالب من يوغندا، او كينيا، او الكونغو …”
————————-

مبشرون اميركيون في الجنوب:

10-2-1960
من: السفير، الخرطوم
الى: وزير الخارجية
” … ردا على اسئلتكم حول تأثيرات قرارت حكومة السودان عن البعثات التبشيرية في جنوب السودان، اود ان انقل لكم النقاط الأتية:
اولا: ينقسم السودان، دينيا وعرقيا، الى مجتمعين مختلفين، وفي اغلب الاوقات معاديين لبعضهما البعض: شمال متعرب (“ارابيكايزد”). وجنوب وثني كثيرا، ومسيحي قليلا، وزنجي (“نيقرو”).
ثانيا: لا يسلم السودانيون من التفرقة الدينية والعنصرية. في الحقيقة، تختلط الوطنية والتفرقة الدينية والتفرقة العنصرية في سياسات المسلمين الذين يسيطرون على الشمال.
ثالثا: الامريكيون الذين تضرروا من هذه التفرقة هم الذين يعملون في التبشير في جنوب السودان …
ارسل مع هذا خطابا من واحد من المبشرين الامريكيين البروتستانت. وكتب فيه الاتي: “ليست اغلبية التفرقة هي سياسة حكومية معينة. ولكنها نزعات شخصية من الحكام الشماليين المسلمين المهووسين (“فاناتيكال”) الذين يحكمون في الجنوب.”
وكتب ايضا: “سيتأذي المبشرون الامريكيون في الجنوب اذا تدخلت الحكومة الامريكية وضغطت على حكومة السودان. لهذا، نفضل الا تتدخلوا …”
راينأ:
اولا: لا نعترض على اجراءات حكومية اذا كان الهدف منها هو “الصالح العام، والحكم العادل.” لكن، وصلتنا ادلة من جنوب السودان بان المبشرين المسيحيين هناك يواجهون ظروفا غير عادلة. ويمنعون من ممارسة مهنة التبشير المسيحي.
ثانيا: يبدو ان اساس المشكلة هو حماس حكام، ومسئولين، وشخصيات شمالية مسلمة في الجنوب ترى ان واجبها هو وقف انتشار المسيحية هناك. ولا يبدو ان هناك سياسة حكومية محددة تقول ذلك.
ثالثا: عندما يتقدم مبشر اميركي بطلب للعمل في السودان، يحدث ذلك بعد تقديم ادلة بانه لا يوجد سوداني (جنوبي) يقدر على هذا العمل. لكن، رغم ان كثيرا من الطلبات ترفض، يوجد مسئولون سودانيون لا يرفضونها.
رابعا: ترفض حكومة السودان طلبات دخول الاطباء المبشرين، رغم الحاجة الكبيرة لهم في الجنوب. وعندما سيطرت وزارة الصحة السودانية على مستشفى تبشيري في الجنوب، فشلت في احضار طبيب سوداني. ومنعت طبيبة تبشيرية من حتى علاج بقية المبشرين …
منذ صدور قرار ابعاد المبشرين الاجانب، وشمل ذلك مبشرين امريكيين، ظللنا نتابع الموضوع. وظللنا نتصل مع المسئولين في الحكومة. وهم دائما يقولون لنا ان المبشرين يتدخلون في السياسة، ويعملون لزرع التفرقة بين الشمال والجنوب …
مؤخرا، طردت الحكومة ثلاثة مبشرين اميركيين، وعائلاتهم، من مديرية اعالي النيل، ومن كل السودان. وكررت قولها بانهم يتدخلون في السياسة ويعادون المسلمين.
وحققنا في هذه الحالات. ووجدنا انه، في حالة واحدة على الاقل، اخطا المبشر (لم تقل الوثيقة ماذا فعل). ووجدنا، في الحالة الثانية، تبادل اتهامات بين مبشرين ومسيحيين، وسط بعضهم البعض. ووجدنا، في الحالة الثالثة، خروقات واضحة من جانب الحكومة. كانت ترسل جواسيس ليحضروا اجتماعات المبشرين مع الجنوبين، وليسجلوا ماذا يقول المبشرين ضد الاسلام والمسلمين …
ونحن نرى ان الحالات الاكثر خطورة من هذه (التبشير)، هي حالات منع المسيحيين من اداء واجباتهم الدينية. ومرات كثيرة، تدخلت الشرطة في فصول لتعليم المسيحيين تعاليم دينهم …
لكن، يوجد جانب ايجابي هام.
تحرص وزارة التربية والتعليم في الخرطوم على عدم حرمان التلاميذ والتلميذات المسيحيين في الجنوب من الدروس المسيحية. بل عينت مبشرا مسيحيا للاشراف على البرنامج. ووظفت مدرسين مسيحيين لتدريس الكتاب المسيحي المقدس.
وعندما اعلن المبشرون الامريكيون انهم لن يدرسوا الاسلام للتلاميذ والتلميذات المسلمين في المدارس التبشيرية، لم يغضب وزير التربية والتعليم (زيادة ارباب). وامر بتدريس هؤلاء في مدارس حكومية … ”
——————–
العروبة والافرقة:

9-5-1960
من: السفير، الخرطوم
الى: وزير الخارجية
” … بالاشارة الى خطابكم حول تقديم عرض شامل لسياسة السودان الخارجية، نود ان نوضح الأتي:
(الجزء الذي له صلة بالجنوب):
اولا: بسبب سيطرة مصر على جامعة الدول العربية، وبسبب قوة دول اخرى، مثل: العراق والسعودية والاردن، لا يقدر السودان على شئ سوى السير مع الاغلبية. وقدرة السودان على التاثير داخل الجامعة العربية مشكوك فيها.
ثانيا: في الجانب الاخر، قوة السودان مشكوك فيها وسط الدول الافريقية. وخاصة قدرته على ان يكون عامل اعتدال. وخاصة في عهد النظام الحالي. ومن اسباب ذلك: عدم اهتمام السودانيين كثيرا بالجانب الافريقي، وخوفهم من ايدلوجية الحركة الوطنية الافريقية (“بان افريكانزيم”).
ثالثا: في هذا الاثناء، ترى حكومة السودان ان مشكلة جنوب السودان هي مشكلة سيطرة علي الجنوبين، او مشكلة تطويرهم، او الاثنين معا. ولا تراها انها موضوع “وحدة” على اساس “مساواة”…
————————
خطاب الى عبود

28-12-1960
من: السفير، الخرطوم
الى: وزير الخارجية
” … جاء الى هنا وفد من كبار رجال الدين المسيحي في السودان. وسلمونا نسخة من خطاب ارسلوه الى الفريق ابراهيم عبود …
الذين وقعوا على الخطاب ثلاثة، هم:
الاسقف باروني، الكاهن الرسولي في الخرطوم.
رئيس الشمامسة مارتن، باسم الاسقف اليسون.
دكتور قس فندلي، ممثل الكنيسة المشيخية الامريكية.
وهذا هو نص الخطاب:
” سعادة الفريق ابراهيم عبود، رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة، ورئيس مجس الوزراء:
نحن الموقعون ادناه نمثل مبشري الكنائس المسيحية الذين يبشرون لاخوانهم المسيحيين وسط سكان السودان:
اولا: نفهم جيدا سياسة الحكومة باهمية المحافظة على وحدة السودان.
ثانيا: نؤمن بان التعاون بين مختلف الاديان في السودان يساعد كثيرا على ذلك.
رابعا: نعترف بان تطبيق هذه الاهداف يمكن ان يسبب احيانا مصاعب ادارية للكنائس وللطوائف المسيحية.
خامسا: متاكدون بان الحكومة تتمنى ان تتصل بها هذه الكنائس والطوائف لبحث امكانية تذليل هذه المصاعب…
لهذه الاسباب والاهداف، نقدم، بك احترام وثقة، الاقتراحات الأتية، ولخدمة حرية الاديان، وحرية العبادة، وحرية الاختيار الديني:
اولا: تعميد كل مولود في الكنيسة التي يختارها والداه، بدون شروط.
ثانيا: يتلقى كل طالب التعليم المسيحي حسب قراءته للكتاب المقدس.
ثالثا: ضمان تصريحات للكنائس باصلاح كنائسها، او بناء كنائس جديدة، بصرفها الخاص بها، وكما تريد هي.
رابعا: السماح للمسيحيين غير السودانيين في الخارج بزيارة الكنائس، واخوانهم المسيحيين، في السودان. والسماح لهؤلاء بحضور مناسبات مسيحية خارج السودان …
نسال الله تعالي ان يحفظ السودان، وحكومته، ومواطنيه، مهما تعددت عقائدهم الدينية… ”
رأينا:
اولا: لم نستغرب للحذر والتأدب في زيارة القادة المسيحيين لنا. وفي العبارات التي جاءت في هذا الخطاب الى الفريق عبود. انهم رجال دين، وانهم يريدون ان يتحلوا بافضل الصفات حتى في اوقات التوتر.
ثانيا: لم يطلب منا القادة المسيحيون ان نتدخل بصورة مباشرة. انهم، طبعا، يخافون من الصاق تهم التعامل مع الاجانب عليهم، وهم، فعلا، يواجهون مثل هذه التهم او الشبهات.
ثالثا: طبعا، يريدون منا ان نفعل شيئا. رغم انهم كانوا حذرين.
رابعا: كرروا عبارات مثل “حرية الاديان” و “حرية العبادة” و “حرية الاختيار الديني.” وهذه عبارات لا يجب ان تسبب لهم مشاكل من جانب الحكومة.
خامسا: واضح انهم، وهم اقلية مسلمة في مجتمع مسلم، وفيه مسلمون متطرفون، او متحمسون، يريدون التأقلم اكثر من الانعزالية. والتسامح اكثر من المواجهة.
سادسا: ربما مثل الحال في اماكن اخرى، تقدر الحكومات على اصدار بيانات المحبة والتسامح والسلام، لكن ربما لا تقدر على ان تنفذ ذلك واقعيا. خاصة في مجتمعات دينية، مثل المجتمع السوداني، الذي يدخل الدين فيه كل جانب من جوانب الحياة. وبالتالي، كل جانب من جوانب التعامل مع غير المسلمين. مما يسبب، حتى في غياب مشاكل، حساسيات … ”
———————————
الاسبوع القادم: حملة مكثفة لاسلمة الجنوب
——————————–
[email][email protected][/email] [email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..