تحيا مصر

كانت، وإلى عهد قريب، وبالتحديد قبيل سفري إلى القاهرة في الأول من أكتوبر المنصرم، كانت صورة المصري في ذهنيتي، أنه (فهلوي) ومخادع، تُخشى نوائبه ولا تُؤمن عواقبه.. وأن الشارع المصري كما تصوره الأفلام والمسلسلات التي يتابعها السودانيون بشغف لعقود من الزمان، مليء بـ(الحرامية والبلطجية) ومرضى الذمم والقلوب، وفاسدي الأخلاق والضمائر.. لكنني وجدت عكس كل هذا، وجدت شعباً طيب الأعراق، منضبط السلوك رفيع القيم، على خلق عظيم، متمسك بدينه (مسلمه ومسيحيه)، كما لم يتمسك أحد بدينه، طيب المعشر، طاعم السجايا، حلو الكلام، يحب السودانيين حباً حقيقياً لا مراء فيه، ويكفي مثالاً واحداً على هذا، أن ضابطاً رفيع الرتبة كان يميز السودانيين بين سائر العرب، إذ قال لي (مصر نورت بابن النيل، قيت من بلدي لبلدك).. وتلك كلماتهم في الشارع والأتوبيس والتاكسي والمترو، وفي المقاهي والمطاعم والمستشفيات وفي الصحف التي زرتها.. وفي كل مكان حللت به.
إن هذه الرحلة المباركة إلى مصر المؤمنة قلبت قناعاتي (الفاسدة المتوجسة عن المصريين) رأساً على عقب، وحل مكانها احترام عظيم لأمة عظيمة.. وعلى السودانيين أن يعلموا يقينياً، أنه إذا كان هناك شعب على وجه الأرض يحبهم ويحترمهم ويشبههم في القيم والخلق والسجايا، ويتمنى بصدق لا يساوره شك أن يصير السودان ومصر قطراً واحداً وأمة واحدة، ذلك الشعب هو شعب مصر العظيم.. وهذا ما جعلني أكتب هذه السلسلة من المقالات التي أرجو أن تسهم في رتق نسيج الثقة بيننا، وتنظف وجداناتنا من رين السياسيين الذي كفروا به قلوبنا، في الماضي والحاضر، قاتلهم الله.
هذه المقدمة، كانت جزءاً من أول حلقة من الحلقات الست التي كتبتها بعيد عودتي من مصر في أواخر عام 2011.. وأذكر إنني تنبأت في تلك الحلقات بالفوز الكاسح الذي حققه الإسلاميون في الإنتخابات المصرية، سواء في مجلس الشعب أو الشورى، أو رئاسة الجمهورية، كقراءة واقعية آنذاك لما كان يجري في أم الدنيا.. ولا أعتقد أن أحداً خارج مصر، تابع الأحداث في مصر، مثلما تابعت، وأحياناً، أشعر في غرارة نفسي إنني خبير في الشؤون المصرية، كما يقدم مذيعو الفضائيات ومقدمو البرامج ضيوفهم.
ومن فرط متابعتي لتلك الأحداث، تمنيت أن لو فاز الفريق أحمد شفيق في الإنتخابات الرئاسية المصرية في دورتها الثانية، ذلك لأنني كونت فكرة (غليظة) عن قيادات حزب الحرية والعدالة الذين كشروا عن أنيابهم مبكراً، وأشعروا كل الناس، أن الأخوان المسلمين في كل مكان من العالم (طينة واحدة)، يتمتعون بقدر متساوٍ من الغلظة والأنانية وحب الذات والكذب والخداع، والمراوغة، وإقصاء الآخر، وعدم الإحساس به، والبعد عن الدين، إلا بمقدار البضاعة التي يروجون لها في سوق السياسة.. وإجمالاً، يشعروك بأقوالهم، أنهم ملائكة، وبأفعالهم، تراهم يقتربون من مردة الشياطين.. وكما يقول الأستاذ إبر اهيم عيسى الإعلامي الشامل، وصاحب البرنامج التلفزيوني(هنا القاهرة) بفضائية القاهرة والناس.. إن هذه الملة (مبرمجة) منذ الصغر، لا تسمع، لا ترى، لا تفهم، لكنها تتكلم بما يلقنه لها سادتها.. فهم والله يذكرونني حين يستضافوا في القنوات، بمكرفونات الباعة الجائلين، التي تبرمج منذ الصباح(الليمون بجنيه، المنقه بجنيه، سندوتش الطعمية بجنيه، أي حاجة بجنيه)، وهكذا حتى تغرب الشمس.. وأحياناً أتابع أربعة أو خمسة (إخواني) في آن معاً، وكلهم يتحدثون مثل مكرفونات الباعة الجائلين.. نواصل

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..