أخبار السودان

ميدان العباسية.. مربع الأغلبية الصامتة في مصر

هنا ولد نجيب محفوظ أديب نوبل، وخطا خطواته الأولى في دروب الأدب والحياة، وفي أزقته تسكعت الطفلة ليلى مراد واكتشفت عذوبة صوتها، وعلى مقاهيه الشجية أطلق الفنان فؤاد المهندس أولى ضحكاته و«قفشاته» في سماء الكوميديا.. لكن ميدان العباسية الذي ظل لعقود طويلة أحد روافد الطبقة المتوسطة المصرية ومحطة مهمة في تاريخها الوطني، وبعد أن أدخله مستشفى العباسية للأمراض العقلية والنفسية الذي لحق به حديثا في مفارقة طريفة تقرنه بالجنون والخلل العقلي، استعاد رشده السياسي أخيرا، وأصبح سوقا للمظاهرات وصوتا معارضا لإيقاع ميدان التحرير، أيقونة الثورة في العاصمة المصرية.

يتمتع ميدان العباسية بجغرافيا متميزة، لا تقل أهمية عن ميدان التحرير، حيث يقبع بين فكي مقر وزارة الدفاع المصرية، والمقر القديم لأكاديمية الشرطة، وعلى مقربة منه يقع مسجد النور، الذي تنازع عليه السلفيون ووزارة الأوقاف طويلا، تجاوره مباشرة الكاتدرائية المرقسية، المقر البابوي، كما يشكل الميدان ساحة خلفية لجامعة عين شمس المصرية، وأصبح بعد الأحداث الأخيرة مقر الأغلبية الصامتة في مصر.

هبة عاطف (25 عاما)، المدرسة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، تلخص المشهد قائلة: «أنا هنا في ميدان العباسية لأرفض ديكتاتورية التحرير»، ثم أضافت لـ«الشرق الأوسط»: «بعد أحداث التحرير الأخيرة، شعرت أن هناك يد خفية تستهدف استقرار مصر، والمجلس العسكري»، قبل أن تواصل الهتاف: «مصر أكبر من التحرير».

وقبل أسبوع، صاحبت هبة والدتها للذهاب إلى العباسية عبر مترو الأنفاق، لإعلان تأييدها لبقاء المجلس العسكري، وبينما مرت هبة بمحطة مترو «الشهداء» (مبارك سابقا)، قالت: «شاركت قبل ذلك في مظاهرات مصطفى محمود الداعمة لمبارك وأحمد شفيق، الموضوع ببساطة أنني أبدا لم أشعر أن التحرير يمثل ما أريده، لكن ميدان العباسية يعبر عن أفكاري المعترضة على مواقف عدة تحدث في البلاد حاليا».

وكما يحدث في ميدان التحرير، خضعت هبة لتفتيش في لجنة شعبية على إحدى بوابات ميدان العباسية، قبل أن تدلف للميدان لتشارك في مليونية «تأييد المجلس العسكري» التي دعا إليها ائتلاف الأغلبية الصامتة، لتواجه عشرات من بائعي أعلام مصر، لكنها لم تشتر علما دون أن تفسر ذلك.

وبينما ردد بضعة آلاف هتافات مؤيدة لبقاء المجلس العسكري مثل «إوعى تزعل من مليون.. إحنا معانا 80 مليون»، قالت هبة: «لا يجوز أن يرحل المجلس العسكري دون وجود آلية معينة لانتقال الحكم، ميدان التحرير لن يقرر مصير البلاد وحده»، ثم تساءلت: «هل هناك بدائل أساسا للمجلس العسكري الآن؟».

اللافت، أن الميدان ضيق المساحة بصورة كبيرة، فهو بكامله يقع تحت كوبري العباسية، كما أن أعمال حفر الخط الثالث لمترو الأنفاق تقلص مساحته بشكل كبير، ورغم ذلك فإن آلاء إبراهيم (21 عاما)، المنسق السياسي لائتلاف الأغلبية الصامتة، تقدر عدد مؤيدي المجلس في مليونية 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بـ700 ألف متظاهر، لكن البعض يقول إن معظمهم من المشتغلين في وظائف متصلة بالقوات المسلحة أو من أقارب مواطنين عسكريين، وهو ما ردت عليه آلاء قائلة: «حتى لو افترضنا صحة ذلك، وهو خاطئ، فإنهم مواطنون ولهم حق التعبير عن آرائهم».

وتقول آلاء إن سبب اختيار العباسية كمقر لمظاهرات الائتلاف يرجع إلى دور أهالي المنطقة في حماية وزارة الدفاع المصرية من هجوم متظاهري التحرير عليها ليلة 23 يوليو (تموز) الماضي، وفق روايتها.

وفي يوليو الماضي تعرضت مسيرة من ثوار التحرير لوزارة الدفاع المصرية لهجوم خاطف من «بلطجية» وبمعاونة الأهالي في منطقة العباسية، حيث قتل ناشط وأصيب واعتقل عشرات آخرون، لكن ائتلاف الكتلة الصامتة واصل مظاهراته حينها في ميدان روكسي في ضاحية مصر الجديدة قبل أن يعود للعباسية يوم الجمعة قبل الماضي لتأييد شرعية المجلس العسكري. ووسط مئات المشاركين، نظم ائتلاف الأغلبية الصامتة، أمس، في العباسية «جمعة دعم الشرعية»، حيث أجرى المشاركون استفتاء شعبيا لجمع توقيعات تطالب ببقاء المجلس العسكري حتى تسليم السلطة للمدنيين، وشددوا على أنه حامي ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، وهو موقف مناقض تماما لميدان التحرير.

وبينما دافعت آلاء عن تفوق العباسية على التحرير تاريخيا، ودون أن تعطي أسبابا تبرر ذلك، فإنها أكدت أن ميدان العباسية ليس ضد التحرير، لكنه ضد أن يمثل التحرير مصر، قائلة إنني: «أرفض شعار (الشعب يريد..) لأننا الشعب ولا يوجد من يمثلنا»، لكن شابا كان يمر بالميدان تشابك مع بعض المتظاهرين بعد أن شبههم بـ«مجانين مستشفى العباسية».

الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..