«حبيبي أغلق لى وأنا أغلق ليك»

٭ كان أبرز ما ورثناه بعد ذهاب الجنوب لحاله وتكوين دولته الخاصة، سواء اسمينا نحن هذه العملية بالانفصال أو اسموها هم الاستقلال، هو غلق أنبوب النفط مرتين، الأولى من جانبهم والثانية من جانبنا، رغم أن هذا الانبوب يمثل للاثنين شريان الحياة الذي يضخ الدم في عروق إقتصاد البلدين الجافة، ولكن حتى هذه الأهمية القصوى لم تشفع له للبقاء مفتوحاً، وظل مثل الكرت الأحمر الذي يرفعه حكام مباريات كرة القدم في وجه اللاعب الذي يتعدى حدود اللعب النظيف، ولم يكن غلق الأنبوب هو الورثة الخاسرة الوحيدة التي جناها الطرفان، وإنما تبعه أيضاً غلق الحدود وما جرّه من اختناق تجاري وضيق اقتصادي زاد الطين بلة، هذا غير المناوشات والاتهامات والملاسنات المتبادلة التي لا تهدأ إلا لتنشب مرة أخرى…
بالأمس التاسع من يوليو مرّ عامان على هذا الحال البائس بين شعبين كانا شعباً واحداً وبلدين كانا دولة واحدة، بعد أن منّى كل جانب نفسه بالمن والسلوى التي قدّر كليهما مخطئاً أنها ستكون حصيلة الافتراق، والحال هذا وبمناسبة هذه الذكرى الاليمة، أظن أن أنسب ما يمكن أن يذكر فيها هو تذكر أغنية رسائل للشاعر المجيد عبد الرحمن الريح والمطرب المعتق الكاشف، التي تحكي عن مرارة الفراق وما خلّفه من تعاسة وبؤس يقال إن شاعر الأغنية وصديقه الآخر الشاعر الذي فارقه منقولاً الى صقع بعيد قد أحسا وعاشا هذه المشاعر المؤلمة، التي عبّر عنها شاعرنا ود الريح برسالة حملّها آهاته وأنينه لصنو روحه الذي فارقه، فاستهلها بقوله «حبيبي أكتب لى وأنا أكتب ليك بالحاصل بى والحاصل بيك»، وكان العشم والأمل أن تكون الرسائل المتبادلة بين دولتي السودان وجنوب السودان بعد فراقهما من هذا النوع، فراق على محبة وباحسان يجتر فيه الطرفان الذكريات الجميلة والمشتركات التي جمعتهما يوماً ما، ولكن للأسف صارت رسائلهما المتبادلة تقرأ «حبيبي أغلق لى وأنا أغلق ليك»…
وما أذكره أيضاً بمناسبة هذا اليوم التعيس هو طرفة الصيني المريض، لما للصين من علاقة وصلة قوية بالنفط والانبوب، وتقول الطرفة أن شخصاً ذهب للمستشفى لمعاودة صاحب له، وبعد التحية والسلام وتقديم الهدية والسؤال عن الحال، لاحظ الزائر وجود مريض آخر بالغرفة، فسأل صاحبه عنه، قال له هذا صيني مريض، قال الزائر وجب علىَّ أن أعوده وعندما اقترب منه، بدأ الصيني يهزي ويصرخ «شون شا شووك شكا ما شنن شاو شو نيهاوا وا حلو مر…. الخ»، صاحبنا اعتقد أن هذا الصيني المسكين يحتضر والأفضل أن يسجل هذيانه هذا الذي لا يفهمه علّه يكون وصيته الأخيرة ليسلمها لأهله، فكتب نقلا حرفياً ما كان يتفوه به الصيني، وبعدها بلحظات أسلم الصيني الروح، وعندما جاء أهله لاستلام الجثمان ذهب اليهم صاحبنا وبعد أن أدى واجب العزاء أخرج الورقة التي كتب فيها هذيان مريضهم المتوفي وسلمها لهم قائلاً هذه كلمات تفوّه بها مريضكم قبل أن يتوفى سجلتها له أظنها تحمل كلاماً مهماً قدرته من مستوى صراخه العالي، استلم أهل الميت الورقة وفضوها وبعد قراءتها بدت على وجوههم علامات انفعالية جعلت صاحبنا يسألهم بلهفة، ها ماذا قال المرحوم، قالوا إنه كان يقول لك «إبعد إبعد أنت تقف على أنبوب الاوكسجين»….

الصحافة

تعليق واحد

  1. الاستاذ حيدر المكاشفى
    لك التحية
    تحليل جميل وشيق ولكنها السطحية والفجاجة من قادة السودان جنوبه وشماله ما اوصل حال شعوبهم الى هذا الدرك السحيق . مصلحة البلدين فى فتح الحدود وتبادل المصالح لا غلق الانابيب والاذان . الجنوب خدعه ساسته بوهج الدولة الوطنية لكى يتقلدوا القيادة ويطبقوا الفساد والافساد الذى درسوه على ابالسة الانقاذ , اما الشمال فقد خدعتهم امريكا ومنتهم الامانى بشطب الديون ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب فصدقوها فاحلو قومهم وانفسهم دار البوار وكان مصيرهم كمن لا ظهرا ابقى ولا ارضا قطع .
    شعبا الجنوب والشمال لا يستحقان العذاب والضيق الذى اصابهما بفعل قادتهم ولم يبقى امامهم سوى التضامن والتكاتف لخلع هؤلاء القادة المفسدين وهذا الامر يتطلب قيام حركة تمرد شمالية جنوبية عاصفة وعلى المثقفين الوطنيين فى كلا الجانبين تبنى حملة للعمل على اقتلاع هؤلاء القادة ولنا اسوة حسنة فى ثورة 30 يونيو فى مصر ليس من اجل اعادة توحيد البلدين لما له من حساسية , لكن من اجل فتح الحدود واعتبار مناطق التماس مناطق تكامل لتشجيع التبادل التجارى للسلع والخدمات وفتح الحركة للرعاة واهم شئ عدم استخدام مرور النفط سلاح وزخيرة بين الجنوب والشمال .
    لا شك ان مثل هذه المبادرات لا يقوم بها الا المثقفين الوطنيين المطهرين من القيود الايدولوجية والعنصرية والجهوية , هل يا ترى يتعامى المثقفون حتى عن الدعوة لصيانة مصالح المهمشين والفقراء على جانبى البلدين ؟؟ هل مثل هذه الدعوة المشروعة يمكن اعتبارها من المؤتمرالوطنى والحركة الشعبية خيانة عظمى لاي من الدولتين ؟؟؟

  2. تحياتى استاذ حيدر المكاشفى ورمضان كريم وتصوم وتفطر على خير . والله كتاباتك جميله بتعجبنى دائما لانك ماشاء الله روحك مرحه وحافظ امثال سودانيه وكلام سودانى بحت واشياء كتيره من التوصيفات ومن لهجات السودان المتعدده بتطلع مقالتك حاجه متفرده . ربنا يوفقك وانور دربك

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..