مقالات سياسية

عن مستقبل الوطن (2) كيف لنا ان نعد جيل الغد للقيادة؟

في المقال السابق حاولت اقناعكم بأن قادة السودان بعد عقدين من الزمن، سيكونون ابناءنا و بناتنا الذين تخرجوا من الجامعات في العشر سنوات الاخيرة، و اؤلئك الذين في مقاعد الدراسة الآن. و اذا اتفقنا علي هذا فان اولي الاولويات هو البحث العلمي الدقيق لاحتياجات هذا الجيل من التدريب و الاعداد حتي يكونوا قادرين علي تضميد جراح الوطن و علاج ادرانه و النهوض به ليكون وطنا قويا، متحدا، شامخا، قادرا علي البقاء و التأثير و التأثر بالمجتمع الدولي.
كل الامم تقريبا يشغلها امر الشباب و من همومها الرئيسية، و لذلك تهتم بهذا الامر اهتماما بالغا، ليقينهم ان الشباب هم قادة المستقبل. و يجب هنا ان اوضح ما اعنيه بالقيادة ، فهي ليست محصورة في القيادة السياسية، بل قبل ذلك القيادة المهنية و القيادة الاكاديمية. و تجدر الاشارة الي ان وجود قيادة فاعلة في ميدان واحد من هذه الميادين، بالضرورة قيادة معوقة في جانب من جوانبها، و لن تنجح في النهوض بالبلاد و الي اعادتها لموقعها بين الامم.
في بريطانيا مثلا، يجد موضوع ” الجيل القادم” اهتماما كبيرا، و تدرس دراسة علمية تصدر نتائج بحوثها بانتظام. في كتاب بعنوان “تشريح لمشكلات الشباب” من تأليف سيليا هانون و شارلي تمس (An Anatomy of Youth , by Cilia Hannon & Charlie Tims, 2010) يتناول المؤلفان النقلات الاجتماعية و الاقتصادية و البيئية و التكنولوجية التي تشكل قيم الشباب في هذا العصر و حددوا الموضوعات التالية، باعتبارها مؤثرة بالفعل علي الشباب اليوم ، كما انها ستشكل التحديات المؤثرة لهم في المستقبل:
1. التكيف مع تغير المناخ (Adapting to Climate Change)
وهنا ينصب اهتمام البريطانيين في توعية الشباب بالتحول التدريجي البطئ لبيئة يجب ان تتناقص فيها استخدام الكربون و مآلات مثل هذا التحول في حياتهم و اهم من ذلك التحديات التي ستجابههم في التلاؤم مع متطلبات احداث سلوك بيئ جديد يحافظ علي الارض و الحضارة.
2. طريقة العيش و الرعاية في اسر “مائعة” (Living and caring in fluid families) و الاسرة المائعة مقصود بها هنا الاسرة الغير متماسكة كما في الماضي. و هنا يعتقدون ان هنالك تحول الي صيغ مهجنة للاسرة، و عبر العقود القادمة ستكون هنالك تحديات جديدة للاسر في توفير الرعاية و المساندة و الامان باستخدام موارد شحيحة. و ينبه التقرير الي اهمية توفير الحكومة لمعينات تجعل هذه الاسر قادرة علي التكيف
3. ملكية الهوية الرقمية (Owning a Digital Identity) بما انه لا مفر في هذا العصر من استخدام الانترنت و تعريف النفس بهوية رقمية، فانه من الاهمية بمكان تعريف الشباب بمحاسن و مخاطر استخدام الهوية الرقمية و حجم الجرائم التي يمكن ان ترتكب.
4. الانتماء لمجتمعات متغيرة (Belonging to Changing Communities) لم يعد الانتماء مرتبطا بالموقع الجغرافي، فالخيارات كثيرة امام الجيل القادم، لكنه من واجب الحكومات و الشعوب ان تجعل الانتماء لمجتمعات الوطن اكثر جاذبية، و له منافع واضحة.
5. المواطنة المؤثرة (Being an Effective Citizen) الشباب البريطاني و قد ورث نظاما ديمقراطيا، فيه المساحة التي يستطيع ان يساهم فيها كمواطن فاعل، اصيب بخيبة الامل في الديمقراطية التقليدية، و يبحث عن البدائل في المساحات التي توفر حراكا اجتماعيا.
اذا كانت هذه نظرة المجتمع البريطاني لمشاكل الشباب عندهم، كيف لنا ان نقرأ مشكلة قادة المستقبل في بلادنا؟ و كيف لنا ان نسعي لاعدادهم لتحديات الغد؟ اولا يجب ان نقرر الفارق بين الشباب البريطاني و الشباب السوداني، اؤلئك جيل نهلوا العلم من النظام التعليمي البريطاني المعروف بجودته و رقيه ثم تخصصوا في المجالات المهنية المختلفة في الجامعات البريطانية الشهيرة، بينما ابناؤنا تلقوا تعليما ناقصا في مدارس الدولة التي تنقصها البيئة التعليمية ، لدرجة ان اجلاس الطلاب كان انجازا يفاخر به المسؤولون، و الآخرون الذين هربوا من مدارس الدولة و دفعوا من اموال آبائهم الشحيحة، كان حظهم ان يتعلموا في مدارس الشقق او مدارس الغرفتين و صالة!! لا ننكر ان هنالك مدارس خاصة متميزة الا انها محتكرة لفئة قليلة تعد ابناءها للدراسة في الجامعات البريطانية و الكندية و الامريكية. و الذين نريد ان نعدهم للمستقبل هو جيش الشباب الذي تلقي تعليما ناقصا و درس في جامعات لا تحكمها نظم و لا تقاليد علمية كتلك التي كانت سائدة في جامعة الخرطوم العريقة.

فضلا عن ذلك فان الجيل الذي نحن بصدد مساعدته للاستعداد لواجبات الغد، هم الجيل الذي عاصر ديكتاتورية الانقاذ، و اصابهم من مآلاتها الكثير و اخطرها ما اصابهم من تشويش في فهمهم للدين الحنيف: هل الاسلام ان نصلي في المساجد و نحرم المنكرات في العلن و نمارسها في السر؟! و ان نكتسي بكساء الدين في العلن و في السر نسرق مال الشعب و نرتكب كل كما تدعو اليه النزعة و الشهوة؟! هذا هو اخطر مآلات حكم الاسلام السياسي، و اخطر الامراض التي اصابت جيل المستقبل.
كيف لنا ان نساعد هذا الجيل للتعافي من الامراض و المعوقات التي اصابته، و من هو المسؤول عن دراسة احتياجات شبابنا دراسة علمية لا علاقة لها بالسياسة و الاحزاب، و من المسؤول عن تشخيص العلل ووصف العلاج و من المسؤول عن تصميم البرامج و الفعاليات التي تحدث التغيير المنشود ، و من المسؤول عن تنفيذ هذه البرامج؟
الاجابة علي هذه الاسئلة هو موضوع مقالي القادم ان شاء الله.
اسأل الله العلي القدير ان ير شبابنا الحق حقا و يرزقهم اتباعه و يرهم الباطل باطلا و يرزقهم اجتنابه.
و آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي اشرف الخلق و المرسلين.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..