السلفيون وديمقراطية الكفار..!ا

د.أحمد لاشين
مررنا بفترة استبداد سياسي عانينا فيها الأمرين، اغتصب فيها النظام شرعيته من شريعة الغاب والبقاء للأقوى، استبداد شمل الجميع على اختلاف التوجهات والتيارات السياسية والدينية والاجتماعية، حوّلهم إلى جملة من الفاسدين تحت مبدأ حب البقاء، فإما الفساد أو الموت. لم يكن غريباً على نظام كهذا أن يمارس تجريفه لوطن جعله كالأرض الخراب. ولكن الغريب أننا بعد التخلص من عقود الاستبداد والفساد، قررنا أن نمارس نفس آليات القمع والإقصاء على أنفسنا، فانقسمنا إلى شيع وطوائف متهالكة، وتصارعنا على تأسيس استبداد جديد، بأشكال متعددة، بعضها تحت مسمى المقدس الديني، والآخر تحت سماء تفوق القوة العسكرية، وبين هذا وذاك تُعقد الصفقات وتٌقدم الهبات، لننتهي جميعاً من حيث بدأنا، وكل ذلك باسم الحرية والديمقراطية.
التيار الديني خاصة بشكله السلفي قرر أن يمارس استبداده الخاص على المجتمع ككل، ولم يتردد لحظة في نفي الآخر أياً كان مسماه، فالتباين بين رؤية الذات والآخر داخل الجماعات السلفية بعضها البعض، واختلافها فيما بينها لسنوات طويلة في فروع دينية مثلت بالنسبة لهم أصول للخلاف والاختلاف، انسحب بشكل واضح على رؤيتهم للآخر الخارج عن التيار السلفي عامة، فكما مارسوا تكفيرهم ضد بعضهم البعض وضد غيرهم من الجماعات السياسية الدينية كالأخوان مثلاً، قرروا أن يمارسوا نفس الآلية القمعية على مختلف التيارات السياسية سواء اليسارية أو الليبرالية.فالجماعات السلفية التي شاركت في استبداد النظام السابق تمارس الآن حرية مزعومة تحت مسمى الديمقراطية التي اعتبرتها كفراً أصيلاً وخروجاً عن هدي السلف الصالح!
آلية التكفير والهجوم على كل أشكال الحداثة تأتي متسقة تماماً مع المرجعية الأصولية التي يتبعها السلفيون، فرحابة الإسلام وحريته وإيمانه بأحقية الفرد في تقرير مصيره، تضيق لتتحول إلى قيود في رقاب العباد تحت دعوى العودة إلى الأصول أو ما يرون هم أنها الأصول، بحيث يحدث الخلط النظري بين رأي الشيوخ والفقهاء الذي لا يتعدى كونه مجرد رأي مرتبط بالزمان والمكان، وبين الشريعة الإسلامية السمحة، فيتحول الرأي إلى قانون وشريعة ملزمة. أزمة نظرية يعاني منها التيار السلفي على اختلاف جماعاته ومختلف مرجعياته الفقهية القديم منها والجديد، والمصري منها والمقيم في بلاد قاحلة بعيدة لا يمت لأصولنا المصرية الوسطية.
والأهم أن تلك الجماعات التي أخذت الشكل الدعوي قادرة على التحول الآن للشكل الجهادي الذي كانت تعتبره خروجاً على الأمة، تحت أي فتوى تكفيرية أو جهادية تخرج من فم أي من شيوخ التيار وهو جالس على كرسي الهداية والتوجيه، خاصة بعد هذا التوحد الظاهري بين عناصر التيار الديني بداية بالأخوان وصولاً للجماعة الإسلامية، مررواً بالأحزاب الدينية السلفية كالنور والأصالة والفضيلة والإصلاح، والتي تمثل كل منها جماعة دينية أكثر مما يجسد حزباً سياسياً له مشروعه السياسي الواضح، بحيث ينطبق عليها مواصفات الجماعات الدينية التي تدعو للعودة للتاريخ ونحن على شاطئ المستقبل، فغياب أي رؤية نقدية للتاريخ يجعلهم محبوسين في إطار فكري ضيق ومحدود برؤيتهم هم فقط دون غيرهم.
فقمة تناقض الأحزاب السلفية تبدأ من تبنيهم الظاهري للديمقراطية بوصفها مدخلهم الأصيل لاستبداد جديد، فالديمقراطية في عمومها هي حكم الشعب لنفسه بنفسه، أي حكم الأغلبية مع مراعاة حقوق الأقلية التي خرجت أو رفضت أو خالفت رأي الأغلبية، أي أن الديمقراطية بتطورها الليبرالي، هي توافق عام على مصالح المجتمع تحت سقف قانون يرتضيه الجميع ويمثل الكل، لا فئة معينة حتى وإن كانت الأغلبية. وهذا الفكر في حد ذاته منافٍ تماماً للرؤية السلفية في إدارة المجتمعات، والتي تنحصر فقط في تطبيق الشريعة الدينية كما يرونها هم، وبالتالي تعتبر الديمقراطية أو الليبرالية كفر واضح، ليس فقط لكونها منتج فلسفي غربي يقود العالم الحديث، ولكن الأهم لاحتمالية أن تنتج رأياً مجتمعياً ينافي رأي الجماعات السلفية الأصولي، وستكون النتيجة أن من يمارس الفعل الديمقراطي من الأحزاب السلفية هو في الأصل يراها فكراً غير صالحاً للتطبيق وينافي أصول المعتقد، مهما حاول تجميل الواجة السياسية وإن كانوا لا يجتهدوا في ذلك كثيراً كما يحاول غيرهم من الأحزاب ذات المرجعيات الإسلامية.
فالجماعات السلفية التي تمارس ديمقراطية الكفار، سوف تكشف عن وجهها الإقصائي الحقيقي إذا فرضنا وجاءت نتيجة الانتخابات على غير الهوى، بل حتى وإن جاءت على هواهم فستكون هي الطريق الكافر الذي أوصلهم لتحقيق أفكارهم المقدسة، وسينتهي دورها كدابة حققت لراكبها غايته.
خاصة ونحن أمام كفار ـ أقصد الأحزاب اليبرالية ـ تجتهد في صنع صفقات مع التيار الديني أحياناً بوصفه صاحب حضور لا يستهان به في الشارع، وأحياناً مع السلطة العسكرية لتضمن من يحميها من سطوة الدينين، محاولات للحضور السياسي ليس إلا، نتيجة لما تفتقده مع تواجد فعلي على أرض الواقع. وكذلك طائفة مدعي الثقافة والحرية الذين يجتهدون في تصدير أفكار صادمة للمجتمع تصيبة بخيبة أمل في أي مشروع وطني معتدل، يضم تحت رايته مختلف التوجهات الدينية والليبرالية وحتى العلمانية للوصول إلى نتيجة واحدة وهي بناء هذا الوطن. فالكل مدان؛ التيار السلفي بتشدده وتناقضه، والأحزاب بخيبتها وضعفها، والنخبة الثقافية وعدم قدرتها على القيادة والتوجيه، لننتهي إلى مجتمع فصامي يغطي التماثيل في الميادين وينشر العري على صفحات العالم الافتراضي.
يا سادة نحن الآن أمام مشروع استبدادي جديد، تُستغل فيه كل الشعارات التي تحمل في ظاهرها الجنة وباطنها العذاب، فإن لم يتخل التيار السلفي عن صلفه وتناقضه وعاد من حيث أتى، أو اندمج بشكل فعلي حقيقي في العمل السياسي الحر والمتغير بطبيعة الحال، غير المتنمي لأي أصولية محدودة الرؤية، وإن لم تقدم الأحزاب على كثرتها مشروع وطني تنموي حقيقي، وإن لم ننتبه جميعاً سينتهي بنا الحال كما بدأنا، استبداد الأقوى وحكم لن يترك رقابنا إلا بدماء جديدة.
القدس العربي
الاستاذ الدكتور احمد لاشين
مقالك في قمة الحق والحقيقة …فهي بمثابة ناقوس خطر علي أبوابكم سترون مرارتها طالت ام قصرت الزمن..فسيندم الجميع علي الديمقوقراطية و ضياع الحرية وثورتهم التي داسوها بأرجلهم بعد نجاحها. لقد أصبت القول عند قولك : إنّ الديموقراطية عند الاسلاماوييين الطريق الكافر الذي يوصلهم لتحقيق أفكارهم المقدسة، وسينتهي دورها كدابة حققت لراكبها غايته …
كتبنا في مكان آخر ما يمكن تعديله ليناسب المقال : تبدو القصة ملتبسة جدا عند أنصار الدولة الدينية (دولة الخلافةأو المشروع الحضاري أو … أو ) و لهم حجج واهية لا تصمد أمام البحث و المنطق .. من غير الدخول في تفاصيل دعنا نبدأ بحجة يرددها الكثيرون مثل قولهم عن العلمانيين : " انهم يريدون فرض دينهم البشري " العلماني" على المسلمين، واقصاء ديننا "الإسلام" عن حياتنا …" دعنا نستبدل كلمة واحدة في هذه الجملة و نقرأها : " " انهم يريدون فرض دينهم البشري " العلماني" على الهندوس، واقصاء ديننا "الهندوسي" عن حياتنا …" هكذا يردد غلاة الهندوس شيئا شبيها بهذا ، و الهندوس يرون أن دينهم أكمل و أفضل دين ، بل و يؤكدون أن العلم الحديث يؤكد كل ما جاء في كتبهم المقدسة و يستشهدون بأن كثير مما أثبته العلم الحديث قد جاء في كتابهم المقدس قبل زمان طويل دلالة على الإعجاز و … المغالطة هنا أن الدولة الدينية هي التي تفرض تصوراتها على الآخرين بينما العلمانية تقف على مسافة متساوية من كل الأديان و لا تفرض تصورات مسبقة على الناس إنما هي ترى أن كل شيء قيد النظر و يمكن تغييره خذ مثلا أحدهم يشرب خمرا في بيته و اسمه علي ، لن يساله أحد عن دينه إذا قبض عليه إنما سيجلد حدا بينما العلمانية لا تفرض عليك شيئا … سيقول الكاتب و أضرابه : انظر فرنسا تمنع الحجاب .. و هم يدركون أن فرنسا تمنع الرموز الدينية من صليب أو قلنسوة يهودية أو حجاب في المؤسسات الرسمية أما في الشارع فيمكنك لبس ما تشاء ، حتى هذه ليست القول النهائي و لا هو مقدس إنما يمكن تعديله أو الغاؤه …
الاضطراب الذي يشوب نظرة أهل الدولة الدينية هو : هل تستطيع الدولة الدينية أن تنجح في مكان متعدد الديانات و الثقافات و غيرها من الاختلافات ؟ هل تقبلون بقيام دولة هندوسية في الهند أم تؤيدون مسلمي الهند الذين يكافحون من أجل دولة علمانية ؟ السؤال الأصعب هو : هل تستطيعون تطبيق مفاهيم الدولة الإسلامية التي تم تطبيقها أيام الرسول (ص) ؟ لنأخذ أمثلة :
1 ? في غزوة بني المصطلق (المريسيع) (شعبان 5 هـ ) أورد ابن هشام : [قال ابن اسحق : " …واستاق إبلهم وشياههم، فكانت الإبل ألفي بعير، والشاء خمسة آلاف شاة، واستعمل على ذلك مولاه شقران، أي بضم الشين المعجمة، واسمه صالح، وكان حبشيا، وكان السبي مائتي أهل بيت. وفي كلام بعضهم كانوا أكثر من سبعمائة، وكانت برة بنت الحارث الذي هو سيد بني المصطلق في السبي. و روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري ، قال «غزونا مع رسول الله غزوة بني المصطلق، فسبينا كرائم العرب أي واقتسمناها وملكناها، فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء، فأردنا نستمتع ونعزل، فقلنا نفعل ذلك» وفي لفظ «فأصبنا سبايا وبنا شهوة للنساء، واشتدت علينا العزوبة، وأحببنا الفداء، وأردنا أن نستمتع ونعزل، وقلنا: نعزل ورسول الله بين أظهرنا فسألناه عن ذلك، فقال: «لا عليكم أن لا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة» أي نفسا «قدّرها هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون». أي ما عليكم حرج في عدم فعل العزل: وهو الإنزال في الفرج، لأن العزل الإنزال خارج الفرج، فيجامع حتى إذا قارب الإنزال نزع فأنزل خارج الفرج
2 ــ و بعد حوالي 3 أشهر حدثت غزوة بني قريظة : (ذو القعده 5 هــ) نعرف أن الرسول (ص) أمر بضرب أعناق كل من أنبت من رجال بني قريظة فقطعت رؤوسهم و كانوا بين الستمائة و السبعمائة …قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين وأعلم في ذلك اليوم سهمان الخيل وسهمان الرجال وأخرج منها الخمس فكان للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان ولفارسه سهم وللراجل من ليس له فرس سهم. وكانت الخيل يوم بني قريظة ستة وثلاثين فرسا، وكان أول فيء وقعت فيه السهمان وأخرج منها الخمس فعلى سنتها وما مضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وقعت المقاسم ومضت السنة في المغازي. ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبد الأشهل بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا. طبعا سيقول أمثال الكاتب أن قتل الخائن أو الجاسوس تعمل به كثير من الدول … هل تقتل أي دولة كل أهل قرية لأن زعماءهم خانوا و تسبي نساءهم ؟ ثم إن المستقبل ينبيء بأن الحكم بالإعدام سيتلاشى..(لاحظ أن السبايا تم بيعهن في سوق النخاسة في نجد و تم شراء الخيل و السلاح بثمنهن)
3 ــ في السنة الثامنة هجرية في شهر شوال و بعد معركة حنين جرى في وادي أوطاس ما يلي : قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبا سفيان – وهو الثوري – عن عثمان البتي، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا نساء من سبي أوطاس ولهن أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج، فسألنا النبي فنزلت هذه الآية: { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [النساء: 24] . قال: فاستحللنا بها فروجهن. …انتهت الأمثلة .
و هنا يوردون حججا سمعناها كثيرا :منها 1 ــ كان الرق و السبي للمعاملة بالمثل .. و هذه كذبة فلم يسترق أحد أي مسلم و لم تسبى امرأة مسلمة (هنالك قصة عن أسر امرأة مسلمة لكن لم يقل أحد انها سبيت بمعنى كشف سترها) و أول أسرى كن من العرب من بني المصطلق … فإن قالوا: أننا لا نحتاج للرق و السبي اليوم لأن البشرية تركته فسنسألهم : لماذا لا تتركون كثيرا مما تركته البشرية ؟ و ما الفرق بين هذا و ذاك ؟ أليس الكل تشريع رباني كما تزعمون ، خاصة و أن الرق و السبي ظل المسلمون يعملون به قرابة الألف سنة ، و الفضل في الغائه يعود للعلمانيين الذين تسبونهم … لا ننسى أن هنالك تهافت في حجتهم ، فالصحيح أن كرماء العرب قبل الإسلام استهجنوا السبي و عدوه مما يقدح في المروءة (قبيلة ربيعة و من سميا بالوفيين و دريد بن الصمة الذي أورد البخاري قصته في غزوة حنين ) …
أخيرا ستنتج الدولة الدينية القادمة التبلد الاجتماعي و سنتشر الرزيلة (التي سببها الرئيسي الفقر الذي سيعجزون بفكرهم القاصر عن حل مشكلته) و كما جربنا فإن الانتحار الناشيء من الكآبة و الكبت سيزداد (جاء في الأخبار: مستشفى خرطومي واحد استقبل 718 محاولة انتحار بالصبغة في أقل من سنة )سودانيزأونلاين/12/2011) أما التخلف عن ركب الإنسانية فهو لا شك فيه ، فسينتج الأعداء الصواريخ الذكية و القنابل الذكية و الطائرات المتطورة و الاقتصاد المزدهر و كل ما يسعد إنسانهم ، و نحن سنظل نسأل شيخ فلان عن أكل الثوم في الخلاء و الرقاد على أي جنب و قربة الفساء ، و إذا ظل شيخ فلان و شيخ علان هم قادة الرأي في بلادنا فربما تنقرض مجتمعاتنا ….