اللهجة السودانية وصراع الأسافير

هناك من زعم أن ما أوردته فى أضابير الانترنت وزودي عن من لا مثيل لهم ولا قرين، حافل بالشطط، ويشوبه التناقض، ويعوزه البحث والدليل، رغم أن جل ما أوردته كان مترعاً بالشواهد والبينات، ولم يكن يمت للتناقض بصلة، أو يصل إليها بسبب، فقد زعمت في مقال لي أن لهجة المرء تاريخه وذاته، والغض منها غض منه، والاستخفاف بها استخفاف به، ولا يرضى الضعة والصغار إلا مهين أو عاجز كما قال أحد الأدباء، وأنا أيها السادة لم أكن أنثر عليكم دموع الخنساء، أو أشنف مسامعكم بتشاؤم أبى العلاء، ولكن أحكي عن أمة يعتقد البعض أن ليس لها جاه عريض، أو نسب عريق، أو علم وثيق، حتى لا تُضام ناصيتُها، فللغير أن يعفّر خدها بالتراب، ويستبيح ذمارها عبر الفضائيات وأضابير الانترنت، هذه اللهجة التى جعلت من أمة متعددة الأعراق، متباينة السحنات والعادات، أسرة متماسكة البناء، متضامنة الأعضاء، تُختزل فى عبارات مبتذلة، لتدفع عن الحياة الرتابة، وعن النفوس الملالة، ووتتقاذفها أفواه رجرجة الخليج ودهمائهم، أصحاب الأخلاق المنحلة، والأحلام المختلة، الذين يصلون نسبهم بالفن ويستظلون تحت أفيائه، طغمة السوء التي سخرت اللهجة السودانية للتسلية ولتزجية الوقت، والتي جعلت من السوداني الذي أربى على الأكفاء، وتميز عن النظراء، خاملاً لا يضاهيه أحد فى الميل الي الدعة والراحة، و متبطلاً يزجى فراغة بالنوم و مسامرة الأصفياء، وعليه فأن دوحة الكسل فى أرض النيلين فينانة الأفرع، ريا الأماليد، السودانى الذي إذا أراد البعض وصفه بكليمات يلقيها فى عجل لم يحيد عن سخاء تفيض به الموائد، وعلم تزخر به المنابر، وبشاشة تفتر بها الشفاه، نعم أيها السادة السوداني أحمى للجار، وأذبّ عن الذمار، فمتى ترتفع أغطية القلوب، وتنكشف حجب الأسماع.
انني حينما كتبت ما خطه يراعي لم أكن أهرف بما لا أعي، وإنما صدحت بها واضحة جلية، لا التواء فيها، بأن هناك بدع تمضغها بعض الأفواه فى سماجة، وتجترها بعض العقول فى غباء، بأن أمة النيلين لا تشارك فى رأي، ولا تحفل بحادث، بل هى مصفدة بأغلال الونى، ومقيدة بسلاسل الخمول، وأن اللهجة السودانية الغنية بالألفاظ، والحافلة بالتعابير والمرادفات، ولا غرو فى ذلك فهي نبعت من يم عظيم، وبحر زاخر، قد تضائلت وتقهقرت وأمست تعانى من الفقر والجدب، ولم يبقى من فضائها الرحب، وجيشها اللجب، سوى (( يا زول وآآآى، وشيء من كدة كدة يا الترلة))، تستخدم للتخفيف من وطأة الخسارة الفادحة التي مُنِيت بها مملكة علوة وسلطنة سنار، ومأوى المهدي ودينار، وملاذ أوشيك وزنقار، كيف لأمة لا تنفض عنها غبار الخمول، ولا تمسح عن أجفانها فتور الوسن، تحقق فى نوادر المخطوطات، وتنقب عن نفائس المطبوعات، وتحذق أصول التحقيق، وتمتلك فيالق من جهابذة العلماء، يُرجع إليهم في الملمات،ويؤخذ برأيهم في المعضلات، ويُلهِم عندلبيهم الغواني فى الحفلات، ويدبج كاتبهم الصحف بالقصص والمقالات.
لا،لم يكن في مقالي تناقض، ولا في ألفاظي شطط أو جنوح، كما انني يا أخ اليمن لا أرفع شعار تمزق وفرقة، ولا صاحب دعوة تعصب واستعلاء، فالحديث حق مباح للبشر، وكذلك اختيار اللهجة واللغة، فمن تحدث باللهجة السودانية لا يعني هذا أن مصرعه قد آن، وأن حتفه قد حان، وأن جثته سوف تتكفل الخيل بجرها لترمى بالجنادل والصخور، لا أيها العزيز، وحتى ننصرف عن حومة الجدال أن لفظة زول لا تطلق هكذا على عواهنها، بل تعد أهانة لا تغتفر إذا كنت تعلم شخصية من تخاطبه، فأنت إن دعوته بها فكأنك تعمدت تجريده من أسمه وألحقته بالغرباء ممن لا تأمن بوائقهم، أنا على الصعيد الشخصي أمقت أي أحد يتعمد أن يتغاضى عن أسمي وينعتنى بهذه الصفة، لا أريد أن أنجرف عن جادة السبيل، ولكن أعتقد أن الجوهر في تقييم أو قبول غيري للتحدث بلهجتي هو الكيفية التى يتناول بها المفردات والألفاظ، فحتماً لا تنطلى عليك لهجة المستهزء العابث بموروثاتك، وبين الخِل المُحب الذي يتودد اليك بلهجتك، أما ما يشعرني بالضجر والغيظ أن يمازحك أحدهم وأنت تراه لأول وهلة بهذه الجوقة من المفردات الخلابة التى تعكر صفو الحصيف على شاكلة :(( يا زول، دقيقة يا زول، والله بالغت عديل كده، عايزين ملاح أم رقيقة يا زول، أنا يا الحبيب وين قالولي سافر)) ثم بعد هذه الديباجة الرائعة من التعابير الممجوجة، يسألك عن ضالته التى ينشدها، مثل هذا الصنف من الناس تراه فى كل صقع وواد، ولقد حدث معي هذا الشى قرابة ترليون مرة وأنا أسعى فى دهاليز الغربة وأضطرب بين أرجائها.
الأخ أحمد البحرينى، وصفت مقالي “السوداني مادة خصبة للتهكم” بأنه يوثق عُرى الضغائن بين الأشقاء، وبأني مهوناً بقاطني الخليج أشد التهوين، ومستخفاً بهم أشد الاستخفاف، صدقنى أنا أبعد الناس عن الاساءة إلي العرب أو الازورار عنهم، ولست بصاحب دعوة تحمل فى أطوائها معانى الاستخفاف، أو الرغبة في الانسلاخ عن اللسان والثقافة، فاللغة العربية هى جزء من حياتنا، ومقوم لوحدتنا فى السودان، ما قصدتهم فى مقالي السابق هؤلاء القوم الذين فتنتهم الدنيا وركنوا إليها، وغدوا يزمون بأنوفهم، ويستكبرون بألسنتهم، ويحصدون من الملايين التى رفعتهم من حضيض، وداوتهم من جهل، ذهباً يكتنز، وقصوراً تُشاد، هم طائفة المهرجين الذين يلتئم بهم شمل الناس عبر الفضائيات ويعدونهم من أيقونات الجذل، وقلائد الابتهاج، هذه الأيقونات لها عقيدة ثابتة كأنها سُنة كونية ماضية، أن الضحك والفرفشة لا تكتمل إلا بالسخرية من وطن متسع الأرجاء، ممزق الأحشاء، أخي البحريني فيما الخلاف؟ وعلاما الجدل؟، فتعدي أصحاب الهوى الطاغي، والعشق المضني، على اللهجة السودانية التي تسرب إليها كل لحن، وشابتها كل عجمة، لا تتعارض فيه الأراء، أو تصطرع حوله الحجج، كما أنني أبتدرت مقالي بقولي:(( فسجية بعض العرب)) ولم أقل كل العرب من قاطني الخليج، فبعض هذه تبرئنى من الغلو والشطط،كما أنني أيها الكاتب المتبسط فى فنون اليراع، قد بسطت لك الأمثلة والشواهد على أشياء حدثت معى ولم أجلبها من نتاف الكتب، أو خطفات الأحاديث، فمقالي السابق دونته بعد سلسلة طويلة من حالات الغبن التي لا يتسع المجال لذكرها.
وختاماً السبب الذي حدا بك للرد علينا دافعه الغضب للعشيرة، واظهار المحبة للأهل، وهو نفس السبب الذي دفعك للكتابة إلينا
الطيب النقر
[email][email protected][/email]
أحسنت ..
اصبت كبد الحقيقة من المسكوت عنه ومما يحدث للسودانيين فى دول الخليج… وهو اهون مما يحدث للزول فى دولة اولاد بمبة…
والنقد الذاتى ايضا مطلوب …. فنحن السودانيين نتفلسف كثيرا فى الكلام وهذه حقيقة ,,,, ومن غير عمد منا نشوه لهجتنا السمحة الواضحة وضربا للمثل استخدامنا لحرف الياء بكثرة ( قلتليك ,,, اجيبليك…الخ) وهذا لعمرى ليس من لهجتنا الاصلية البسيطة…. وانما كثر استخدامه فى فترة من الفترات تقليدا من اهل الهامش والريف لاهل الحظوة والمثقفاتية فى الخرطوم
وثانى الكبائر هو تقليد كثير من السودانيين للاخر وخصوصا الخليجيين والمصريين وما يحتويه هذا من اعتراف بدونية اللهجة وفقدان للهوية
مقال جميل جدا.. لو في عشرة امثالك ويكتبون في الصحف السودانية فقط.. نحن نريد كتاب وكتابات مثل هذه.
كلمة زول تستعمل في الخليج مثلها مثل كلمة صديق اللي تقال للاسيويين.. وبالذات يستعملها اليمنية واليمنية المتسعودييين والذين يحلموا جنسيات بلدان خليجية أخرى. وبالبدون وقبائل الحدود في الخليج.. والأغرب صارت تنطق باستخفاف اكثر هكذا بدون ياء النداء(زول) على شاكلة قناة (زول).. والغريب أنه عندما يناديك بكلمة زول كأنه يعرفك.. وعندما يكون جنبك شخص من جنسيتة تانية لا يعرف اسمه فيطلق عليه اسمه محمد أو عبد الله.. هي طبعاً فيها نوع من الاستهزاء والاستخفاف والترفع
فالسوداني يستحق كل هذا في الخليج.. لسبب واحد لأنه الاخلاص والوفاء والأمانة والصدق والشفافية والرجولة ورغم طيب هذه الصفات إلا أنها دائماً في الخليج ملتصقة بالساذج والطيب. فبادلوه الوفاء بالاستهزاء والاستخفاف انا بشفق على السسودانيين في سذاجتهم.. إذا أردت أن تعيش في الخليج فجيب عليك أن تكون (قذر) تعمل أي شيء من أجل اي شيء.
وبعدين كل هذا اسمهم فيه السودانيين انفسهم والحروب والمشاكل وشعور البعض بالدونية. وناس كثيرين يفرحون ويدردقوا في الواطة فرحا من كلمة زول امثال(الحبش الارتيرين والسوماليين والتشاديين) فديل لو في الخليج قالوا ليه يا زول يطير فرحا ويرقص طرباً.. فهؤلاء ادوا انطباع لاهل الخليج وللجياع من الجنسيات العربية انطباع عن حب السوداني لكلمة (زول)
بعدين غير كدا حتى لهجتنا في الخليج لهجات متعددة فيها واحد يتكلم عربي مكسر غير اللهجة السودانية المعروفة مكسر وواحد قلب الهاء حاء وغيرها فهذه هما بيعتبرونها اشياء دخيلة على العربي وعلى العروبة.
وغير كدا لان شعب الخليج بيشعر بالدونية اصلا وبالاستخفاف من الجنسيات التانية الشوام اللبنانيين والمصرييين فهم يتهكمون به وبجهلهم.. لذلك لن يجدوا متنفس إلا في الشخصية السودانية حتى اليمنية الذين قال عنهم القذافي أن علي عبد الله صالح اعظم زعيم عربي بحكمه لملايين الجهلاء.. يستخفون من الشخصية السودانية والغريب أن ذلك حصل بعد الثورة التعليمية التي ساهم فيها المعلم السوداني في اليمن.. سبحان الله.
فلو مسكنا مثلا اللي بيمثل في برنامج طاش السعودي الذي يستخف بالشخصية السودانية وكلمة (آآآآي وداير شنو) ينطقها ويقولها بطريقة مقزز هو ليس بسعودي الاصل وإنما من البدون ويقال أن اصله يمني ويعرف كثير من الناس. حتى في مسلسله تناول كل الشخصيات العربية إلا اليمنية لم يقربها ولو من باب تمجيدها. وغيره كثر من الممثلين الذين هم في الاصل منبوذون في المجتمع باعتبارهم دخلاء لذلك تغلغلوا داخل المجتمعات الرافضة لهم بهذه الضحكات المكتسبة عنوه وهم في دواخلهم مقهورون.
انا أرى أن في الخليج مقولة واعتراف مبطن بأن السودانيين لامانتهم تجدهم (محاسبين ومناديب مبيعات ومحاسبين صناديق وكاشيرات) وهذه مدح اريد به الذم.. وهذا ليس استخفاف بهذه المهن فالذين يعلمون في هذه المهن بدون ادنى شك اناس متعلمون.. ولكن الذي لا ارى له اعتراف هو مهنة التدريس فالمعلم السوداني ساهم ووضع لبنات التعليم.. فالسوداني اكثر شيء يفتخر به وبشدة أنه ساهم في محي امية الناطقين بالعربية ولذلك لا تجد لهم اعتراف علني وواضح في هذه المهنة. وغير المهن الثانية الاطباء والمهندسين والاستشاريين والدكاترة الاكاديميين.
أنا شخصيا رغم عدم امتهاني للتدريس ولكن اذكر بها كل خليجي أن المعلم السوداني ساهم في وضع اللبنان العلمية والثقافية والادبية والاكاديمية لهذه اللفئات حتى خرجت من الظلمات إلى النور. ومعه معلمون من دول عربية. ولكنه كان هو الاوفى والاجدر والمتفاني لذلك صلحت العجينة والاستواء.
بعدين ثاني حاجة لعهد قريب الخليج كان لا يفهم مثلا اللهجات اللبنانية والسورية.. ولكن استطاعوا فرض لهجتهم بالدراما في شاكلة مسلسلات (صبايا) وبنات حلوات وعرفوا المدخل بنسائهم وحريمهم والصبايا اللائي يرتدين ملابس البحر وجذبوهم بالغناء وجلب الصبايا وبنات الليل ودا بيعتبر وضاعة وندالة وخيابة وعدم رجولة وهم لا يستعرون من هذه المصطلحات. والسياحة كل هذا ساهم في تثبيت اللهجة في آذان الخليجي.
ثاني حاجة أن مثلا ارى أن اللهجة المغربية تشبه تماما اللهجة التونسية.. ولكن لانطواء الاعلام المغربي ولجراءة الاعلام التونسي وتسلطهم على الاعلام الخليجي بدءاً بالقنوات الرياضية وانتهاء بالقنوات السياسية رسخ اللهجة التونسية نوعا ما في الخليج.
لذلك أن بقول أن الذي رسخ مفهوم الاستهزاء باللهجة السودانية هم السودانيين انفسهم وبالذات اللي في الخليج وأنا منهم صرنا لا نقول ولا نتحدث بمصطلحات مثل (آآآآي وداير شنو وكل المصطلحات الجملية) فاستبدلناها بكلمة نعم وأوكي والسيارة ) وصار تصدرنا بعضنا هنا اللهجة البلد بطريقةمقززة انا شخصيا مرة شاهدت واحد سوداني في عزاء بتكلم مع آخر سوداني بالتلفون والله كانهم اهل البلد.. والله حاجة تضحكك راجل تعليم قدر حاله ويتحدث الناس به في المجلس بأنه راس ماله مليون وعنده كذا وعنده كذا.. والله انا شخصيا اشفقت عليه وترحمت على الشخصية السودانية.
يا استاذ في النهاية كل الكلام اللي بيحصل وحاصل دا ساهمت فيه الشخصية السودانية نفسها.. لانها صارت تخجل من لهجتها ومن مصطلحاتها وصارت تقبل باي وضع وغير كدا اللي حاصل داخل السودان وتقديم السودانيين انفسهم لأهل البلدان بطرق شليلات وقبائل وجميعات والحروب اللي حاصلة في البلد.
وبعدين غير كدا اللي طلع من داره قل مقداره.. وغير كدا عنطزة بعض اهل البلدان وعدم خروجهم للدنيا لكي يعرفوا حقيقتهم مظبوط.
واسف للونسة الطويلة دي.. معليش لانو الدنيا رمضان
كلام في السلك وكلام صحيح وواقعي