طلح، طلح، طلح: حين يكون الشعر “منفستو” للسياسة

حين رن جرس الشقة بطريقة عجولة وكنت استعد للذهاب للعمل
تضايقت للحظة ثم رفعت سماعة الباب لاعرف من؟ البوستة
انفرجت اسارير وجهى فالبوسته المسجلة خاصة فى الصباح غالبا ما تعنى ان في طياتها كتابا لي خاصة وانى موعودة بعدد من الكتب والمخطوطات, ايهما يا ترى سا لتهم اليوم؟
قبل ان امضى اسمى على الجهز الالكترونى انى فعلا قمت بالاستلام قمت بفتح المظروف امام الشاب موظف البوسته, ابتسم منتظرا واحسست بالحرج ولم يتح لى ان اكمل اعتذاري فهو رسول الحمام الزاجل, مضى متمنيا لي يوما طيبا مع الكتاب, تمنيت له مثلها ودلفت اكمل استعداداتي للعمل.

جلست في الترام وكنت ممسكة (من تحت ركام الظل المحروق) للشاعر السودانى مجاهد عيسى آدم, كنت قد قرأت له بعض النصوص المتفرقة وشدت خيوط تفكيري وشجوني الا ان العنقاء التي نهضت من تحت ركام الظل المحروق كانت غير…الشعر.. الكتابة ليست كلمات منمقه ومرصوصة لتجميل الواقع.. عكس الواقع بلغة شاعرية لها القدرة على تأجيج نيران الوعى….فمن اول نص عرفت بأنى سأتورط في صمغ النصوص وانه من الافضل تركها لحين اعود الى البيت حيث لا يقطع تسلسل قراءاتي وطقوسي شيء من ضجيج الحياة الخارجية حين الوذ في غرفتي وصومعة وحدتي التي احب. ولكن هيهات
….ضوء البنادق او زئير الفاتحين)
و
(والحور لسن سوى بنات السذج الشهداء

ثم عرجت على الشارع, شارع الطفولة وايام الصبا الاولى, وتبسمت ورؤى فكرة الطلح وبائعي الرغبة يتصايحون ( طلح طلح طلح)… هل … ليس هل الآن ايتها القلقة قلت لنفسي واستمريت في القراءة
تلك القطة.. القطة الاليفة كانت تلعب قربى..
(والطفل منهمك يقضى حاجته والقطة تشغله عن اتمام اللحظة في اطمئنان)…

كان وجهى يتفصد بالوجع احيانا وبالابتسام مرات
في الخاطر
ثم في قبر ينمو, و(القبانتيت) يشعل ثورته في لساني
وصوت سائق الترام يخطرنا بانا وصلنا المحطة الاخيرة وعلينا المغادرة… كيف؟ انها ليست المحطة الاخيرة, ليس هناك محطة اخيرة ابدا, فالترام ذاته سيعود من ذات الطريق تدندن عجلاته بتفاصيل الرائحين والمغادرات… ادخلت الكتاب في شنطتى بين دفتي كتابين آخرين كنت قد قمت باستلافهم من احدى المكتبات التي اشترك فيها في فيينا… طيلة النهار الذى بدا لي طويلا وانا اطوى في دقائقه السلحفية لأعود الى البيت لأواصل ما انقطع…. كنت نهارها مسئولة عن كل تفاصيل المكتب, الاتصالات وكل القضايا العالقة… يرن التلفون و (شجيرات العرديب السمراء) تغازل ذاكرتي… العرديب الذى ارتبط في ذاكرتي بالملاريا… وبعض عصاير رمضان
منذ امد بعيد وهذه (الضهارى) تسند ظهر كوستي حيث قلت للتنوع سلام
و…. مساء عدت الى البيت… الجمعة كان يوما للراحة من العمل بهدف ان تكون لي ثلاثة ايام لأنجز ما اريد… بعض المجاملات والزيارات وما زلت تحت ركام الظل يداهمني المخاض بشكل اعنف
قالت لي كاتبة من جامايكا كنت قد التقيتها في مؤتمر غانا في مايو المنصرم وكنت احاورها عن الكتابة وشجونها
انها (ولادة…. الطفل الذى يتخلق لابد له من الخروج… من رحم الكتابة)… واقول كذلك القراءة… احسست بالظل يكبس على رحمي, احسست بانه سيقع منى في شارع فيناوى عام… قلت فليكن, سوف اتصالح مع ذلك .. حتما ستعادل مراراته حروب عاشتها النمسا قبل زمن بعيد… ولكنها نهضت من ركام ظل الماضي وعمرت انسانها…
الانسان هنا هو القيمة الحقيقة للتنمية… هو جسد الفنون الحرة المدعومة من الدولة
فليقع رحمى وقلبى…. فالمجموعة الشعرية لمجاهد آدم هى منفستو سياسي… منفستو سياسي بكل ما تحمل الكلمة من محمول ومعانى… فالفنون ليست لأجل الفنون وكذلك الشعر كإحدى اهم واحن ضروبه لي

ثم ليلة امس وتماما عند منتصف الليل وقد حانت مواعيد النوم, لابد ان اقرأ حتى يغزل النوم من قلقي طمأنينة له.. بدأت اقرأ في رسائل كنفاني, احسست سوف اصحو للصباح ولكن لابد من النوم حتى لا يصيبني الارهاق لبقية ايام الاسبوع في العمل…لم انم بالطبع, اطفأت نور العولمة واشعلت فوانيس من هناك وهناك.. فانوس كنفاني, مطر يافا.. جنون صبابتي بغسان وشهواتي الصغيرة والصبية ان اجد رجلا مثله.. رجل يتستق فيه الحلم والحقيقة… رجال تحت الشمس… وركام تحت الظل و….. وتقلبت كثيرا في سريري وصوت درويش يهدهدنى لأنام
(لا شىء يوجعنني في سريري سوى الكون)… نمت لأصحو على صوت قمرية اعتادت على صحوي على حبال صوتها, تفعل

منذ ثمانية سنوات هي عمر ايامى في هذا البيت… بيتي.. بيت القراءات الاليفة.
وانهال الركام.. انهالت شجرة العرديب السمراء بالبكاء من عيوني… سالتها بدهشة.. هل بقى في هذه المآقي دموع؟
(وكنا نتساوى كفصوص العرديب)
كان التيس هنا…(لكننا لا ننكر حق التيس بان بعشق انثاه جهارا
ان يتشارك معنا الماء والعشب….)
ثم كان نص السقوط ونصا آخرا التنازلات… المنفستو السياسي.. من قال ان الشعر يكن شعرا بلا صوت تلك الأفئدة البعيدة… وماهي السياسة سوى صوت الشعر للحق والعدل والجمال
الشعر ليس فنتازيا… انه يجعل الجماجم تٌزهر في ليالي النحاس… نحاس الحرب
محكمة… عادلة ناجزة..
تحقيق… ضوء ينجز في وعى تواريخ الالم والامل
بينهما تضئ ابتسامة… ابتسامة شاعر الوادي الوسيم من ابتسامة محمود
وضوء يسيل من شمعات الاجابات الحارقة… اجابات لنفى الاسئلة التي تنفى الانسان… انسان السودان..
(ما اسمك؟
سوداني
ما جنسك؟)
(سوداني صفعني بقوة لا اعلم أين ! لكنى اتحسس أنين المكان؟.

اتحسس انين المكان… كل الارض لنا… للإنسان..
المكان؟ كتلة قلبي التي يخترقها ضوء الاسئلة
وعيون صبى سقتني كؤوس الاسئلة الحنظل وصوت في المواصلات العامة فى عاصمة الخصخصة والانقلابات يأمره بالنزول للتأكد من الهوية… لا تسألني, اسأل فقط هوية السلطة وتوزيع الثروة
لا تسألني… فلا جنسية لي ولأشهاده ميلاد..
لا وجهة ولا وطن… ما هو الوطن يا صبى قلبي؟ وطن الجدود؟
وينتزعني المنفستو السياسي…. منفستو الشعر الخارج من جوف الناس:

(أين تسكن؟ معتقل رقم 5
قبلها ملجأ رقم 2
وقبلها. معتقل معتقل ملجأ 72, معتقل 60 )

وكان رماد القرية ينهال علىّ… قلبي يوجعني.. قلبي عصفور مزعوط الريش, مبلول بعواصف السلطة وآبار البترول… وبيوت من خيش وكرتون ترمقني بألم..
قبور لرجال)
لا لون لهم لا وجه
لكن مكتوب على قبورهم سودانيون)
و…
على الصفحة الاخيرة بدأت امطار الدموع… هذه البلاد أوجعتني … اموت ببطء
والشعر يحييني

(وكل عام تحرق الف حبيبة
والف عصفور يموت)

وكل عام.
كل شهر
كل يوم
كل دقيقة
كل ثانية

من (تحت ركام الظل المحروق) انهض… عنقاء الشعر حبيببي
الشعر معادلا لمرارة الواقع..
لذعات على الوعى.. على الوجدان.. على الامكنة…

ونهارات حريق الاسئلة… نهارات الزلزلة يا وطن الجدود!!

اشراقه مصطفى حامد
فيينا _ من نهارات وجع الروح

تعليق واحد

  1. اشراقة دي يا جماعة بتنا من كوستي .. ابداع وعلم واديبة موهوبة جداً معروفة في الوسط الادبي الاوروبي وترجمت كتبها ودواوينها الشعرية للغات عدة حول العالم .. الله يوفقك يا رب

  2. اسع انا قريت ليك قلت موضوعك عن الطلح وانت بنت وعارفه عادة السودانين لما يشمون الطلح عارفين بعده سوف يحصل شي وقلت البنت دي واضحة او متحررة لكن الحمدلله خذلتيني وطلع كلامك ممتاز

  3. لاول مره اقرأ للكاتبه اشراقه وحقيقه ادهشنى المقال والاسلوب الذى يثير كل الشجون للوطن شكرا ايتها الراقيه المشحونه بعواطف الوطن الجياشه تسلمى

  4. ماشاء الله عليك إشراقة كتابتك فعلا تستحق الإشادة بها وأنا لأول مرة أقرأ لك ونتوقع ونتمنى منك المزيد ونسأل الله لك التوفيق سودانية أصيلة بكل ما تحمل الكلمة من معنى …..

  5. الطلح وبانعي الرغبة والعرديب والملاريات وتعيس يمارس العشق ودغدغة مشاعر محبوبته علي ايقاع حركات رجليه الامامية واصوات لبلبة حميمة تسافر بعنزته الي عوالم اخري والسكن بين الملاجئ والمعتقلات يا ابنه السودان الابية كم هو رائع التنقل بين مفردات ابداعك ايتها الاشراقه الكوستية او الكوستاوية المدينه المسكونه بالعشق والجمال شكرا لك وامل ان يتواصل ابداعك

  6. اشراقة مصطفي، امراة قامة
    شايلة الوطن احزان وشوق
    يابت يازوق
    ارمي التعب
    شري القلب في الضي بطيب
    ينسي الوجع
    وناي الحبيب
    برق ملان خير مابيخيب
    ودايما شروقك هو البجيب
    بت الهنا
    بت المنا
    بت عشه واختا لي مني
    نضمك سمح يابتنا
    راجي الكريم
    اغشاك نسيم
    ترجع صباحات الهنا
    واختاك يا طيبة الوجع
    وليل الضني

  7. الشاعر الشاب مجاهد عيسى ادم .. دارفوري عاش وترعرع في نيالا بين شوارعها وازقتها الى ان اجبرته ظروف التضييق السياسي والمعيشي الى ترك السودان والهيام بوجهه في اراضي الدياسبورا ..

  8. اصدارة من تحت ركام الظل المحروق للشاعر مجاهد عيسى ادم الان متوفرة بالخرطوم في المكتبات الاتية :
    1- مكتبة الزيتونة (بجوار مكتبة المصوارات)
    2- مكتبة المصورات
    3- مكتبة مروى
    4- مكتبة دار الوعد فى ام درمان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..