صحف.. إبراهيم.. وموسى ..!

لكل زمانٍ قرطاس ٌ و أقلام.. مثلما للدول رجالٌ في كل زمان ..!
الراحل الأستاذ عمر الحاج موسى وزير الإعلام في عهد مايو.. كان صاحب تعبيرات عميقة وساخرة..فلديه عبارة كتبها في لافته وضعها عند مكتبته الضخمة ..والتي تقول ..
( أحمقان مُعيرُ كتابٍ ومُعيده )
ففي ذلك الزمان من السبعينيات كانت هنالك فقط صحيفتان كبريان تابعتان للإتحاد الإشتراكي السوداني ..في إحدى مراحل تداول السلطة الدورية فيهما ..تولى رئاسة تحرير الصحافة الأستاذ / موسى المبارك الحسن .. بينما ترأس تحرير الأيام الأستاذ/ إبراهيم عبد القيوم ..فأطلق عليهما عمر الحاج موسى قولته المشهورة ..
(صحف إبراهيم.. وموسى )!

كانت أقلامٌ كثيرة ٌ من المتعاونين والمثقفين والسياسيين والمفكرين وقتها على درجة من الشجاعة التعبيرية رغم تبعية الصحافة للتنظيم السياسي الوحيد .. حتى أن بعض المسئؤلين في الدولة أحياناً يعتبون على الصحفيين الرسمين في عدم مجاراة أولئك النفر في إنتقاد مؤسسات الحكم بغرض التقويم حتى تصبح الصحافة صانعة معها للحدث أو استشرافه على الأقل ، وكان كبار الأساتذة الذين يتعاطون الكتابة من داخل مؤسسات الصحف يردون ..بأن ذلك يتطلب أن تعطي الصحافة حريتها وتطلق يديها وسترى أنها لن تبقى شيئاً من النقد و قولة الحق إن جار الحاكم !
في ثورة شعبان 73 ضد زيادة سعر السكر .. خرج الشارع مندداً بالقرار .. فكتب الأستاذ الفاتح التجاني رئيس تحرير الأيام في إفتتاحية الصفحة الأولى مقالاً منحازاً لمطالب الجماهير الثائرة ، وحينما وبخه السيد بدر الدين سليمان مساعد الأمين العام للإتحاد الإشتراكي بايعاز من نميري وطلب منه التراجع بمقال مضاد .. كتب له الرد ولكنه كان استقالته ، إنصياعاً لضميره الذي أملى عليه عدم التراجع!
في إحدى المرات ، كتب الدكتور جعفر محمد على بخيت .. أمين لجنة الفكر والمنهجية وهي المسئؤلة عن قطاع الصحافة بالحزب الحاكم ، وشن هجوماً عنيفاً على صحف الدولة واتهمها بالقصور في تأدية واجبها بأمانة وحيادية وأنها فقط ظلت تحرق البخور للسلطة !
فتصدى له الأستاذ / رحمي سليمان وكان نائباً لرئيس تحرير الأيام الرسمية .. وقال له بالحرف الواحد و بالخط العريض في صفحة كاملة ..!
( نحن كالذي أُلقيتم به في اليم مكتوفاً وقلتم له إياك إياك أن تبتل بالماء )
ثم وضع رحمي قلمه واتجه ليكتب من منازلهم حتى إنتكى قلمه بعد رحيله على حائط الذكرى مرفوع الرأس ولم ينثنى أو ينتكي ساجداً يدلق حبره من أجل راتب سلطان !
كانت الصحف حينذاك مدارس لمساجلات السياسيين والمثقفين والكتاب والعلماء والشعراء..!
عايشنا ..مناظرات الأساتذة عمر مصطفى المكي وصلاح أحمد ابراهيم .. والدكتور عبد الله الطيب مع الشاعر أبو آمنة حامد .. فكانت فصولاً مفتوحة لكل من يريد أن يتشرب لبانة الكلمة والبلاغة والإفحام !
فعلاً هو زمانٌ .. ذهب بأقلامه.. وصحفه..حيث كانوا هم من غطى لنا مساحات الفضاء الإسفيري قبل أن يطل علينا من نوافذ كل السموات وبات شغلنا الشاغل خلف مفاتيح الحواسيب التي استعبدت الأنامل وملكت العقول ، ورغم أنها وسّعت الآفاق وجلبت لنا العالم عند عقلات الأصابع ..لكن يظل الحنين لمقالات الأمس الورقية الدسمة ، ولخير جليسٍ في الزمان..هو ما يملك الأرواح حقاً !
وأه يازمان ..!

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. أين هي أسماء العمالقة التي ذكرتها يا أستاذنا من أقزام اليوم، تخيل حالنا ونحن نطالع كتابات الهندي وتيتاوي والبلال واسحق فضل الله والظافر والضو بلال وراشد عبد الرحيم وسيف الدين بشير وغيرهم من الناعقين والمنافقين ، حينما ترى صورة أو مقالة لأحدهم تصاب بالغثيان ويرتفع ضغطك وتكاد مرارتك تنفقع وتصاب بأمهلاهلا ولا تعود لطبيعتك إلا بتمزيق الصحيفة والبصق على صفحاتها أو على وجه من سبب أذيتك ،،، والله يا برقاوي لولا التعويض والعزاء الذي نجده على صفحات هذه الراكوبة لتركنا قراءة الصحف إلى الأبد ولاستعضنا عنها بكباية شاي أو فنجان قهوة أو حتى سفة سعوط

  2. اعتقد و الله اعلم انه لا ينبغي الاقتباس من ءايات الذكر الحكيم بهذه الصورة (صحف إبراهيم.. وموسى )

  3. اين انت ايها الحبيب
    تحياتي استاذ برقاوي
    سافرت بنا بآلة زمانك العجيبة للزمن الجميل المرتب الذي كان فيه اليوم فعلا 24 ساعة .
    الحضور من العمل والنومة وصينية الغداء التي تلم الاسرة و التمرين وشاي المغرب والسينما
    خليتك لي الله يا برقاوي

  4. يا المشتهى الكمونيه .. ازيدك كمان وكمان..والله لو سمعت الثلاثه ألأخيرين من الصحفيين ممن ذكرتهم وهم يتحدثون .. ويصرون على استخدام لغة الضاد.. ” يا رحمن يارحيم..” بينهم وبين الخليل وسيبويه ما صنع الحدّاد.. عداء مستحكم وعلى ألأخص مع مواقع “كسر همزة أن”
    وما تنسى التلفزيونيين .. مقدمى البرامج ومذيعات ألأخبار على “الفضا القنائيه” على غرار زلة لسان المرحوم “محمد صالح خوجلين” رحمة الله عليه فى اعلى عليين.

  5. أخي أستمتع بكتاباتك ولي أن أستاذنك أن تكتب لنا عن مشروع كهرباء ام دباكر بمدينه ربك وأفيدك علمآ بأننا خدمنا فيه منذ النشأة والآن رأي المشروع النور وتم أقصاءنا تمامآ وأتو بجيوش لا نعلمهم من أين وتم توظيفهم فهي أخي برقاوي مظلمتنا فرجاءنا فيك كبير ونفيدك بكل كبيرة وصغيرة وننشد لك التوفيق

  6. ثم وضع رحمي قلمه واتجه ليكتب من منازلهم حتى إنتكى قلمه بعد رحيله على حائط الذكرى مرفوع الرأس ولم ينثنى أو ينتكي ساجداً يدلق حبره من أجل راتب سلطان !قلتها اه وانا ارددها يا جمال ذلك الزمان حكاية الكتابة من منازلهم ذكرتني بحكاية صحفي بل هو من كبار رؤساء التحرير في صحف تبادل المراكز اليوم حيث جلست مع ذلك الصحفي وهو يخط بقلمه مقالا وليس في هذه غرابة لكن الغرابة انه كان يحرر ما يكتبه باسم من يدفع له حدث هذا بل واكثر من مرة وفي مكان بعينه اذكره عل ذلك الصحفي الذي يدور من صحيفة الي اخرى متبوأ مقعد الترقي وقد علا الشيب راسه كان ذلك في سبعينات القرن الماضي وفي فندق كان يسمى بفندق اكسلسيور الذي كان ينافس فنادق بيروت في تقديم الخدمات ويا زمن وقف شوية الاستاذ البرقاوي اشكرك بإشارتك الي صاحب القلم المنمق والكلم الحلو الراحل المقيم عمر الحاج موسى صاحب من عدد مناقب علماء السودان ومفكريهم حتى كان له من براعة التمثيل ببنطال وزير خارجيتنا في تلكم الايام الدكتور منصور خالد حفظه الله

  7. أشكرك أستاذنا برقاوي على هذا المقال الجميل عن الزمن الجميل .. أيام كانت رائحة الورق تسكرك وأنت تشتري الجريدة من ّ(الكشك) ثم تتصفح المانشيتات وأنت واقف على الرصيف

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..