شيطنة (الإسلام السياسي) لمصلحة من؟ في العنصرية السياسية

شيطنة (الإسلام السياسي) لمصلحة من؟ (2/2)
في العنصرية السياسية
ساعتئذ، حينما يفصح المنادون بفصل الدين عن الدولة، بأن هذه الثنائية ليست إلا تعبيراً زائفاً عن وعي أجوف، حينها يصح الحوار معهم، ذلك لأن الدين لا يوضع أمام الدولة؛ ودعاة فصله، أكيد لا يقصدون تأسيس بنى الدولة ومؤسساتها بمعزل عن الدين، فكيف يمكن بناء مؤسسة القضاء مثلاً بعيداً عن عقيدة الأمة أو تراثها المقدس؟ إذن قد يقصدون (فصل) ولدىّ اعتراض على هذه السلطة؛ سلطة الفصل، فإنت طالما تملك أن تفصل أو تحدد فإنك تفعل ذلك بموجب إرادة القوة التي تملك، وهنا لا تصك آذاننا بالحديث عن الحرية والديمقراطية! أرجوك، طيب، قلت قد يكون مقصد المفاصلين للدين، أن يفصلوا الدين عن السياسة، لا عن الدولة، لتصبح الزوج (الدين/السياسة) وهذا أمر مردود عليه أيضاً، فالسياسة في قلب الظاهرة الاجتماعية وليست إلا تعبيراً عنها، (..فالسياسة لا يقوم تفسيرها على تحليل بنيتها اللفظية فقط، السياسي يقوم على تدشين جديد لوعي الناس، آراؤهم وطموحاتهم، والمعرفة السياسية لا يؤسسها ذلك الوعي فقط، بل ما يؤسس هذا الوعي نفسه من علاقات اجتماعية ومصالح طبقية) كما يقول المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه في كتابه (نقد العقل السياسي)، وهنا فإن مهرجان المدنية المسروقة الذي يريد دعاة العلمانية إقناعننا بأنهم ديمقراطيون/ومؤدبون/ومحاورون، فإنهم قبل ذلك عليهم أن يكفوا عن ممارسة العنصرية السياسية، إنهم لا يقفون أبداً إلا لوصم الآخر بأنه متخلف ورجعي وسطحي وإمعة، وأن هؤلاء المتدينين إن دخلوا السياسة قمعوكم بالتراث، وألزموا نساءكم الحبس، ومنعوا التفكير وصادروا إرادة الفكر والفرد، يفعلون ذلك دون أن يمنحوا المتهم فرصة الدفاع عن نفسه، بأن تجرب بضاعته ولو لـ(4) سنين، ويظلون يضربون على هذا الوتر، وتر التخلف والرجعية والاحتكام لفضاء تاريخي سابق، ولعبادة النصوص، إنها تجارة التخويف البائرة، والأدهى والأمر إنهم يفعلون الشيء ذاته، فماركس ولينين وقبلهم هيجل وكانط ومونتسيكو وديدرو حتى هابرماس وغيرهم وغيرهم، كل هؤلاء أيضاً ليسوا من فضائك المعرفي وليسوا أبناء تجربتك الاجتماعية، ولذا فالاستشهاد بهم أيضاً لا يقف إلا دليلاً على عبادتك للنصوص وللأسف نصوص لم تشارك في بنائها ولم تكن ضمن حاضنتها الاجتماعية.
وحدوتة (الدين/الدولة) قديمة جداً فقد شغلت العقل العربي منذ أن تفتح وعيه على الدولة باعتبارها جسما له مؤسساته والتي بدورها تقوم بوظائفها وفق رؤى وتحديدات، وليس الأمر فقط مسؤولية دينية روحية رسالية، فعلها العقل العربي بامتياز حينما انصرف همه إلى تولية الخليفة الراشد سيدنا أبي بكر الصديق وفق إرادة جماعية تفهم من دور النبوة بأنها تمهيد للأرض وتدشينُ للاستخلاف، فقد ماز الصديق رضي الله عنه ضد غيره أنه ما فتأ يتفهم طبيعة الوجود العربي حينها وما يعتريه من محدقات قاصمة، فبعض ضعاف الهمة فهموا أن الإرادة الإلهية ستتجسد فيهم فيخرجون ليعيدوا بناء الأمة من جديد، فعلها مسليمة الكذاب ورفقاؤه من أنصار (الوثنية) في السياسة، واستشهادات العلمانيين حول جذور اللادينية في السياسة العربية مردودة إلى قراءة مغلوطة لوقائع التاريخ، وفي نصوص القرآن تجد انتهازية العلماني حينما يستشهد بنص لا يملك له قداسة، ويفعل بها ما يؤسس لمشروعه، حينما يجتزئ النص من سياقه ويقول له (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا {سورة الجن/18} وهي آية (توحيد الإلوهية) طيب هذا نص مقدس لدى المتدين، ماذا تريد أنت أن تفعل بها، لا تحتمل تقديسها وتقوم بتوظيفها! أليس هذا عين دجل الجدل العلماني؟ وما تسير في طريقه تفسيراً واستشهاداً ليس إلا احتكاما غير منطقي وفيه من العور الكثير لأزمات حلت بالأمة في فترات الصدمة، فكتاب علي عبد الرازق الصادر في العشرينيات حول الدين والدولة والذي يعتبر نقطة مُركزة في جدال العلمنة للثقافة العربية، مجتزأ من سياقه التاريخي، فعمدتهم في فكرة فصل الدين عن الدولة، كتاب (الإسلام وأصول الحكم) لعلي عبد الرازق (1888- 1966م) والكتاب من عنوانه يستند إلى فكرة تأصيل الحكم من داخل الحظيرة الفقهية، وهو الصادر 1925م والصحيح أن الكتاب لم يقل أبداً في متنه إنه لا دولة في الإسلام، هذا افتئات وتغول غير حميد على نص الكتاب، بل أراد الشيخ الأزهري أن يقدم دفوعا اجتماعية حول انتقال السلطة العثمانية المركزية إلى ملك مصر ذلك الوقت، معلناً رفضه لأن يتولى الخديوي فؤاد وهو غير المصري الحكم باسم الخلافة المركزية للمسلمين، مكرساً بذلك حكما أجنبياً على المسلمين وعلى المصريين بالذات، ولا أدري لماذا لم يوضع كتاب (طبائع الاستبداد) لعبد الرحمن الكواكبي محل تقدير دعاة العلمنة مثل كتاب عبد الرازق! والحقيقة أنه قد تم تحوير ما أراده علي عبد الرازق في كتابه، والمعركة في غير معترك أصلاً، لأن الحديث عن الدين هكذا جملة واحدة في مقابل الدولة دون تعريف يكشف وهماً معرفياً قديماً وهو الارتكان للثنائية القيمية والتي من عيوبها أنها لا تمنح القياس إلا الانغلاق والدائرية..
إنها العنصرية السياسية التي يقول بها العلماني حينما يفرض على الجميع رؤيته الخاصة ويمنع عنهم التحرك في مساحة أخرى، هكذا فقط علينا التسليم برؤيته في إدارة الدولة؟ أيوجد معنى آخر للديكتاتورية السياسية والعنصرية الأيديولوجية غير تلك التي يبشر بها العلماني حينما يمنعنا من مزاولة مهنة الانتقال بالتراث؟ تراثنا إلى المعاصرة وإن فشلنا فأقله أننا أصيلون ولسنا مقلدين!.
[email][email protected][/email] الصحافة

تعليق واحد

  1. انت كتيار فكري و سياسي حقا متخلف ورجعي .. وان استلمت السلطة .. فستحولها الى دكتاتورية فاشية .. هل تظن الثقافة هى مصطلحات واسماء خواجات ؟ انت وحزبك ترفضون وتلعنون العلمانية .. ومع ذلك تزعمون قبول الديمقراطية !!! فما يجب عليك ان تفهمه ان الديمقراطية حتما علمانية .. فالديمقراطية ليست مجرد آلية ، كما تخادعون انفسكم .. الديمقراطية شريعة .. شريعة انسانية بديلة لجميع الشرائع الدينية بما فيها الشريعة الاسلامية .. تنتقدون العلمانية وتدعون الديمقراطية !! افيقوا يا هؤلاء .. الديمقراطية ليست اناء فارغ يمكن لمن شاء ان يملأه بما يشاء .. عليه فإن نقدكم للعلمانية فقط .. هو دليل واضح على جهلكم وافلاسكم .. جهلكم بمعنى العلمانية والديمقراطية .. وافلاس مشروعكم الاصلي (دولة الشريعة الاسلامية) .. وعلى من يغالط في ذلك ان يثبت لنا امكان وجود ديمقراطية ليست علمانية .. وليست متجاوزة للتشريعات الدينية الى علياء الحقوق الديمقراطية .. لكن الى الابد هيهات

  2. يا مسلم انا … 1/ راجع فهمك ..انا لم اتكلم عن فرض فكرة على احد .. اذا الناس اختاروا الجهالات التي في رأسك والآخرين .. مرحب .. 2/انا تحدثت عن معنى الديمقراطية وقلت انها علمانية فاصلة للدين عن الدولة .. وانها بديلة لجميع الشرائع الدينية .. هذه هى حقيقتها .. ثم بعد ذلك للناس حق قبولها او رفضها .. اليوم وغدا لن تسطيع نفي ذلك .. هلا حاولت 3/ والآن يا حضرة العالم .. اكرر لك ان الديمقراطية التي اياها تنتحلون ومن اجلها للنصوص تحرفون .. حتما علمانية فاصلة للدين عن الدولة .. واتحداك اليوم وغدا ان تثبت ان الديمقراطية آلية وليست شريعة .. او ان تثبت امكان وجود ديمقراطية ليست علمانية فاصلة للدين عن الدولة .. وانت حتما عاجز عن ذلك والى الابد 4/ انت غاضب فقط لأنك تريد الديمقراطية كفراغ تملأه انت بما تشاء وقتما تشاء وان تتلاعب حتى بالشريعة كما تشاء .. لذلك هذا التببين الصارم لمعنى الديمقراطية .. ازعجك .. وسيستمر .. الى ان تكفوا عن الانتحال و التحريف

  3. الاخ هيثم:

    1- أنت إفترضت أن أختيار الناس لمثل رأيي (الجهالات التي في رأسي) يتناقض مع مفهوم الديمقراطية من أساسه، وهذا إدعاء باطل تريد منه أن تربط الديمقراطية بما في رأسك أنت فقط وما دون ذلك (جهالات) في رؤوس الآخرين!

    2- هناك فرق كبير بين مفهوم الديمقراطية ومفهوم العلمانية، وصراحة أول مرة أجد شخص يخلط بينهما بطريقتك هذه ولا أعلم هل ذلك عن جهل منك أم نتيجة إفتراضك بجهل الآخرين؟

    عموماً (دون إستفزازات مثل يا سعادة العالم وغيره) أرجو أن تثبت لنا أنت أن الديمقراطية هي العلمانية إستناداً على المفاهيم المعروفة للمصطلحين والمرجعيات الفكرية لهما من مفكرين أو كتب وغيره، وأما إن كنت تتحدث عن تفسيراتك الخاصة بك عن المفهومين فحينها أقول لك بأنك أنت من تلوي عنق النصوص والمفاهيم المتعارف عليها وتفسرها حسب هواك ومزاجك ثم تنسبها بعد ذلك الى مدارس فكرية معروفة ولها مرجعياتها!!

    3- حسب إدعاؤك المشار اليه أعلاه بأن (الديمقراطية حتماً علمانية فاصلة للدين عن الدولة) فإن كبار مفكري ومنظري العلمانية لا يفهمون العلمانية وأنت فقط من تفهمها حيث أنهم كما ذكر قد قبلوا فرضية وجود الاجكام الدينية بقبول الناس في إطار الدولة العلمانية!!

    4- بناء على ما سبق، المطلوب منك أنت (وليس أنا) أن تثبت بأن الديمقراطية حتماً علمانية طالما أنك أتيت بهذا الاختراع المخالف حتى لرأي أعمدة الفكر العلماني.

    5- طريقتكم انتم في الحوار هي التي تمثل (الانتحال والتحريف)، فأنا عندما تحدثت عن علمانيتك أشرت الى مصادري من أسماء كبار مفكري العلمانية حتى تستطيع الرجوع الى أقوالهم والتأكد، ولكن بالمقابل فأنت تقوم بإطلاق الادعاءات الكاذبة وكأنها حقائق رغم أنها من أختراعك ولم تأتي بأي دليل أو مرجع عنها، وبعد ذلك تطالب الطرف الآخر بإثبات عدم صحة إدعاءاتك رغم أن العلمية تقتضي أن تثبتوا أنتم إدعاءاتكم الكاذبة هذه أولاً وبعد ذلك تطالبونا بنفيها.

    6- أنا لست بغاضب، وأنت لم تأتي بتعريف للديمقراطية من الأساس حتى تغضبني. السبب الذي إستفزني (بمعنى حفزني وليس أغضبني) هو أنك تتهم كل من يريد مرجعية الدين بالرجعية والتخلف، رغم أن هناك أطياف مختلفة من هؤلاء، فمنهم المتشددون ومنهم من ينادون بالتجديد والاجتهاد (المضبوط علمياً) ومنهم أطياف فكرية أخرى كثيرة، ولكم رغم ذلك أنت تريد الحكم على كافة هذه الاطياف بالرجعية والتخلف بدلاً عن النقاش والحوار و إثبات الأفكار ومبادلة الحجة بالحجة والتي من شأنها إفادة الجميع.

    6- الثقافة والإطلاع ليست حكراً على الاشتراكيين أو الشيوعيين أو اليساريين فقط يا هيثم، وهناك من التيارات التي تتهمها بالرجعية من هو أكثر ثقافة وعلماً منك في جميع و شتى العلوم، وبالمثل فإن هناك من اليساريين من أهو أكثر ثقافة من كثير من الاسلاميين، وعليه فالاولى هو مناقشة الافكار بدلاً عن إطلاق الاوصاف وتعميمها مثل (رجعية وتخلف وغيره).

  4. الاخ هيثم:

    كلامك فيه الكثير من التخليط وكثيراً ما تضع افتراضات او تعريفات خاطئة لتصل منها الى نتائج بالتأكيد ستكون خاطئة هي أيضاً. كما أنك تستخدم مصطلحات لمدارس فكرية معروفة لها تعريفاتها وضوابطها ولكنك تغير المعاني لملائمة رؤيتك الخاصة بحجة أنك لست من أهل “الإتباع”، وهذا بالتأكيد سيقود فقط الى “فوضى فكرية” في ظل نقاش لا تضبط فيه المصطلحات والمرجعيات.

    1- كل تعاريف الديمقراطية ليس بينها ما قلته أنت وسميته بأنه التعريف العالمي: (الديمقراطية هي الانسانية) أو (هي حقوق الانسان).

    2- الديمقراطية لها تعريف سياسي، ومن ذلك يقال (حكومة ديمقراطية) أو (حكم ديمقراطي)، ويتطلب ذلك توفر شروط معينة في أسلوب الحكم لتحقيق الديمقراطية، ومن هذا المنظور فهي آلية حكم.

    ولها أيضاً تعريف إجتماعي ومن ذلك يقال مجتمع ديمقراطي حيث أن ذلك يتطلب توفر شروط معينة في المجتمع وطريقة تعايش أفراده والمؤسسات التابعة له، ومن هذا المنظور فهي مدرسة فكرية إجتماعية (وليست شريعة إجتماعية).

    وليس كل حكم ديمقراطي (حتى ولو عبر إنتخابات وغيره) يعني بالضرورة أن المجتمع ديمقراطي، حيث أن هناك كثير من الدول التي تحاول تحقيق الديمقراطية في طريقة حكمها ولكنها لا تشكل مجتمعات ديمقراطية!

    3- الديمقراطية مدارس، فبالاضافة الى الديمقراطية بمعناها العام وهو حكم الشعب لنفسه وفقاً للاغلبية فإن هناك المدرسة الليبرالية (ديمقراطية ليبرالية) وهي الاكثر إنتشاراً اليوم حيث تقيد حكم الاغلبية بقوانين (ممثلة بالدستور) ولا تجعل حكم الاغلبية مطلقاً، وهناك ايضاً المدرسة الاشتراكية (الديمقراطية الاشتراكية) والتي تضيف بعض المفاهيم الاشتراكية للديمقراطية الليبرالية وتوفق بين الرأسمالية الليبرالية وبين النظريات الاشتراكية، وأعتقد من إسمك بأنك من مؤيدي هذه المدرسة، وهناك مدارس أخرى عديدة والفروق بينها جميعاً تكمن في التفاصيل والشروط التي تراها كل مدرسة لتحقيق هذه الديمقراطية.

    وبالتالي لا يوجد هذا التعريف (العالمي) للديمقراطية كما قلت أنت والذي يقول بأن الديمقراطية هي الانسانية وحقوق الانسان.

    4- إدعاء التحرر من “الإتباع” الذي ألصقته بي هو عذر دائماً ما تستخدمونه في نقاشاتكم لتبرير إطلاق الكلام على عواهنه دون التقيد بالضوابط العلمية لنقاش افكاركم، وهذا النوع من النقاش الذي تريدونه (مثل حديثك عن الانسانية وربط افكارك كلها بها) يصلح للخطب الحماسية ولكنه لا يوصل لشئ لأن متبعه يحرر المصطلحات من معانيها ويريد من ذلك إطلاق الافكار الخاصة به كما يشاء ومن ثم يدرجها تحت إطار مدارس فكرية معروفة لها ضوابطها ومراجعها.

    5- إذا كنت تريد نقاش أفكارك الخاصة بك فيجدر بك أن تفعل ذلك دون أن تدرجها تحت إطار مدارس فكرية معروفة لها مراجعها و ضوابطها، وإلا فعليك بالتقيد بضوابط المدرسة الفكرية التي تدعي إتباعها وتستخدم مصطلحاتها حتى ولو كنت تريد التجديد أو الاجتهاد فيها.

    وأما حديثك عن التحرر وعدم الاتباع في هذا الصدد فهو يقود فقط الى “فوضى فكرية” لا أكثر ولا أقل، وأعتقد أن أي شخص يؤمن بالمنهج العلمي بالحوار سيعرف ذلك.

    6- لن أخوض بتفاصيل كل ما ذكرته في نقاشك لأنه مبني أصلاً على إفتراضات خاطئة مثل أن “الديمقراطية هي الانسانية” وغيرها من إجتهاداتك الشخصية التي تلبسها (دون سند) ثوب مدارس فكرية لا علاقة لها بها، كما أنه لا علاقة لها بموضوع النقاش أو حتى بالمصطلحات التي تستخدمها، وبالتالي فإن كل ما توصلت اليه من إستنتاجات في تعليقاتك كان خاطئاً لأنه مبني من الاساس على مفاهيم خاطئة.

    عموماً، يمكنك طرح آراؤك الشخصية دون ربطها بمدارس لها ضوابطها ومراجعها (مثل ديمقراطية وغيره) وسأناقشك فيها بأعتبار أنها أفكارك الخاصة بعيداً عن التخليط. وأما عن تلميحك بأن هناك نصوص دينية تتعارض مع حقوق الانسان فقد ناقشت مثل هذه الادعاءات كثيراً ولا مانع لدي من فعل ذلك مرة أخرى إذا أتيتني بالامثلة التي تراها على ذلك.

  5. مواصلة لردي السابق على رد الاخ هيثم اشتراكية:

    7- كلامك عن حق الاختيار المربوط بالاله وبالنصوص في الشريعة الاسلامية هو حق أريد به باطل، فالشريعة والنصوص قد تركت الكثير من الاشياء للإنسان ليقرر فيها وفقما يشاء في إطار مهمة “الإستخلاف” في الارض التي تم تكليفه بها، كما أنها أجملت في العديد من الاشياء وتركت تفسيرها وتفصيلها للأنسان بينما أن الاشياء التي تم التفصيل فيها في الشريعة والنصوص تمثل نسبة ضئيلة جداً ومعظمها حدود.

    وكثير من الآيات التي يستشهد بها كثير من العلمانيون تقطتع من سياقها أو تفسر وفق ما يريدون فقط دون الالتفات الى التفاسير الأخرى التي قد تتوافق مع نظرياتهم وأفكارهم، ولكنهم يأخذون المعاني التي تساعدهم فقط على الاعتراض على هذه الشريعة.

    أيضاً هناك نصوص قد نزلت لمعالجة واقع معين موجود أصلاً ولكن يحاول البعض جعلها سبباً في أيجاد هذا الواقع (مثل قضية الرق والعبودية) رغم انها في الحقيقة قد نزلت لمعالجة هذا الواقع “بصورة عملية”. وقد ركزت على عبارة “بصورة عملية” في الجملة السابقة لأن البعض دائماً ما يجادل بحجج مثل ولماذا لم تمنع الايات او تحرم هذا الواقع تماماً بدلاً عن معالجته بهذه الطريقة أو تلك.

    عموماً، فإن النصوص لا تتعارض إلا مع ما يتعارض مع طبيعة الانسان وفطرته أو ما يتعارض مع مصلحة الفرد والمجتمع حتى ولو كان ذلك ضداً للرغبات والشهوات وهو الامر الذي يثير الكثير من المعارضين للشريعة (وليس جميعهم).

    8- الشريعة والنصوص لم تأمر بالتفريق بين الناس كما قلت، وهناك الآية التي يعرفها الجميع بأن الناس جميعاً قد خلقوا للتعارف وأن لا فروق بينهم وأن الله يفضل بينهم يوم القيامة حسب تقواهم وأعمالهم فقط، بالاضافة الى الايات التي نفت عن الرسول صلى الله عليه وسلم مبداء الوصاية و “السيطرة” على أي أنسان حتى ولو كان غير مسلم.

    9- بينت لك بأن للديمقراطية تعريف سياسي هي من خلاله (أداة حكم)، وتعريف إجتماعي وهي من خلاله نظرية أو مدرسة فكرية إجتماعية. وهي بكل الاحوال ليست شريعة وعلى عكس إدعاؤك فلا علاقة بينها وبين مواثيق حقوق الانسان وفقاً لكل مدارسها كما بينت بتعليقي السابق.

    10- لا علاقة لي بالعلمانية ولم أدعي الانتماء لها ولكني أعرف عنها أكثر مما يعرفه الكثير من أدعياؤها، ولذلك أفرق جيداً بين العلمانية الوجودية القائمة على الالحاد وبين العلمانية السياسية المنادية بفصل الدين عن الدولة والتي تتعدد مدارسها وتتفاوت في تشددها ولكنها جميعاً تقبل بالمرجعية الدينية في الحكم إذا أرتضى الناس ذلك عكساً لما تنادي به أنت.

  6. يا أستاذ هيثم:

    دعني أبداء بخلاصة الموضوع نظراً لطول المداخلة التي قد تصيبك بالملل، فخلاصة الموضوع هي أنني أرى ضرورة اللجوء الى الحوار بطريقة علمية ومضبوطة وفقاً للمنهج العلمي الحديث للبحث حتى نضمن لكل طرف عند الاتيان بحججه وبراهينه بأن تكون المعاني واضحة ومضبوطة لتمنع أي طرف من التلاعب بالمصطلحات وفقما يريد لدغدغة المشاعر بمعاني لا علاقة لها بالمعاني الحقيقية للمصطلحات، الأمر الذي سيضمن الاستفادة من الحوار للمشاركين والمتابعين.

    فأنت على سبيل المثال تتحدث عن الديمقراطية وهو مصطلح له معانيه المعروفة والمحددة ولكن ورغم ذلك تقول ما لم يقل به الاولون ولا الاخرون، وتضيف آراؤك الشخصية الى معنى هذا المصطلح دون أي إنضباط بالمنهج العلمي للبحث أو الحوار، رغم أنه من المفترض على مثقفينا بأن لا يلجاؤا لمثل هذا الاسلوب المضلل خاصة عندما يخوضون في قضايا تؤثر على حياة وقناعات الناس.

    ولتفصيل ما ذكر أعلاه تابع القراءة أدناه:

    أولاً:

    ما حاولت بيانه لك هو أن للديمقراطية مفهوم سياسي ومفهوم إجتماعي، وقد بينت لك التعريف بشكله الاساسي الذي تتفق عليه جميع المدارس الفكرية ذات الصلة بكل مفهوم منذ عهود روسو و منتسكيو وحتى اليوم، ولكنك كعادة معظم اليساريين تطلق فقط مجموعة عبارات رنانة دون أن تعرف معانيها الحقيقية وفقاً لمدرستك الفكرية مخالفاً كافة ضوابط المنهجية العلمية للبحث. والمصيبة الاخرى هي أنك تبرر ذلك لنفسك بالإدعاء بأنك تملك ناصية الحقيقة مدعياً بأن ما تقوله هو أفضل مما توصلت اليه جميع المدارس الفكرية التي تنسب لها فكرك ضارباً عرض الحائط بكل ما توصل اليه مفكري هذه المدارس عبر الازمنة وحتى اليوم، ويظهر ذلك جلياً في إدعاؤك بأن أستنتاجاتك وتعريفاتك التي توصلت اليها عن الديمقراطية هي افضل من كل ما تعارفت عليه تلك المدارس الفكرية مبرراً ذلك بـ !! أنك تؤمن بالحرية وحقوق الانسان !!، وكأنما بقية مفكري هذه المدارس التي تدعي الانتماء اليها لا يؤمنون بهذه القيم وأنك فقط من يؤمن بها. وأعتقد أن طريقتك هذه تعكس فاشية وغطرسة فكرية ربما لا تكون مقصودة ولكنها بالتأكيد مرفوضة وهي ما تحد عنها كاتب المقال، والغريب هو أنك تمارسها حتى مع الاراء ذات الصلة بمنظري مدرستك الفكرية!

    الديمقراطية من الناحية السياسية هي فعلاً – كما ذكرت لك – أسلوب حكم وهي تمثل احدى الاساليب والوسائل المحققة لحقوق الانسان وفقاً للمعايير والتعريفات الحديثة، وبالتالي فهي وسيلة لتحقيق هدف وليست غاية في حد ذاتها ولا تعني أبداً حقوق الانسان في ذاتها كما إدعيت.

    وعليه فلا أدري أين هي هذه الفضيحة الفكرية التي تتحدث عنها في تعريفي، رغم أن الفضيحة الفكرية تظهر جلية في قولك بأن تعريف هذه الديمقراطية هو أنها حقوق الانسان حيث أنه تعريف يخل بمفهوم الديمقراطية فيجعلها غاية بدلاً عن كونها وسيلة لتحقيق هدف، كما يخل تعريفك أيضاً بمفهوم حقوق الانسان ويشوهه بأن يحصره فقط في الديمقراطية التي ما هي إلا إحدى الوسائل لتحقيق هذه الحقوق وفقاً لكافة المدارس الفكرية اليسارية القديمة والمعاصرة!

    ثانياً:

    وعلى جانب آخر فقد لاحظت أيضاً أنك تحاول – مثل معظم اليساريين – ممارسة الابتزاز الفكري بالتلميح الى أنك من أهل التجديد والاجتهاد وأنني من مدرسة تتبع النقل و (القص واللزق)، وحجتك في ذلك كانت بسبب دعوتي لك للالتزام بالمنهج العلمي أثناء البحث والحوار وضرورة ضبط وتحديد للمصطلحات والتعريفات. والمنهج الذي دعوتك له لا يدعو الى النقل ويتعارض مع الاجتهاد بل أنه على العكس فإنه المنهج العلمي المتبع بعصرنا هذا لضبط الاجتهاد بكافة المجالات. و عليه فكان الأولى بك أن تتبع هذه المنهجية العلمية دون الحاجة الى تنبيه مني بحكم أنك تنتمي الى مدرسة ينسب البعض إشتقاق إسمها من العلم، وتربطونها جميعكم بالتطور والحداثة والعلمية!

    ثالثاً

    أنا لم أدخل معك حتى الآن في نقاش تفاصيل المبادئ التي تتحدث عنها وما أوافق عليه وما لا أوافق عليه حسب وجهة نظري مع بيان الاسباب والادلة. والسبب في عدم الخوض في التفاصيل حتى الآن هو أنني أعتقد بأن لديك مشكلة أساسية في طريقة الحوار من الأساس، وفي الحقيقة هي مشكلة معظم اليساريين من حيث جعل الحوار مطاطياً وغير مرجعي ويعتمد فقط على إستخدام مصطلحات رنانة وكلام مطلق على عواهنه مخالفين المنهج العملي الحديث في البحث والاجتهاد.

    وطريقتك تشبه طريقة الاخوان المسلمين من اطلاق عبارات عامة مثل “الاسلام هو الحل” دون تحديد وضبط لمعنى هذا الشعار والمنهجية المتبعة لتحقيقه بطريقة يمكن قياسها والحكم عليها، حيث أنهم يستخدمون هذه العبارات الرنانة فقط لتضليل الناس ولإضفاء القدسية على آراؤهم، الامر الذي يفسره الكثيرون بأنه حق اريد به باطل وانه متاجرة بالدين فقط لا غير.

    وبالمقابل فأن طريقتك في الحوار تشبه تماماً طريقة الكيزان حيث أنك تطلق عبارات عامة ورنانة مثل صحة إستنتاجاتك وآراؤك بسبب أنك “تؤمن بالحرية وحقوق الانسان”، محاولاً إضفاء قدسية “إنسانية” لرأيك دون أن تحدد لنا ما هو منهجك الذي سيحقق هذه الحرية والحقوق للانسان، وتضع لنفسك خطة هروب عند النقاش بتنصلك من كافة تعريفات المصطلحات التي تستخدمها وفقاً للمدرسة الفكرية التي تنتسب اليها حتى تتيح لنفسك إطلاق عبارات فارغة لا يمكن قياسها وبالتالي لا يمكن محاسبتك عليه.

    رابعاً

    بمنهجك هذا فمن حقي أيضاً أن أطلق ما أشاء من تعريفات وآراء ثم أنسبها للديمقراطية أو العلمانية أو أي مدرسة فكرية أخرى ممتطياً حجة الاجتهاد والتجديد والحداثة وعدم الاتباع الاعمى والنقل.

    كما أنه من السهل علي أيضاً أن أقوم بأطلاق الجمل الإنشائية والعبارات الرنانة مثل “أنني أؤمن بأن الله يريد خير المخلوقات ولذلك يجب إتباع أوامره وتطبيقها لأنها الحل الامثل للإنسانية” دون تحديد ما هية هذه الاوامر الالهية وما هي المرجعية في الاجتهاد فيها وتحديد المراد منها، ثم أقوم بالانتقال بعد ذلك الى المرحلة الاخرى من الاسلوب المتبع لكل عاجز فكرياً بإلقاء التهم المعلبة من شاكلة أنكم دعاة فسوق وأنحلال وأنكم أذيال للغرب وغير ذلك من التهم المعلبة الموجودة والمتبادلة بأشكال مختلفة بين متطرفي التيارين.

    خامساً:
    —-
    أنا لا احتاج الى أن أزايد على مبادئي معك يا استاذ هيثم لانك لا تعرفني ولا اعرفك، ولكنني اكره الكيزان والاخوان المسلمين مثلك إن لم يكن اكثر ودفاعي هنا ليس عن منهج الاخوان المسلمين حيث أنني على قناعة بأنهم يضرون الدين أكثر من أي تيار آخر، ولكن دفاعي هو عن المنهج الذي أؤمن به بضرورة تطبيق الشريعة كمنهج يضبط امور حياتنا مع مراعاة ضرورة التفريق بين ثوابت الشريعة وبين الفقه والاجتهاد الذي يتجدد عبر الزمان وفق منهجية علمية، وبالتأكيد فإن عملية الاجتهاد هذه ليست محصورة على تيار معين دون الآخرين حيث أنه لا كهنوت بالاسلام كما ترددون دائماً في كلامكم، ولكنها (عملية الاجتهاد هذه) لا بد أن تكون مضبوطة في نفس الوقت بمنهج علمي يقتضي الالمام بالعلوم الشرعية اللازمة، مثلها في ذلك مثل أي مجال لا يبحث فيه ويجدد إلا المختصين الذين تلقوا علومه سواء أن كان طباً او فلكاً او غيره.

    وقد أجمع كافة العلماء الدارسين للعلوم الشرعية السابقين والمعاصرين بأن الكثير من الامور قد تركت حسب الشريعة لتقدير البشر فيما يلي تنظيم شؤون حياتهم في اطار ما يسمى بمنطقة العفو وهي المنطقة ذات المساحة الاكبر بالشريعة ولكنكم تريدون حصر الاسلام في أنه فقط مجموعة حدود وتقطيع للرقاب والايدي وقهر للمراءة وقتل لغير المسلمين أو ظلم لهم وغير ذلك من الاسطوانات الممجوجة التي تم الرد عليها مراراً ولكنكم لا تعقلون وتكابرون وتستشهدون على ذلك بأفعال افراد او احزاب أو دول إسلامية عبر التاريخ، رغم أن التاريخ الحديث يثبت حتى للأعمي بأن قبلتكم من الدول مدعية الديمقراطية او حقوق الانسان هم أول من يخالف أصول هذه الديمقراطية وحقوق الانسان!

    ختاماً:

    الموضوع طويل ولكن المشكلة هي أن معظم حواراتنا تعتمد على العبارات الرنانة والكلام المطلق على عواهنه دون ضبط علمي للحوار والمصطلحات المستخدمة فيه، الامر الذي يسهل لكل طرف ممارسة “الانتحال الفكري” الذي تتهمني به كثيراً رغم أنك أنت هو من يمارسه بالتهرب من ضبط المصطلحات والمنهجية العلمية التي تمنع ممارسة هذا الانتحال الفكري!

    وتقبل تقديري واحترامي لك على عدم شخصنة الحوار وهو امر فعلاً نحتاجه جميعاً الآن.

  7. مشكور أستاذ هيثم إشتراكية على النقاش البناء،

    يبدو أن خطورة موضوع المصطلحات والانضباط العلمي لم يتضح لك بعد، و عموماً دعني أختم هذا الحوار الجميل من جانبي بما يلي:

    1- أنا لم أرفض أو أستنكر عليك الاتيان بأفكار أو مدارس فكرية جديدة خاصة بك، وقد أوضحت ذلك منذ بداية ردودي عليك ويمكنك مراجعتها. وأنا بالمناسبة مع مرجعية الشريعة ولكن ضد إستخدام الدين عن طريق الاحزاب السياسية في برامجها تماماً، وهذا كلام يطول شرحه لأنه يعتبر لحد ما ايضاً “فكر جديد”، زكما ذكرت سابقاً فأنا لم ابداء نقاش تفاصيل قناعاتي بعد!

    وبأختصار بالنسبة لبعض النقاط التي أثرتها عن كيفيو حل معضلة طريقة الحكم أقول:

    (أ)
    حكم الله وحكم البشر لا يتعارضان، والعلاقة ستصبح واضحة لكل من يتأمل ويربط مبداء “الاستخلاف في الارض” الذي اعطى الله فيه الانسان تكليف الخلافة في الارض وإدارة اعمارها وأعطاه الادوات التي تعينه على ذلك بما فيها العقل وبين مبداء “الشرائع” التي أنزلها الله على هذا الانسان عبر الازمان لتشكل إطاراً عاماً يتحرك في إطاره ليعينه على التحديات التي تشمل الشهوات وشياطين الانس والجن وغيرها مع مراعاة الفرق بين الشرائع السابقة وبين الشريعة “الرسالة” الاخيرة من حيث الصلاحية الزمنية!

    (ب)
    الكل يعرف بأنه لا كهنوت في الاسلام، ومبداء الوصاية قد نفي حتى عن خير الخلق صلى الله عليه وسلم.

    (ج)
    أجمع المسلمون عبر الازمان على أن تفسير النصوص والاحكام الفقهية قد يتجدد عبر الزمان، ولكنكم تصرون على أختيار معاني او احكام فقهية معينة صدرت في ازمنة سابقة لتثبتوا منها تعارض النصوص مع الواقع، رغم أن واقعية النصوص ومرونة الشريعة مبنية على مبداء التجديد الذي تتحدثون عنه كثيراً ولكنكم تتجاهلونه عندما يتعلق الامر بالشريعة.

    (د)
    بالنسبة لسؤال “حق التشريع” فهو بلا شك للانسان وذلك وفقاً لمشيئة الخالق تبارك وتعالى الذي جعله خليفته في الارض، وهذا لا يتعارض مع وجود الشريعة كإطار عام يحكم حياة هذا الانسان، وعند الخلاف المعتبر (المبني على العلمية) فإن كافة الخيارات تصبح متاحة ووفقاً للمصلحة العامة التي يحددها الناس وفقاً لأي آلية. أضف الى ذلك أيضاً بأن منطقة العفو هي الاكبر في الشريعة كما ذكر، وهي المنطقة التي تركت للانسان حرية الاختيار الكاملة دون أي تدخل.

    2- ما رفضته بتعليقاتي وناقشتك فيه هو أنك عندما تأتي بأفكارك الجديدة فيجب أن تطرحها على هذا الاساس، ولا يجوز أن تنسبها وتلصقها بأنها معنى وتفسير مصطلحات لمدارس فكرية معروفة، بل يجب عليك طرحها كـ “أفكارك الخاصة بك” لتكون مطالباً عندها بأن تشرح المبادئ وتثبت الاهداف التي تحققها أفكارك هذه، ولكنك بدلاً عن ذلك إتخذت طريقاً مختصراً عبر تغليفها بمصطلحات لها معاني وأبعاد محددة لدى الناس مما يوحي بأن افكارك الجديدة هذه تحقق نفس الاهداف المرتبطة في أذهان الناس بهذه المصطلحات دون الحاجة لإثبات ذلك!

    3- بمعنى آخر، فإن بعض المصطلحات قد إرتبطت لدى الناس بمفاهيم معينة مرتبطة بمدارس فكرية محددة، وبالتالي فإن إدعاء أن أفكارك الجديدة هي المعنى الحقيقي المفترض الاخذ به لتعريف او شرح هذه المصطلحات هو نوع من الانتحال الفكري سواء أن كان ذلك بدون قصد، أو عن قصد بهدف دغدغة مشاعر الناس لقبول أفكارك الجديدة عبر الايحاء بأنها هي المقصودة من بعض الكلمات والمصطلحات الرنانة والمحبوبة لدى الناس.

    4- ولكن قد يسأل البعض فيقول:

    (أ) بأن القضية ليست مصطلحات، وطالما أن الافكار الجديدة تحقق نفس المبادئ فما يهم عندها هو فهمها ومناقشتها دون الخوض في قضية المصطلحات؟
    أو
    (ب) أن هذه الافكار الجديدة هي إجتهاد في إطار المدرسة الفكرية المعينة، وبالتالي فمن حق صاحبها إستخدام مصطلحات هذه المدرسة الفكرية؟

    5- بالنسبة للشق الأول من السؤال في (4) أعلاه وهو (أ):
    فهذا السؤال يتنافى تماماً مع العلمية في البحث، فحتى لو كانت افكارك الجديدة تحقق نفس مبادئ وأهداف مدارس فكرية معينة، فإنه يجب عليك – كمفكر أتيت بأفكار جديدة – بأن تشرح وتثبت امكانية وكيفية تحقيق الاهداف والمبادئ المرجوة من أفكارك الجديدة هذه، بدلاً عن ادراجها فقط تحت مسميات او مصطلحات تعارف الناس على تحقيقها للاهداف المرجوة!

    6- بالنسبة للشق الثاني من السؤال في (4) أعلاه وهو (ب):
    فإذا كان الامر من باب الاجتهاد في اطار المدرسة الفكرية نفسها، فلابد عندها من الالتزام بقواعد هذه المدرسة حتى لا يأتي كل شخص بأقوال توافق هواه فقط ثم يقول أن هذا الرأي يمثل تجديداً للفكر الديمقراطي أو العلماني أو غيره مما يقود الى فوضى فكرية كما قلت بتعليقاتي السابقة.

    وحتى لا يكون كلامي عاماً، فإن العلمية التي أقصدها في حالة الاجتهاد بأفكار جديدة تقتضي إختصاراً:

    * الموضوع: ما هو الجانب المراد الاجتهاد فيه تحديداً (سياسي، اجتماعي، اقتصادي …الخ).
    * المسألة: ما هو سبب الحوجة لهذا التجديد او الاجتهاد بدلاً عن الآراء الموجودة.
    * الاستنتاج: وهو الرأي الجديد المطلوب إحلاله مكان القديم.
    * الإستدلال :وهو أسباب أفضلية الرأي الجديد لتحقيق الاهداف في “المسألة”.

    وبالطبع، فليس المقصود هو وضع الآراء الجديدة في جداول حسب البنود أدناه، ولكن المقصود بأن التجديد في الفكر ليس أمراً سهلاً يتم فقط بإطلاق العبارات الانشائية او الكلام المنمق ولابد فيه من تغطية البنود أعلاه على الاقل بغض النظر عن الصورة التي ستطرح بها الافكار الجديدة.

    7- من الأمثلة العملية لمشكلة عدم ضبط المصطلحات واتباع المنهج العلمي في الحوار:

    – ما تفضلت به في تعليقك من محاولة اليمينيون لإنتحال مصطلح “الديمقراطية” المحبب لدى الناس دون أن يحددوا معناها وما يريدونه منها، وكأنها إناء فارغ يملاؤنه بما شاؤوا!

    – أو محاولتهم الاستدلال على صحة منهجهم عبر تغليفه بشعارات مثل “الاسلام هو الحل”، وهو شعار وقيمة معروفة من حيث المبداء لدى معظم المسلمين ولكن السؤال هو كيفية تحقيقه.

    – وبالمقابل فإن من الامثلة ايضاً طريقتكم في تكرار شعارات من شاكلة تحقيق “الحرية او العدالة او المساواة أو الديمقراطية أو حقوق الانسان” وغيره من المصطلحات التي تطلقونها ثم تستخدمونها كوعاء فارغ تملاءونه بما تريدون من افكاركم الخاصة دون الالتزام بما تعارفت عليه المدارس الفكرية التي اوجدت هذه المصطلحات.
    وعندما تقول بأن فكرك يقوم على الحرية فهو ايضاً كلام عام حيث أنه لا توجد حرية مطلقة على الاطلاق وإلا اصبحت فوضى، ولذا فبالتأكيد أن فكرك سيتعارض مع بعض الحريات ويقيدها لتحقيق مصلحة أكبر مثل تقييد حرية الفرد لضمان مصلحة المجتمع. وغير ذلك من التفاصيل الاخرى التي تجعل من المستحيل اختزال الفكر مثل هذا الاختزال المخل!

    عموماً، سيبقى السؤال هو دائماً عن الكيفية التي نحقق بها هذه الاهداف السامية التي يدعي كل طرف امتلاكه الطريق اليها:

    – هل سنصلها عبر طريق الديمقراطية وفقاً للمدارس الفكرية المعروفة التي أوجدت هذا المصطلح؟ وحينها أي مدرسة نتبع باعتبار أنها الافضل؟

    – أم سنحقق الاهداف عن طريق ديمقراطيتكم ووفقاً لافكاركم ومفاهيمكم الجديدة؟ وحينها فمن منكم هو صاحب الافكار الجديدة الافضل التي يجب علينا إتباعها، حيث انكم كلكم تدعون أفضليتكم الفكرية؟

    – ام سنحقق ذلك عن طريق الشريعة؟ وحينها كيف سنحدد ما هي الشريعة؟ وأي مذهب سنأخذ؟ وكيف نتعامل مع الخلافات الفقهية؟ وكيف نسد الطريق على تجار الدين والشريعة أمثال السيد والي الخرطوم الذي طالب الناس بالتقرب الى الله لحل المشاكل الاقتصادية ومثلها من الترهات التي يمطرنا بها الكيزان ليل نهار؟!

    – و فوق كل ذلك والأهم من كل الاسئلة اعلاه هو: كيف نتأكد من صحة إدعاء كل من يقول بأنه يملك أجوبة الاسئلة أعلاه سؤاء أن كان يسارياً أم يمينياً، معتدلاً أم متطرفاً؟ وكيف نضع آليات تجعلنا نزن كلام كل فئة بصورة واضحة لوزنها وتقييمها بعيداً عن العبارات الفارغة التي تطيل فقط الجدل؟

    ************************

    أنا لا أدعي بأن لدي الاجابة على كل الاسئلة اعلاه ولا اعتقد بأن هناك شخص او تيار فكري واحد يملك كل هذه الاجابات، ولكنني اعتقد بأن محاولة الاجابة على السؤال الأخير سيساعد كثيراً على تسريع الإجابة على بقية الاسئلة بالحوار بين الاطراف.

    ولذلك كانت كل تعليقاتي السابقة عن أهمية ضبط الحوار بصورة علمية حتى لا نخلط المصطلحات والمدارس الفكرية المعروفة مع اجتهاداتنا الشخصية، والتي رغم أنها مطلوبة ولكن يجب ان نبتعد فيها عن الشعارات الرنانة والمصطلحات المفرغة من معانيها، وعندها قد نستطيع مجتمعين تقديم فكر يساهم في خدمة بلدنا المنكوب وأهله بعيداً عن ساحات التناطح والجدال الفكري الذي لم يسمن ولن يغنى عن جوع رغم براعتنا فيه.

    أتمنى إذا جمعنا حوار قادم أن نعمل جميعاً على إرساء مبادئ حوار هادف ومنضبط علمياً في الراكوبة ولنجعل الهدف هو الوصول لما هو أفضل للوطن وأهله وليس فقط الانتصار لرأي وفريق دون الآخر، وإلا: فليهناء الكيزان بطول سلامة!!

    وتقبل فائق الاحترام والتقدير على الحوار المفيد والمحترم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..