ديمقراطية الشارع وديمقراطية الصناديق: (2/2)
الفرق بين الهجمنة والهيمنة و المشروعية والشرعية
دكتور / صدقي كبلو
كثر الحديث حول ما حدث في مصر في الثلاثين من يونيو والأيام التي تلته حتى تدخل الجيش بعزل الدكتور محمد مرسي، وأنشغل بعض الكتاب بتصنيف ما حدث هل هو إنقلاب أم ثورة، معيدين للأذهان تلك المناقشات التي دارت عقب إنقلاب 25 مايو 1969 في السودان، وكثير من هذه المناقشات وتلك ركز على أداة التغيير ولم ينظر للتغيير كعملية متكاملة: هل هي عملية أتخذت التكتيك الإنقلابي بعيدا عن النشاط الجماهير والعمل وسطهم أو مبادرتهم، أم أنها عملية جماهيرية شكل اشتراك الجيش أحد قواتهاا كأداة لاسقاط سلطة ووضع سلطة بديلة (توافق رغبة العمل الجماهيري ) مكانها. الفرق بين العمل الانقلابي والعمل الثوري: أن الأول تآمري يتم بعيدا عن الجماهير ولا يعتمد المواجهة بل يعتمد المفاجأة والاستغفال للإستيلاء على مفاصل السلطة. بينما العمل الثوري هو عمل يعتمد على الجماهير وتنظيمها وحراكها. وما من ثورة نجحت في التاريخ بدون أداة لتغيير السلطة قادرة على مواجهة قدرة تلك السلطة على العنف، وقد تكون تلك الأداة مجموعة من الجماهير والمدنيين المسلحين من خارج معسكر السلطة أو من القوات النظامية من داخل السلطة التي تتمرد عليها وتنحاز للجماهير. وتعتمد على تركيب وقدرات القوى التي تزيح السلطة القائمة درجة نجاح الثورة مهما كان زخمها وشعاراتها والجماهير المشاركة, حركة الجماهير قد تستطيع كشف فقد السلطة القائمة لمشروعيتها، بما في ذلك مشروعية احتكارها لأدوات العنف، لكنها غير قادرة لوحدها ودون تسلحها أو إنحياز جهة مسلحة لها من كسر العنف وإنتزاعه من يد السلطة القائمة. وهناك المواضع التي لا تقوم فيها القوات النظامية بانتزاع السلطة ولكنها تتمرد في أن تصبح أداة عنف ضد الجماهير مما يمهد لمفاوضات ومساومات تنقل السلطة سلميا، إما لسلطة مشتركة أو سلطة جديدة تماما مع ضمانات لأفراد السلطة القديمة.
لماذا فقد مرسي المشروعية؟
وكان عليه لتوسيع قاعدته الجماهيرية لتثبيت مشروعيته ومشروعية النظام الديمقراطي أن ينفذ ما سماه برنامج المائة يوم، وأن يحدث تغييرات في حياة الناس أو أن يشعر الناس بأنه بدأ فعل ذلك ولكنه لم يفعل وأهتم أكثر بمد غزة وسلطة حماس بالمواد التموينية والمنتجات النفطية، ولم يمارس أي سياسة ذات جدوى لاعادة أهم مصادر الاقتصاد المصري وهو السياحة التي كانت تساهم قبل ثورة يناير ب 12% من الناتج المحلي الاجمالي ويعمل بها بشكل مباشر أكثر من 2 مليون مصري وتؤثر على عمل 70 صناعة مصرية أهمها صناعة المشروبات من عصاير ومياه ومياه معدنية ومشروبات كحولية ووعلى دخول منتجين صغار في مجال الأناتيك وعلى مقدمي خدمات مثل اصحاب المركبات وعربات الأجرة والبصات السياحية، ?الخ. بل ان طريقة تعامله مع المطالب الفئوية زادت من عزلته حتى كادت منطقة مثل المحلة الكبرى تكاد تكون محررة من الأخوان.
لم يكن مرسي ليستطيع الاعتماد على شرعيته فقط، دون أن يتحول إلى ديكتاتور مدني، وهذا ما كان يخطط لفعله منذ اصداره الأمر الدستوري سئ السمعة، ومحاولاته التدخل في القضاء والنيابة وتخطيطه لاجام الصحافة والاعلام بعد استيلائه الكامل على الاعلام والصحافة القومية. ولكن اعتماد مرسي على شرعيته كان يزيد تآكل مشروعيته. فماذا نقصد بالشرعية والمشروعية؟
بين الشرعية والمشروعية والهيمنة والهجمنة:
والكلمة الإنجليزية للشرعية هي legality أم الكلمة الإنجليزية للمشروعية فهي legitimacy والفرق بين الكلمتين في اللغة العادية ليس كبيرا ولكنه فرق كبير في مقولات العلوم السياسية والقانون فمثلا لو أخذت قاموس الفكر السياسي لمؤلفه روجر سكرتون( Roger Scruton,(1982), A Dictionary of political Thought, Pan Books in association with the Macmillan Press, London) فهو يعرف الشرعية legality ?الالتزام بالقانون، القاعدة الأساسية على أساسها التي يمكن للمواطن فيها الطعن في قرار هيئة سيادة (مثل قرار الدولة)? (المرجع المذكور ص 262) ويذهب فيشرح أن مثل ذلك الطعن يعني تذكير هيئة السيادة بضرورة أن تكون متناسقة في قراراتها مع القانون وأن أي نظام لا يسمح بمثل ذلك الطعن فهو نظام استبدادي (نفس الصفحة).
أما كلمة مشروعية legitimacy فهي متعلقة بمفاهيم الحق والسلطة والقبول فالسلطة يقال عنها مشروعة إذا استعملها من عنده حق استعمالها والسلطة هنا تشمل السلطات التي تستعملها الحكومة وهذه تثير أربعة قضايا الأولى خاصة بمجال الفلسفة السياسية وهي ما الذي يجعل أي ممارسة للسلطة مشروعة؟ والقضية الثانية برجماتية سياسية يلتفت لها كل سياسي: كيف يجعل ممارسة السلطة مقبولة كحق أي سلطة مشروعة؟ والقضية الثالثة قانونية وهي ما الذي يجعل السلطة المشروعة شرعية أو قانونية؟ أما القضية الأخيرة فتجمع الثلاث قضايا وهي حول نظام الحصول على السلطة وتبديلها وهي قضية قانونية تتعلق بالشرعية وبرجماتية تتعلق بالممارسة وفلسفية تتعلق بفلسفة الحكم.
القانون الذي هو تشريع ويدخل في باب الشرعية يصبج مشروعا إذا نال القانون أو من أصدره قبولا، فالبرلمان الذي يعترف به الناس كناتج عن إرادة الناخبين في نظام إنتخابي مقبول منهم، يصبح مشروعا، ولكن الناتج عن سلطة استبدادية أو برلمان مشكوك في مشروعيته (تزوير انتخابات أو قيود في الانتخابات مثلا) لا يصبح مشروعا.
والمشروعية عموما ترتبط بالهجمنة، (وهذه كلمة صغتها للتعبير عن مفهوم Hegemony) و هي مفهوم كلي يعبر عن العلاقة بين الهيمنة الاقتصادية والهيمنة الثقافية الكاملة القائمة على أسس إدخال بعض الحقوق الاقتصادية والمفاهيم والرؤى الثقافية للطبقات المهيمن عليها ضمن التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية التي تحرسها الطبقة المهيمنة وتعيد إنتاجها، وفي هذه الحالة تصبح أزمة الهجمنة هي تعبير عن أزمة التشكيلة كلهاـ تصبح أزمة عضوية رغم ظهورها كأزمة قيادة وأزمة مشروعية ولربما أزمة شرعية،
ليست عن تزييف الوعي بل عن إعادة بناء الوعي وفقا لمواد اغلبها يساعد في إعادة إنتاج أسلوب الإنتاج الرأسمالي بهذا الشكل أو ذاك وبعضها مستلف من الطبقات المقهورة لجعلها جزء فاعلا من التشكيلة الاقتصادية لا بمجرد قهرها ولكن بموافقتها، لذا الهجمنة هي قيادة والهيمنة هي سيطرة وقهر، والقيادة لمجتمع طبقي لا يمكن أن تكون فقط ثقافية ولا يمكن أن تكون فقط اقتصادية ولابد أن تكون قيادة كلية، ليست تجميعية أو انتقائية وإنما تعبر عن علاقة متشابكة ومترابطة بين الاقتصادي والثقافي، ويجب ألا ننخدع بتقسيم العمل هنا بين مختلف مؤسسات وجماعات القيادة الطبقية فكل يؤدي دورا يخدم الهجمنة بوعي أو بدون وعي.
عودة للنظام المصري
كان على مرسي إذا أراد أن يستمر في الحكم ألا يعتمد على شرعيته فقط بل يسعى بنشاط لبناء مشروعيته وهجمنته من خلال خطاب وقرارات تجلب له تأييد الأغلبية ليس له شخصيا بل لنظام الحكم المصري، ولكن مرسي بحكم تمثيله لجماعة كانت تريد الاسراع بالتمكين والاستيلاء على الدولة ولا تهتم بموقف الآخرين، معتمدين على مفهوم ضيق للشرعية، فشلوا في إدارة الصراع لمصلحتهم في المدى الطويل فخسروا المدى القصير والطويل معا. ولعلنا نلاحظ الفرق هنا بين سياسات أردوغان والأخوان أو الحركة الاسلامية في تركيا التي رضيت أن تتقيد بقواعد اللعبة.
إن سياسة مرسي قد أثارت عليه معظم فءات وطبقات الشعب بدءا من الرأسمالية المصرية الصناعية (ورأسمالية نظام حسني مبارك الطفيلية أيضا) والطبقة الوسطى و العمال، في الصناعة وفي السياحة، والمزارعين وفقراء المدن والريف الذين يبحثون عن رغيف العيش والبوتجاز والمواصلات والكهرباء والمياه النقية.
لقد فقد مرسي مشروعيته وأضر ضررا بالغا بمشروعية النظام عندما رفض إجراء إنتخابات مبكرة للرئاسة، التي كانت ستعني للشعب أن النظام صالح لتصحيح أخطاءه وأنه يمكن أن يلجأوا للصناديق الانتخابية لتصحيح الوضع بعد أن عبروا عبر حملة التوقيعات والمظاهرات الحاشدة عن رفضهم لقيادة مرسي ومطالبتهم بانتخابات مبكرة وأيدهم الجيش في ذلك المطلب ولكن رفض مرسي لم يترك أمام الجيش إلا عزله ليستجيب لمطالب الجماهير التي أرتفع سقفها.
إن الديمقراطية عملية متكاملة لا تنتهي بصندوق الانتخابات، بل تمتد للشارع واقناعه بأن الانتخابات أتت بمن يمثله ويرعى مصالحه.
إن النظر للمسألة من هذا المنظار، يرتفع بها من مناقشة إنقلاب أو لا إنقلاب، لمناقشة جديدة حول شروط نجاح انتفضة 30 يونيو المصرية لتحقيق برنامجها في تأسيس نظام ديمقراطي يتمتع بالمشروعية والشرعية معا.
الميدان
السلام عليكم
مرسى وجد معارضه قويه حتى من قبل ان يتسلم مقاليد الحكم, وذلك عندما تأخر الاعلان عن نتائج الانتخابات فى محاولة يائسه من القائمين على امرها لابعاده, هل يعقل ان ازمة البنزين والسولار والكهرباء تنحل بمجرد ان يذاع خبر اقصاءه؟, كان ينتظروا يومين على الاقل وما يعملوها واضحه كدا, مرسى كان يعتبر ان مصر للمصريين جميعا لذلك قام بترقية السيسى وتعينه فى هذا المنصب ولم يتبع سياسة الاقصاء التى انتهجها هؤلاء من اول يوم استلموا فيه السلطه وفضح مخططهم الشريط الذى بث على الهواء دون علمهم وهم يمكرون ويقولون يجب اقصاء الاخوان ومنعهم من المشاركه فى الانشطه السياسيه وبدأ واضح جدا عداوتهم للاسلام. يريدون الاسلام ان يكون فقط داخل المساجد والخطباء يتحدثون فى سنن والوضوء ونواقضه وكل من يتحدث فى غير ذلك فهو قد خلط الدين بالسياسه. الدين ليس فقط صلاة وصيام , رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة وازكى التسليم علمنا كل شىء حتى الدخول الى الخلاء وقضاء الحاجه وفى القرآن ايات الاحكام والمواريث والقصاص وكل هذا نحن مأمورون به ونحاسب عليه اذا فرطنا فيه ونؤجر عليه اذا عملناه. مصطلحات الدوله الدينه والاسلام السياسى والاتجار بالدين كلها اشياء لا معنى لها يتخذونها لابعاد الناس عن دينهم. انا اعرف ان هنالك فئه تريد عندما تحكم تطبق قوانين وضعيه من صنع البشر وتترك القوانين التى امرنا الله بها, وهنالك فئه تريد عندما تحكم تطبق قوانين مستمده من الكتاب والسنه المطهره
لقد كان مرسي ارجوزا كبيرا وليس فقط بل كان ايضا لعبة فى يد المرشد ورغم شماتة الشامتين يجب على الاخوان امتصصاص الصدمة والدعوة الى انتخابات مبكرة وتفويت الفرصة على التكنوقراط واعتقد ان وجود الاخوان فى المعارضة افضل لهم. الديمقراطية معركة طويلة لن تنجح من تمرين واحد
ديمقراطية الشارع هي أن تثور الشعوب بتلقائية بغية تغيير الحكومة الظالمة أو الديكتاتوريات والانقلابات العسكرية كالثورة ضد حكم عبود والنميري أما الثورة ضد حكم ديمقراطي أتى الي سدة الحكم عبر انتخابات حرة نزيهه ثم تسليم السلطة للعسكر أو تدحرجها تلقائياً لتستقر في حجر العسكر كما في مصر فهذا أمرٌ لا يستقيم بل هو انقلاب عسكري سطا في العسكر على الكرسي بعد مرسي . في واقع الأمر ما حدث في مصر لا يختلف البتة عمّا حدث في السودان في عامي 1969م و 1989م لأن العسكر سطو على حكم شرعي منتخب كما في مصر الآن ومن أراد أي يساوي بين ديمقراطية الشارع وديمقراطية الصناديق ككاتبنا هذا فهو واهم. إذا ثارت الشعوب ضد حكم عسكري ( عبود – نميري ) ثم حسني مبارك وقام الجيش بمساندة الشعب فلا ضير ولا حرج في ذلك . خروج الشعب ضد حاكم ديمقراطي بإيعاز من الجيش ومرافيت الدولة العميقة ثم انحياز الجيش للشعب ظاهرياً واستئثاره بالسلطة مع تعيين بعض الدمامل البشرية فهذا أمر في غاية الخطورة لما فيه من الظلم والغبن الذي سيولّد الانفجار ان لم يكن ما نحن فيه الآن انفجاراً بإمتياز .