وهل يحدث الله الناس أيحاءا؟ – 1 – من تداعيات التذكرات

وهل يحدث الله الناس أيحاءا؟ لا اشك في ذلك مطلقا, ولا ادعي اني أعرف كنه الإله ولا كيف يفكر ولم اختار لنا هذا الوضع الذي يتأرجح ما بين الاصطفاء والابتلاء. وباستمرار كان هذا موقفي إزاء هذه الأسئلة منذ الطفولة ? ولا اقول منذ الصبا الباكر. فمنذ طفولتي الأولى كانت أخافه اشد الخوف وارتعد لما اقترف ذنبا يقف أمامي ويتمثل لي غولا يتهددني ويتوعدني فاغمض عينيّ حتى لا ابصره, اغمضهما حتى أحس بألمٍ مُرَكّزٍ يزداد كلما التصقت الجفون اكثر, ولا مهرب فالذنب يمتشق “مُخَوِّفاتِهِ”. ثم استعين بالمعوذتين اللتين لا اذكر متى حفظتهما ومن حفظنيهما. ولا زلت اتساءل هل حفظنيهما الله كفاحا أو بواسطة. وارجح الواسطة لأن الله ? في ما أرى ? يعتمد الغموض في التبدي لمخلوقاته (وانا اتعمد ان لا اقول عباده لأمر سوف يأتي) لأنه لو غاب تماما أو وضح تماما فإن خيط الحيرة سينقطع, والحيرة مهمة لأنها تحفز على البحث والتساؤل ومن ثم التوصل إلى بعض أجوبة ناقصة يكملها الترجيح بناءَ على الإحساس وحده (وهذا الاحساس الداخلي نفسه لا نعرف أهو منةٌ وتفضلٌ أم مكسبٌ عقلى, وارجح المنّ, وفي ذلك مشكلة) . وطرفا الترجيح هما إما إيمانٌ أو إنكار. غير أن لا الإيمان وحده ولا الإنكار وحده كافيان لكبح جماح الاسئلة المتجددة. الانسان قوي الذهن لا يهدأ إلا بمعرفة ولذلك قال احدهم (من النصارى) “أنا لا أؤمن, أنا أعرف”. ومشكلة اجتماعية كبيرة ستواجه من يدعي العرفان, ذلك أنه في قرارة نفسه سيساوي بين الأديان, ولا يصرح لأن مغبة التصريح عالية الكلفة , ستختلط الاوراق كلها وسيدعي كل هب ودب أنه عارف, والعرفان درجة نبوة قدْرا لا أجرا, فتخيل الطوفان. هناك تفاوت بين الناس وإن كان كل إنسان له حظُّ من تجلٍّ إلهي ما, أحلاما أو إلهاما (ولو كان فرعونا). ولذلك ? في ما أرى ? أهمية التصديق بنبيٍّ واحد واتباع منهجه العام, ولا غضاضة فالتجارب متماثلة وتتفاوت عمقا وجلاءً, وعليه فإن تصديق عيسى أو محمد يعني التأكيد على المعرفة الممنونة والالتزام بالتعاليم ذات المصدر الواحد. وهذان الأمران, التصديق والتأكيد , لا يعطلان عملية التناجي مع الذات العلية, بل يعمقانها. ومن هنا كان معنى الصلاة والتسليم على الأنبياء والمرسلين. ونسي الناس ذلك, فصاروا يعظمونهم باعتبار انهما مقدسان, وهو غلط. فالتعظيم لبشريتهما المتفردة بفضل سماويٍّ ومن وباتباع منهجهما (مع بقية الانبياء والمرسلين ومن طرح أمر التكديس وحب التراث من الصالحين, ومقياس الصلاح هو السعي لمنفعة الناس والزهد في متاع الحياة (الاكتفاء بالضروي وحده)) وأقول منهج متحاشيا منهجين ومناهج لأن المنبع واحد والموحي واحد. أما الاستقبال فيختلف باختلاف الازمنة والامكنة وهو في ما عُرِف بالشريعة. الشريعة تتطور تتبدل وفق ضوابط المنهج الذي لا يتغير, وليس خبطا أو اتباعا اعمى, وبخاصة اتباع اللاحقين في ما ليس فيه وضوح ونص واضح . وهذا يعني أن لا يتوقف الايحاء عند فترة زمنية معينة. لأن التوقف في فترة معينة يجمد الزمن الراهن في زمن ماضٍ, ويسميه البعض بـ “الرجعية” وافضل عليها “التجمدية أو التوقفية”. تجارب الناس الحالية تصب في تجديد القانون (الشرعة) المنضبطة بالاستقاء من المنهج الواحد بغض النظر عن اجتهادات القدماء ومن تزيا بزيهم اليوم. اولئك الذين (ليسوا كلهم, إذ فيهم صالحون ومجتهدون قلة بسبب طريقة تلقي العلوم المتجمدة أيضا). اليوم اليوم يوجد مُحدّثون ملهمون يجب أن يؤخذ بآرائهم لضمان استمرارية المنهج نفسه, وإلا هجر الناس لأنماطٍ من أديان شخصية ربما يكون فيها شيئ من الهام وكثير من لبَسٍ أو إنكار, ومنه ظاهرة ما يسمى بالارتداد التي ازدادت مؤخرا

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. السلام عليكم وكل عام وانتم بخير انت وين ياراجل الوطن على وشك ان ينهار تماما يا ابو مروة افزعونا قبل فوات الاوان البلد محتاجة للكلمة القوية وانت تملك قوة هذه الكلمة اكتب عن الوضع الراهن

  2. روعه انتقاء الكلمات المبدعة التى صغتها تعبيرا عن اشياء تجوش فى خاطر اى شخص جعلنى اقول ان لدينا كتاب مبدعين فى المجال الاسلامى المفيد والذى يذيد درجات الايمان وترسيخ العقائد وهو ما نبحث عنه دون الخوض فى السياسات والكتابات الغير مفيده اسال الله لك التوفيق ومذيدا من الابداع ….انا من اليوم صديقك عبد الماجد…

  3. إقتباس:
    الانسان قوي الذهن لا يهدأ إلا بمعرفة ولذلك قال احدهم (من النصارى) “أنا لا أؤمن, أنا أعرف” …

    تعليق:
    إذا لن يهداء هذا الانسان أبداً لأنه مهما تفذلك وتفلسف فلن يفهم أشياء كالروح أو حتى العقل الذي يستخدمه للتفكير، دعك من بقية الظواهر الكونية أو مما يعرف فلسفياً بالميتافيزيقيا أو ظواهر ما وراء الطبيعة.

    وعلمياً (وفقاً للمنهج العلمي للبحث) فلا يمكن معرفة كل شئ، والمعرفة دائماً جزئية يليها الاستدلال للوصول الى نتائج اخرى، ولذلك وجد ما يعرف بالاستدلال والقياس في المنهج العلمي، والتي تعني بانه وفقاً لمعطيات معينة تمت معرفتها يتم التسليم (الايمان) بمعطيات او نتائج اخرى. فإذا كان الامر كذلك في الظواهر الكونية والاشياء المادية فكيف يقول عاقل بأنه لن يقتنع الا بمعرفة كل شئ عن خالق كل الظواهر الكونية ولن يكتفي بمعرفة بعضها للوصول (الاستدلال) الى الايمان الكامل بهذا الخالق والتسليم لما يريده!

    إقتباس:
    وفي قضية العرفان قلت: هناك تفاوت بين الناس وإن كان كل إنسان له حظُّ من تجلٍّ إلهي ما, أحلاما أو إلهاما (ولو كان فرعونا)…

    تعليق:
    من الغريب ربط العرفان بالله بالحديث عن امور التجلي وغيرها من الغيبيات والامور الباطنة بدلاً عن الايات الظاهرة التي اوجدها الخالق للاستدلال به مثل الايات الكونية وخلق الانسان والحيوان وغيرها من الايات. العرفان يكون بالتأمل بهذه الايات ثم الالتزام بما في الرسالات التي بعثها الخالق للبشر عبر الرسل والتي ختمت برسالة خير الخلق صلى الله عليه وسلم، وبناء على هذا الالتزام فقط يكون فضل الله على عباده في إنارة الابصار وزيادة العرفان، وليس بناء على ظواهر باطنة وغير ظاهرة كما يقول اصحاب المذاهب والافكار الباطنية.

    إقتباس:
    ولذلك ? في ما أرى ? أهمية التصديق بنبيٍّ واحد واتباع منهجه العام, ولا غضاضة فالتجارب متماثلة وتتفاوت عمقا وجلاءً, وعليه فإن تصديق عيسى أو محمد يعني التأكيد على المعرفة الممنونة والالتزام بالتعاليم ذات المصدر الواحد. وهذان الأمران, التصديق والتأكيد , لا يعطلان عملية التناجي مع الذات العلية, بل يعمقانها.

    تعليق:
    هذا الكلام يتناقض مع كافة الاديان وليس الاسلام فقط، فالمسيحية مثلاً تقول بأن من لا يؤمن بالخلاص فهو من أهل الخسران والضلال وبالتالي فالمسلم حسب معتقدهم من أهل الضلال ولا علاقة له بالتناجي مع الذات العليا كما قلت، ونفس الامر في اليهودية أو حتى البوذية. وعليه فهذه الفقرة قد تصح في سياق تاريخي (بمعنى المؤمنين بكل نبي في زمنه) ولكنها لا تصح اليوم بعد نزول الرسالة الاخيرة، وتكون بهذه الحالة مبنية على مفهوم “وحدة الاديان”، وهو سفسطة تتعارض مع الاسلام بل ومع كافة الاديان والشرائع الاخرى سماوية وغير سماوية.

    أتفق مع ختمت به المقال في الفقرة الاخيرة من ضرورة الاجتهاد (وفقاً للمنهج) وعدم الجمود او الاتباع الاعمى، واضيف الى ملاحظتك عن تنامي ظاهر التكفير ملاحظة اخرى مرتبطة لحد ما بهذه الظاهرة وبزيادة التطرف الديني عموماً، وهي ظاهرة التطرف اليساري (المادي) الناتج عن ازدياد عدد الخائضين في الدين والمتفذلكين في قواعده دون الالتزام بالمنهج الذي اشرت له بمقالك ووفقاً لنظريات فلسفية وغيره من النظريات التي قد تصلح لعلوم اخرى ولكنها لاتمت لهذا المنهج بصلة ولا تصلح كأداة للخوض فيه!

    ملاحظة أخيرة: التجديد لا يعني الغاء كل ما هو قديم، فالغرب كمثال قد وضع تشريعات موجودة حتى اليوم مبنية على تجارب السابقين مثل تلك المتعلقة بعلاج قضية العبودية، ولم يقول أحد منهم بضرورة الغاء هذه التشريعات لانها مرتبطة باحوال وتجارب السابقين فقط ولا توجد اليوم، لأنك إذا الغيتها فستفتح الباب لعودة هذه الظروف والتجارب السابقة مرة أخرى، ولذلك ليس كل ما أستقيناه من السابقين يلغى بحجة التجديد وعدم الجمود هذه، والمرجع كما تفضلت أنت هو المنهج والذي هو القرآن والسنة في حالة المسلمين.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..