كل عام وأنتم بـ(خير)!!ـ

إنقضى شهر رمضان المعظم، وجاء عيد الفطر المبارك، بأمنية تتكرر في كل مناسبة دينية وغير دينية في السودان.. تختلف في العبارات ولكنها دوما بذات مضمون: (كل عام وأنتم بخير).
الإسم المذكر من (خير) جمعه (خيور) والصفة تُجمع على أخيار بينما الإسم المفرد المؤنث (خَيْرَة)، في حين أن (خيِّرة) بكسر وتشديد الياء هي صفة المؤنث السالم.
الـ(خير) مفرد يشير إلى جمع، مثله في ذلك عِـلـْم وورع، وعلى الرغم من ذلك، فإن المعني بالـ(خير) في جوهر هذه التمنيات ليس خيرا واحدا فردا ليشير إلى خير المال أو خير الصحة وخير العافية على سبيل المثال، وإنما هو خير شامل يتسع للتمني ويزداد به.
إذا فالخير في الأمنية يشير إلى الخير الذي تعنيه حالة الرفاه (Well-being). والتي تُشرح بكون الشخص أو الجماعة في حالة إجتماعية، إقتصادية، نفسية، روحية أو طبية؛ تكفي لشعوره بالسعادة. والرفاه هذه ليست (الرفاهية) المتعارف عليها عند العامة، تلك التي تشير إلى النعمة الزائدة وحال طبقة هي الأقلية من الشعب السوداني؛ ولا هي الترجمة الأصح للمصطلح الإنجليزي، وإنما هي الوضعية الإنسانية التي تسمح بوصفها بالـ (كريمة) والتي تتحقق عند توفر الشروط اللازمة المتواضَع عليها كحقوق أساسية لكل إنسان في العالم وفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948؛ بعبارة أخرى: هي الحال الذي يجعل من الإنسان كائنا حرا له فقط حقوقه الأساسية ويتمتع بأدنى إمتيازاته الإنسانية. وبعبارة أخرى كذلك: هو الخير الذي تتضمنه أمنية كل عام وكل مناسبة سعيدة في السودان. ولا علاقة بين الحرية المعنية هنا وبين الإستعباد أو الرق كما قد يتبادر إلى الذهن، وإنما الحرية في ممارسة الحقوق مثل التعبير والإعتناق وما إلى ذلك. الرفاه الإجتماعي، ذاتيا كان أو موضوعيا (Subjective and objective)، هو الغاية التي تسعى كل المجتمعات لتحقيقها، وهو الحالة التي يتم فيها تلبية احتياجات الناس الأساسية بحيث يصبحون قادرين على التعايش السلمي في مجتمعاتهم مع وجود الفرص للترقي والتطور. وتتميز دولة الرفاهه بالمساواة في الحصول على الخدمات وتقديم الاحتياجات الأساسية من ماء وغذاء ومأوى وخدمات صحية، بجانب توفير التعليم، وعودة أو إعادة توطين النازحين بسبب الصراعات أو غيرها، واستعادة النسيج الاجتماعي والحياة المجتمعية… إلى غير ذلك.
بالنسبة لمجتمعات الصراع والمجتمعات الخارجة من الصراع، فإن تحديات الرفاه الأساسية تتمثل في الأزمات الإنسانية التي خلقتها الصراعات السابقة والحالية وأضرارها الهائلة على المواطنين. هذه الأزمات تتراوح ما بين الصراع على المياه، الغذاء، نقص المأوى، تشريد السكان على نطاق واسع، وغياب الخدمات الصحية الأساسية، من بين العديد من تحديات الأخرى. نجد أن الكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة يشمل قطاعا ذو تأثير معنوي إذ يتجاوز المتضررين من هذه الإثار نسبة تزيد عن الخلال صراع تتفاوت أشكاله وظروفه، وقد نتج عن هذا (في السودان) عن نسيج إجتماعي ممزق يهدد السلام الشكلي والهش الموجود اليوم. تشير الأرقام إلى أن حوالي 7% من الشعب السوداني تعيش في معسكرات إغاثة، ونحو 1,7% في معسكرات إغاثة في دول الجوار (تشاد وجنوب السودان). هذا غير أولئك الذين يعتبرون خارج إطار عد الإحتياج الأساسي للحياة، وهم الذين يعانون من نقص واحد أو أكثر من مقومات الحياة الكريمة ويقدرون بحوالي 60% من الشعب السوداني. وهذا، كذلك، غير من قضى نحبه أو هاجر طلبا لعمل أو لجوء. في الوقت الذي قدرت فيه الأمم المتحدة إحتياج السودان الإنساني المالي (العاجل) ليصل به إلى مرحل عدم الإحتياج (وهذه لا علاقة لها بالإكتفاء) بمبلغ 984 مليون دولار تم توفير 39,1% منها أي 385 مليون دولار بمعنى أن السودان ما زال يحتاج إلى 599 مليون دولار ليصل إلى الصفر المعنوي!! وحتى يتحول هذا المليون دولار إلى صورة غير خيالية (كما هو دائما) دعونا نتخيل أن أسطول العربات بالقصر الجمهوري السوداني يتكون من خمسمائة عربة، وأن كل واحدة منها تحتاج في اليوم لمائة جنيه سوداني (جديد) كمنصرفات شاملة الوقود والصيانة والسائق والإهلاك، فإن المليون دولار هذه يا سادتي تكفي أسطول القصر الجمهوري المكون من ستمائة وخمسين عربة هذا لمدة ألف وثلاثمائة يوم كاملة أي خمس سنوات بالتمام دون حساب العطلات الرسمية غير الجمع. وبسعر صرف الدولار بستة جنيهات ونصف فقط.
كذلك تشير أرقام آخر تقرير لأوشا عن الفيضانات في السودان والصادر بتاريخ أمس 6 أغسطس 2013 إلى أن 14,367 منزلا قد تم تدميرها وأن 98,551 سوداني قد تأثروا بسيول وفيضانات هذا العام منهم عشرات القتلى لم يتم حصرهم بالكامل حتى الآن.
فأين هو الخير؟ وأين هو الرفاه أو الحرية التي نظن أنها في طريقها للتحقق؟
بالتأكيد فإن هذا المقال غير معني بالإستجابة الحكومية لمجابهة كل ما تم ذكره أعلاه، فهي مسبب فيه بشكل مباشر وغير مباشر. وإنما هو معني تماما بالإستجابة غير الحكومية. معني (بنفير)، معني قبلها بـ(شارع الحوادث)، وقبلها بـ(معلمون بلا حدود)، وغيرهم وغيرهم ممكن أيقنوا أن سواعدهم وحدها هي التي تجعلهم بديلا منطقيا ومقبولا لسؤال غبي عن من هو البديل.. أيقنوا أن المدارس لن يتم تعميرها إن لم يتحرك المواطنين أنفسهم لإصلاح حالها، فكان التغيير الإجتماعي في وعبر تعليم بلا حدود. تأكدوا أن هناك من يمكن أن يموت حين ترفض المستشفيات علاجه إذا لم يدفع ثمن المحلول الوريدي فكانت جماعة شارع الحوادث. وعرفوا إن الشعب السوداني سيغرق ويمرض ويجوع إن لم تمتد أياديهم بالمساعدة التي لن تجود بها حكومة ولاية أو محافظة أو محلية، فكانت جماعة نفير. نفير التي يمد الدفاع المدني المتصلين لطلب المساعدة أو للتبليغ عن حالة طارئة بأرقامها بدلا من القيام بدوره في حماية وخدمة المواطنين، نعم سادتي، تحول دور الدفاع المدني ليكون حلقة وصل بين الشعب ونفسه، بين المواطن الذي يطلب المساعدة والمواطن الآخر الذي يقدم المساعدة. وبحكم تواصلي مع بعض القائمين على أمر النفير، ومعرفتي للطريقة التي تدار بها الأزمة التعامل مع الحدث، فكلي ثقة من أنها نقطة التحول التي ينتظرها الشعب السوداني، وأن الطريقة التي يدير بها الشباب تفكيرهم تجاه مشاكلهم الإجتماعية، هي التي سترسم ممر الخروج من حالنا المؤلم الراهن، لا الحكومة، ولا المعارضة، ولا الضغط الدولي، وإنما الشباب الذي صقلته محصلة عمل منظومات المجتمع المدني طوال العقود الأخيرة من عمر السودان، والذي بدأ يستكشف ويستشعر ما تعنيه وما يمكن أن تصنعه وحدته.
هذا هو الخير الذي يأخذ هذا العيد طعم الأمل ولون الرجاء وحس الغد المختلف. وهذا هو الخير الذي نأمل أن يتحقق، وإنه لمتحقق وفي قريب وعاجل.
وكل عام وأنتم بـ (خير)
هشام عبيد
[email][email protected][/email]
كل عام وأنتم .. ونحن بـ(خور)
يعودو عليكم بالخير واليمن والبركات
وعلينا .. بالطين , والباعوض .. والإسهالات
أذكرونا , وبالله ما اا .. تزورونا
فقط أذكرونا .. وأنتم تنعمون بالدفء والوجبات الساخنة فى هذه الأيام المباركات ..
مواطن ..
قبايل العيد .. بيتو وقع.