دمار

على حين غرة
ضُرب حصار حول المدينة
إستيقظت حاضرة البلاد على دوي زئير القنابل والصواريخ !!؟…..
هب “حكيم” من نومه حائراً
هاتف “عطا”
جاءه صدى صوت “روضه” بعيداً وغائراً
عجز عن تجميع مفرداته لتكوين جملة مفيدة !؟؟….
سقطت سماعة الهاتف من بين أصابعه
أرتدى ثيابه عجلاً
أمر سائقه بإخراج السيارة
أبق أنت هنا .. سأقود السيارة بنفسي
تراجع السائق ثم أغلق الباب خلفه
من الوهلة الأولى
لم يصدق “حكيم” عينيه
صدمته الوقائع !!؟…..
أخرست لسانه الأهوال
كل هذه الأحداث الجسام
جميع هذه الأفاعيل
تلك الفظائع والبشاعات
ذلك الدمــــــــــــار
هذا الجحيم
لعله يوم الحشر !!؟؟….
لم تبق بناية قائمة
جثت الموتى تغطي الأرصفة وقارعات الطريق
أكان زلزالاً ؟
ما زال دوي القنابل يُسمع عن كثب
أرتال الصواريخ تمحو “المنشية” عن وجه البسيطة !!؟….
عقب سحق “الجريف” وجعله أثراً بعد عين
كانت مقدمة سيارته تصطدم بجثث الموتى
بينما تتلطخ إطارتها ببقع الدماء الحارة
ضغط ” حكيم ” على دواسة البنزين فرأى يداً مرفوعة !!؟…..
سرعان ما نقل قدمه إلى الكابح
كادت كتلة الحديد أن تنقلب رأساً على عقب ……
تبين له أن أحدهم لا يزال حياً
حمله في عسر
وضعه على أحد المقاعد الخلفية
شق طريقه نحو حي المطار
رأى عجباً !!؟؟…..
يبدو أن العدو غزا البلاد عبر المطار
أنصهر اللحم البشري مع الحديد والطوب والأسمنت !!؟؟؟…..
رائحة الشواء الآدمي تزكم الأنوف
واصل سيره دون تفكير ….
تعدى بسيارته كُبري المسلمية
أقترب من المستشفى الجامعي
تذكر الرجل القابع على المقاعد الخلفية
هـــــبــــط
فتح الباب
كان الرجل يجود بأنفاسه الأخيرة !!….
جرّ الجسد البارد وتركه أمام بوابة المستشفى ….
أنطلق إلى شارع القصر
كان الدمار يلف أرجاء المدينة
تخطى تقاطع شارع الجمهورية مع شارع القصر ….
لم تستوقفه شارات ضوئية حمراء !!؟…
ولا رجل مرور !!!…..
*****************************
فكر أن يعبر جسر النيل الأزرق لتفقد أحوال “عطا” وأسرته
علم من مكبرات الصوت أن كل الجسور قد دمرت تماماً
بما في ذلك الجسر الجديد
ركن سيارته بجوار إحدى أشجار “اللبخ”
كان شارع الجامعة عبارة عن آثار “كوشية دراسة” !!؟….
ما أحاره ؟
إن من ظل حياً ما برح ضالعاً في قتال غريم الأمس !!؟…
كان قتالاً شرساً وضارياً
تُستخدم فيه الأسياخ والهراوات
نفذ في لأي إلى شارع النيل
أتجه مباشرة صوب ” المقرن”
زحف زحفاً…….
ثمة عوائق تحيط به من كل جانب
سيارات معطوبة
جثث متفحمة
إنهيـــــارات
تقويض
دمــــــــــــــــــــــــــــــار شامل !!؟….
المقاهي الصغيرة
مطاعم الوجبات السريعة
على طول شارع النيل
كلها سحقت سحقاً
متحف التاريخ
فندق الهيلتون
جسر النيل الأبيض
*************************
كيف السبيل إلى البقعة؟
أمات رغبته في الوصول إلى بر الأمان سباحة ….
حينما أبصرت عيناه المفتوحتان على سعتهما النيلين ينزفان دماً !!؟…
وقد استحال اللونان الأزرق والأبيض إلى أحمر قانِِ ….
تطفح الأجساد المنفوخة على سطحيهما
تتناثر السوام والطيور النافقة على ضفتيهما ……
تحني الأشجار هاماتها
وبقية الأحياء المائية تطفح
كالقئ خارج جوف النيل
تُصادر حركة حرية الرياح
تسكن الأشياء……
تتشيأ الكائنات !!؟…..
توصد السماء أبوابها
تغادر السحب الفضاء
تنقشع عن وجه الشمس
ينقطع هدير الرعد
يموت وميض البرق
تسكن الحياة تماماً !!؟…..
************************
يعود لـــ (حكيم) وعيه
يفيق لماماً من هول الصدمة
يتماسك ……
يستعيد رباطة جأشه
يرى الأحداث بعيون محايدة
يغادر المضمر
يسكت عن المُغيب
يخفي المخبوء !؟….
يهيل التراب على الكامن ……
يدير موتور السيارة
ينطلق عائداً ……
يمر بالقبة الخضراء
بميدان الأمم المتحدة
بالسوق العربي
بميدان ” أبو جنزير”
يشهد بأم عينيه الفاضح من المشاهد اليومية !!؟…
الشرطة تلاحق “الشماسة”
الجنود يطلقون النار على المسيرات السلمية !!؟…..
كتائب مكافحة الشغب يعتقلون حملة المشاعل …..
رجال الأمن السياسي يطاردون فصيل المعارضين !!؟….
الصبية والشباب يُحشدون اكتظاظاً في الشاحنات !!؟….
السابلة يحملون أثقالاً تنوء بها كواهلهم
الأمهات الثاكلات يلطمن وجُهوهن
ويهلن الرماد على رؤوسهن !!؟….
تتوالى الأحداث والوقائع والأهوال
أمام ناظري “حكيم” كشريط سينمائي
تقف السيارة أمام بوابة المنزل
يترجل “حكيم” مستلباً !!؟….
يضغط الجرس ضغطاً متواصلاً
يتعالى الرنين !!؟….
ينهض “حكيم” من سباته العميق منزعجاً
يكتشف أن “عطا” هو قارع الجرس !!!؟؟…