إبتسم للصورة .. واحتفظ بها ..!

لن أنسى أبداً تلك الغبطة التي غمرتني وأنا اذهب للأستوديو في مدينة الحصاحيصا لإلتقاط الصورة الأولى في حياتي في منتصف الستينيات.. ولا أستطيع مهما طاوعتني الحروف وأستجاب شريط الذكرى أن استعيد ذلك الشوق الذي تملكني أسبوعاً كاملاً وانا أحتفظ بإيصال الإستلام حتى تهتك في يدي ..إذ كان التحميض يتطلب ذلك الوقت سفراً الى الخرطوم بالبريد عبر البص السريع أو بواسطة القطار المحلي !
من يومها أدركت أهمية وقيمة الإحتفاظ بالصور ..حتى صارت عندي منها حصيلة ، باتت الأن خارج ملكيتي الخاصة وهي تسبح في فضاءات الأسفير وهو أمر لم يخطر على بالي ، فقد كنت أظن أن التلفزيون سيكون هو خاتمة الإبداع البشري في عالم إختراع الصورة المتحركة .. ولست أدري ما الذي سيطرأ بعد ذلك في حياتنا أو بعد أن نذهب ، و لكن ستظل الصورة من بعدنا أثراً هاماً نخلفه للأحفاد !
قابلت في السنوات الأولى من إقامتي بدولة الإمارات صديقاً علمت أنه كان من أوائل المصورين بها .. وكانت الصور الملونة في بداية عهدها وتحديداً فترة السبعينيات ترسل الى لندن للتحميض ويستغرق ذلك الأمر خمسة واربعين يوماً كاملة !
وفي بداية الثمانينيات أراد الرجل أن يوسع من أعماله ، فذهب الى إحدى الدول الأفريقية لإفتتاح محل للتصوير هناك .. وحينما علم رئيس البلاد بأن الزائر يستطيع تحميض الصورة الملونة في اقل من ساعة وتسلميها لصاحبها ، أمر الرئيس باحضار الرجل الساحر ليعبر له عن دهشته البالغة وقد كانوا يرسلون سالب الصور الى باريس في رحلة تمتد الى شهرين وبتكاليف باهظة !
ياترى كم من الصور ضاعت منك في دهاليز الزمن وسقطت عن كنانة الغفلة المثقوبة ، وتركت الحيرة مرسومة في صفحة حسرتك وأنت تبحث عنها خلف ضباب الماضي تخيلاً لتفاصيل شكلك وقسماتك القديمة التي بدلتها صروف العمر وظروفك الصحية وغشتها تجاعيد التقادم !
وأنت تردد بينك وبين نفسك ، ليتك إحتفظت بكل لقطة في حياتك لتبتسم لها خلف الدمعات وأنت تجتر لحظة التقاطها.. لأنها مهما كان الفرق بينها وواقعك الحالي .. فهي في النهاية تمثل الحقيقة !
كل سنة وأنت طيب أيها الرجل الجميل !