في ظل المعرفة

* (تعلموا العلم، فإن لم تنالوا به
حظاً فلأن يُذَمَّ الزمان لكم أحب إليّ من
أن يُذَمَّ الزمان بكم..)
– سقراط –
.. ربما وبداع لغوي، اختلطت المعاني التي تقودنا لتسمية الأشياء بأسمائها، ولا يهمنا هنا أن يكون الوضوح والفهم خاصاً بشريحة اجتماعية يمكن إطلاق أسماء مختلطة عليها منها المثقفون والمتعلمون والذين يعلمون، بحيث يتساوى المعنى عمومياً، بل المقصود هنا العموم الاجتماعي المسؤول عن تنفيذ مقتضيات المعرفة أو العلم أو المعلومات أو التعليمات، وعلى هذا العموم الاجتماعي يتم الاعتماد من أجل أن يكون لهذه المقتضيات معنى عملياً حاضراً في الأداء الاجتماعي. وبالتالي استيلاد القوة من مهارة ممارسة المعرفة، وليس مجرد العلم بالمعلومات والمعادلات والخبريات، فأن نعلم أو يتم إعلامنا شيء، وما يترتب على هذا العلم شيء آخر.
من هنا تبدو قوة المعرفة متضمنة لمعرفة المعرفة ذاتها، فلا يكفي أن نعلم (يقال نعرف أيضاً) أن أبجدية البجراوية هي أبجدية ألف بائية أولى في تاريخ وادي النيل، إذ ما نفعل بهذا العلم هو ما يحدد معرفتنا به وليس مجرد علمنا، فما الفائدة أن نعلم؟.
المعرفة التي تؤدي إلى القوة هي تحويل المعلومات إلى ممارسة، والممارسة عملية ارتقائية تطورية يحدوها الاكتشاف والتأليف والإبداع، أي بالمختصر المفيد (الإنتاج)، وعبره نستطيع معايرة القوة عبر تأثيره في الحياة الاجتماعية (السياسة الاقتصاد، الحقوق، الثقافة) ذات التشابك المعرفي، إذ كيف يمكننا اكتشاف قوة المجتمع دون معايرة أو مقارنة، أي وبالمختصر المفيد أيضاً (النقد) وهكذا تتمظهر المعرفة ككيان واضح تغذيه المعلومات والاكتشافات والمبادرات والإخلاص والعزيمة الصادقة، للقيام بدورها الوطني في الاستمرار ومقاومة الفناء، وما يعني ذلك من شبع وأمان ومنعة.
المعرفة في شقيها المشخص والمجرد، هي امتحان للمجتمعات بعمومها، فإما مقدرة على تنفيذ وممارسة استحقاقاتها، وما تعني هذه المقدرة من جهد ونضال ورؤية مجتمعية واضحة، خصوصاً بما يوفر اجتماعية العيش الإنساني، وإما كلام وتنظير وتباه بالعلوم والأخبار على أنها منتهى الواجب الإنساني تجاه العيش، ما يقدم سكونية تحسب على الخراب الاجتماعي أكثر من حسبانها على الجهالة التي لا تضر.
فالعلم الذي لا يتحول إلى معرفة كي نتمكن من معايرته هو جهالة ضارة لأنه يفوت علينا أسباب القوة.
اليوم هل يواجه السودان الوطن مشكلة في المعرفة على الرغم من كثرة العلم وانفتاحه على أصقاع الدنيا؟.
ما يشهد هذا الوطن من تراجع عن مستويات الخير المجتمعي، يفصح عن معرفة منفصلة تماماً عن الاستحقاقات المجتمعية المطلوبة للعيش في المستقبل، حيث نفتقد إلى (وصلة) المعرفة الضرورية لمعايرة الضار المجتمعي قبل النافع، لتبدو ممارسة المعرفة نوعاً من الهدم قبل أن يلحق سوس الجهالة بالأسس المجتمعية.
من طباع المعرفة الأساسية هي الحياد، فلا أعذار أو محاذير ولا إستثناءات، ولا شتائم أو هجاء أو مديح، في تشخيصها للحال المجتمعي، لتبدو ممارستها كفعل موضوعي بعيد الخيرية والتطوع والتبرع.
والآن هل يمكننا ملاحظة الفرق بين العلم والمعرفة؟ ضمن احتياجنا الأكيد للوعي الايجابي؟ ربما.. وربما تكون معلوماتنا الصحيحة والكبيرة عن مملكة كوش ونبتة ومروي والملكة كدنكة (مثلاً) تؤكد غزارة علمنا، ولكنها…!.

د. نائل اليعقوبابي
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..