بين الخريف السوداني .. وطائرة الريس

ليس فقط على وزن الربيع العربي.. فالسودان ظل عصياً على الإتيان بالربيع العربي ، لكنه فشل في درء كارثة ليست الاولى في تاريخه ، كما فشلت المعارضة السياسية جرجرة اذياله، رغم أن أطرافه إما منفصلة كجنوبه أو تصارع للاستقرار كدارفور، مما أرهق كاهل المواطن الأغبش.. هل يرجع ذلك لقبضة الجالسين على مقاليد الحكم.. أو لمعارضة ما انفكت تطلق تصريحات لا يحسبها المتلقي إلا فضفضة وإخراجاً للهواء الساخن من الصدور، لأنها غادرت اهتمام المواطن الذي يصرف جل وقته للقمة العيش، في وقت ارتفعت تكاليف “قفة الملاح” وضرورات العلاج والتعليم لأرقام فلكية مع التردي العام في الخدمات..

? الخرطوم وضواحيها لم تنم الايام الماضية ؛ قضى غالبية الزولات ليلتهم في ملحمة نفير شعبي يحمون صغارهم ونساءهم وحيطان منازلهم واسقفها من انزلاق جرف الممتلكات والحيوانات والجهال وصرت الملاح والهديمات ، وغرقت البلاد في “شبر ميّه”.. سيول جاءتها من الجبال والاودية والجحور العشوائية التي يسكنها الغلابة ملح الارض ، وأمطار غزيرة استمرت ليومين في ظل بنية تحتية متهالكة في قلب العاصمة فما بال الاقاليم؟ فحدث ولا حرج.

? العام 1988 أعلن السودان موطن كوارث، بعد ان اجتاحته فيضانات وامطار، ووقتها وصلته معونات دولية واقليمية ومن الاشقاء العرب محملة بالمواد الاغاثية ؛ بما فيها رغيف الخبز!! ففي ذلك الزمان كانت النساء يشعلن الفحم والاخشاب لطهي الطعام قبل الاكتشافات البترولية التي ادخلت الغاز للمطبخ السوداني العتيق ، ولكن “يا فرحة ما تمت” فقبل الانضمام لنادي النفط دخلت البلاد في مناوشات مع الجار “المنفصل” الغني بالذهب الأسود، فاختلطت الأوراق وتدحرج الاقتصاد لدرجات متدنية يدفع ثمنها “الغُبُش” ملح الأرض في كلا البلدين اللذين صفقنا لخياراتهم الحضارية بانفصال حريري ولكن …

? 25 عاماً منذ كارثة 1988 الشهيرة.. وقرابة الـ 60 عاما من عمر الاستقلال وما زالت بيوت العاصمة تقضي حاجتها وتفرق “قاذوراتها” في آبار يشيدها ملاك المنازل ، كيفما كانت امكاناتهم المالية، وما أن تعاقدت ولاية الخرطوم لإنشاء شبكة صرف صحي بثالث مدن العاصمة المثلثة وبإحدى أعرق الأحياء المكتظة بالسكان اختلط “الماء العذب بالنجس” لعدم المتابعة المنضبطة، رغم ان المهندس السوداني مشهود له، ولكن غالبية الكفاءات هجرت البلاد، او هم مبعدون عن مواطن القرارات و”كيكة” العطاءات التي ترسي على شركات لنافذون او اصحاب حظوة ” وشيلني واشيلك ” .

? “25” عاماً كانت كافية لعمل خريطة لعاصمة عصرية لها تاريخ عريق وسط عواصم العالم وبمصارف صحية تحت الارض وجسور وكباري فوقها وشوارع مسفلتة بمواصفات علمية طويلة المدى قصيرة التمدد وبحسابات الجودة ، ولكن مع خرير سيول ليلة السبت انكشف المستور، وبدلاً من فتح غرف للطوارئ وأخريات لتدارس معالجات جذور المشكلة يستدعي لها الخبرات من بياتها الاجباري او من بلاد المهجر وما اعظمهم واكثرهم وعلو شأنهم ، طاف الريس بمروحية مبرراً الإخفاق وعدم الاستعداد المتقن؛ بأن الأمطار والسيول فاقت التنبؤاءت !! في الوقت الذي جلس حاضنو الكيبورد “المعارضون” لتفنيد لماذا منعت السعودية طائرة الريس من العبور للمشاركة في تنصيب رئيس ايراني منتخب ، وكأن مشاكل البلاد ستحل بالقبض عن الريس المتخفي من المحكمة الجنائية.

? إن كانت حادثة عبور الطائرة عرضياً، فان الخريف مكرر ضمن فصول السنة واجهزة الارصاد الحديثة تقدم قراءات منضبطة ، انه يحصد الأرواح وقوت العباد ويتلف البنية الهشة المتعوب فيها والمدفوع عليها من خزينة تتوجع ، وآثاره الصحية ممتدة في ظل بيئة فالته وكوش تئن بالقازورات والهوامل والحشرات ، وبرغم أن “الخريف والطائرة” لا يتشابهان، لكنهما يتوافقان في ان اصل مشكلة السودان عدم التحديد الدقيق للاولويات ، وتهميش الكفاءات لعدم الولاء السياسي ، وغض النظر عن أخطاء المحسوبين وأصحاب الحظوة، ووقوف المعارضة عند عتبات المناوشات السياسية على حساب الجلوس إلى كراسي التوافق الهادف لبناء الوطن..

? ستظل الخرطوم تغرق بخرير الماء، والطائرات تعود أدراجها وفي جوفها ريس مثقل بهموم الحكم والملاحقة الجنائية ، لان العضلات تراخت عن ضرب رقاب المقصرين ، ولارتخاء عضلات المعارضة التي لا تحسن إلا إخراج الهواء الساخن ، ومؤسسات مالية وشركات استثمار لن تتقن المسؤولية الاجتماعية لسوء الرقابة والتوجيه الحصيف للخروج من جبة رعاية حفلات المغناوتية وقت ” السكلي والنواح ” .. أما المواطن فيضيق صدره لهثاً وراء لقمة عيش جاف، ويضرب كفاً بكف “أين المفر؟” فالسيول تحته وأمطار غزيرة تنهمر فوق رأسه تموص حيطان ” بيتي يا ساتر عورتي ” وطائرات إنقاذ تحلق في السماء علها تمطر ذهباً، رغم أن السودان سلة لغذاء العالم.. وأنجز مشروعات عملاقة كسد مروي .. ولكن بوصلة الاولويات تختل وتتدحرج والكثيرون وضعوا في كراسي أكبر من احجامهم فسودوا وجه وطن جميل ..

ولأن حديث الإخفاقات يطول نقول.. آه يا وطن..

عواطف عبداللطيف

[email][email protected][/email]

اعلامية مقيمة بقطر

همسة: الأوطان التي تتقن التخطيط والتنفيذ المنضبط ، تسجل أسطرها ضمن الدول الحافظة لحقوق مواطنيها المحفزة لقدراتهم.

تعليق واحد

  1. العرب طلبوا من وزير الداخلية السيد ابراهيم يحدد احنياجات البلاد..قال ليهم علي الهاتف..بالتبادي..اهم شئ الديت..الاخاسه..و و لم يفهموا وسكروا الخط..

  2. يا اخت عواطف الهند الاختارت طريق الديمقراطية الليبراية ولم يحكمها عسكرى ابدا ومشت فى هذا الطريق رغم الاغتيالات السياسية لقادتها والمشاكل الطائفية والدينية حتى ترسخت الديمقراطية والتداول السلمى للسلطة وبقت قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية وامس شاهدت فى البى بى سى خبر يناء الهند لحاملة طائرات ورصدها لمئة مليار دولار لتطوير قدراتها الدفاعية والتسليح وهى الدولة الوحيدة بعد امريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا فى بناء حماملات الطائرات!!!!!
    خلينا انحنا فى السودان فى حكم العسكر واخيرا حكم الحركة الاسلاموية المافلحوا فى عمل مجارى وليس حاملة طائرات!!!
    ويجى بعد ده الجهلة والغوغاء والمتخلفين عقليا ويقولوا ليك الديمقراطية ما بتنفع وهم متخيلين ان تلاتة او اربعة سنين من الممارسة والحكم الديمقراطى كفيلة بجعل السودان مثل بريطانيا!!!!
    لكن ليهم حق انتى ما شايفة الدول الديمقراطية متخلفة كيف وان دول حكم العسكر متطورة كيف؟؟؟؟؟؟
    هسع الدول الديمقراطية قدروا يعملوا سدود وطرق وكبارى وطلغوا بترول او عملوا بناء هندسى زى برج الفاتح؟؟؟؟؟؟؟؟ اللهم لا اعتراض على حكمك!!!!!!!!!!!!!!!!!

  3. ولكن بوصلة الاولويات تختل وتتدحرج والكثيرون وضعوا في كراسي أكبر من احجامهم فسودوا وجه وطن جميل ..
    هذا هو بيت القصيد يا اخت عواطف عبداللطيف

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..