معقولة دنيا قمر ماتت ؟

ما كنت لأرضخ لرغبتي القوية في الكتابة لولا أيماني المطلق بأن الوضع عموما لا يحتمل والساكت عن الحق شيطان أخرس ، والتاريخ خير حكم يفصل بين الأشهاد فيما اختلفوا فيه من رؤى سياسية أو اجتماعية أو حتى دينية ، فقد تعلمت علي مر الأيام علي قول الحق حتى ولو علي نفسي ، ومما أذكر تجشمي مشقة ذلك أنني كنت علي حواف المراحل الدراسية المختلفة أترهب من قول الباطل وارتجف عند ناصية الكذب كأنما بيني وبينه بعد المشرقيين والمغربيين فقد نشئت علي الصراط المستقيم وتربية علي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، لقد أدبني ربي فأحسن تأديبي ، وساهم أبي وأمي بصورة أو أخري علي صناعة أخلاقي وجعلوا مني مصدر اعتزاز أفتخر بنفسي لطالما لا تشوب سلوكي شائبة من شوائب الدناءة ولا تنقصني شروط الشرف والفضيلة ، كبرت .. وتعلمت .. وولجت مدرج الحياة .. ثم برهة لا تأتي المصائب فرادي ! فيصر قدري أن يحملني علي كتوف الراحة ليهدهدني حتى أغفو كغيري من النفوس المتعبة علي وسادة أرض الكنانة واهبط كالطيف الجميل علي مصارع مصر أم الدنيا وأتقلب ذات اليمين وذات الشمال وحلمي باسط كفيه بالوسيط ، فاستيقظ مع المنادي الأول لأذان الفجر واجد جموع الشعب المصري تلبي صوت الحرية وتخرج لتعانق الصباح بمنتهي الرومانسية الشبابية ، فيصلي الناس صلاة الديمقراطية ويصوت القاص والدان علي اختيار أمام الشعب .. فيفوز مرشح الأخوان المسلمين .. وفجأة أري رؤوس الفتنة وقد أينعت وتطاولت كأسنمة البخت وأري مثلما يري النائم رجالا يحملون سياطا كأذناب البقر يلهبون بها جباه وصدور وجنوب الذين تداركوا مبكرا فكرة أن الأخوان لم يخلقوا ليحكموا ! بل وجدوا فقط ليزيدوا من سريالية المشاهد السياسية في الدول العربية ! هم علي قدر أهل القدر يقال والله أعلم تربطهم وشائج علائق بالدوائر المشبوهة وان كنت لا أحبذ الجنوح نحو الاتهام القائم علي التعصب العاطفي ، لكن أستطيع أن أجزم بناء علي نتاج التجارب السياسية التي خاضوها أنهم مخترقون من قمة الرأس حتي أخمص القدمين ! عموما لا يعنني هذا بالصورة الضرورية فكل ما أريد أن أبرزه كانت لديا صديقة يانعة كالزهرة المتفتحة ، فتاة بريئة في ملامحها حلاوة الشهد ورقة الياسمين ونضارة الأقحوان وبهجة الندي ، كانت بنت في الثالثة والثلاثين من العمر بهية الطلعة أقل ما يمكن وصفها أنها كانت تحاكي الملائكة خلقا وأخلاقا ، كانت كالحور العين ، صبية فرغت للتو من الدراسة فوق الجامعية وحازت علي درجة الماستر في الأعلام ، لسوء حظها صادف مرورها بشارع السيدة زينب علي بعد ألوف الأمتار من ميدان رابعة العدوية كانت تخرج من سوبر ماركت علاء الدين ، لم تكن تعلم أن القيامة قائمة بين الأخوان والسلطات كانت ترتدي ملابس حضارية عادية أدارت مفتاح سيارتها وتحركت نحو المنزل وفي منتصف الطريق اعترضها البلطجية وتفننوا في تعذيبها ، ضربوها كالحيوان بالسيخ والسنج علي مرآي ومسمع أهل الحارة الذين أكتفوا بالمشاهدة من البلكونات ، لقد قتلوها بدم بارد ! وقتلوا معها البراءة والحياء والجمال والحنان لا لشي سوي لأنها كانت تقف علي مسافة معقولة من الحياد ، لم تكن حزبية ولا تؤمن بالشعارات السياسية التي توظف لخديعة البسطاء كانت إنسانة واعية ومحصنة ضد مخاطر الغزو السياسي الذي يحبط من فكرة الحياة ، كانت تقول لي كل ما اتصلت لتسأل عن حالي : إياك والسياسة أنها سوق النخاسة ! إلا رحم الله صديقتي دنيا قمر بقدر ما كانت تحلم من عطاء إعلامي عريض يعود ريعه لخدمة مصر أم الدنيا والعالم العربي .

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الله يرحمها و يتقبلها قبولا حسنا مع الصديقين و الشهداء , و يلهمك الصبر على فقدها و لا تنسي أن تكثري لها من الدعاء

  2. ادبك ربك.حاولي كوني حذرة في اختيار الكلمات .هذه العبارة خاصة بالنبي علية افضل الصلوات.لان لة رسالة.ممكن تقولي ادبني والداي علي نهج الله وسنة نبيه.ياريت العبارات الحلوة دي دي تكون بامعان شويةوالبعد عن المبالغة حتي يستفيد القراء

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..