الذكاء الاصطناعي والذكاء الطبيعي

هو حالة الذكاء الاصطناعي الذى يكتسبه الحيوان ومرتبط بشرط..هذا النوع من الذكاء يعتبر غريزي..وغير ناجم من عملية التفكير المعقدة التي يقوم بها الانسان..من الممكن ان يرتبط الذكاء بالوعي اذا كان الشخص حر التفكير يخزن اكبر كمية من المعلومات عن هدف محدد ثم يقوم العقل التحليلي باستعراض المؤشرات السالبة والموجبة للهدف لاتخاذ القرار السليم..او استنباط الحقيقة
***
اما الوعي المرتبط بايدولجية محددة..دئما ما يكون وعي زائف ..حيث تلتصق المعلومة فقط على سطح العقل دون تحليل ..ويظل صاحبها يرددها كالببغاء..وهذه الالية التي يتم بها تغيب وعي الكوادر الدنيا في الاحزاب العقائدية(غسيل المخ) بارتباط شرطي..يحدد لهذا الكادر” القرد “من اين يستمد المعلومة من شخص محدد(تنوير) او اذاعة او فضائية او صحيفة الحزب ومحددة..اما ما عدا ذلك فعليه رفضه وبذلك يتم تدريب كلاب بافلوف الجديدة عل رفض الوعي نفسه بل كراهيته ايضا
والحالة النموذجية في السودان هي الشيخ حسن الترابي وتلاميذه..انهم يتوهمون حتى هذا اليوم بان الترابي هو العبقري الاوحد في السودان..لانه يفتقرون لاي مقاييس خارجية(يراميتر)..تحدد لهم ما هو الفشل وما هو النجاح ما هي الاخلاق وما هو عدمها وهكذا دواليك…
اما كلاب بافلوف اليسارية سواء كانت قومية او اممية..فهى تعاني من نفس الارتباط الشرطي بمرحلة منقرضة تسمى النظام العالمي القديم والشيوعية الدولية..ويسقطوها على مرحلة جديدة تسمي النظام العالمي الجديد وكراهية امريكا..وبكل نرجسية..يعتبرون كل ما يوجد خارج وعيهم هراء محض
***
نأخذ نموذجين لهذه الحالة(الذكاء الاصطناعي)..منبر السلام العادل ومعهد السلام الامريكي
من قرأ رواية دكتور جيكل اند مستر هايد يعرف تماما العلاقة بين منبر السلام العادل وحزب المؤتمر الوطني الحاكم،لقد عمل منبر السلام العادل على تنفيذ مخطط الأخوان المسلمين الأصلي الممتد من السبعينات 1978على فصل الجنوب السودان لأنه يقف حجر عثرة في طريق دولتهم الدينية المزعومة وتطبيق الشريعة الإسلامية،وعملت صحيفة الانتباهة على تقبيح صورة الجنوبيين في وعي كثير من السذج الشماليين وربطتهم بكل ما يحيق بالشمال من تردي اقتصادي وأخلاقي،استفاد أبناء الجنوب الانفصاليين من هذا النشاط المعزول والمغرض والعنصري لصحيفة الانتباهة ومنبر السلام العادل،في جعل خيار الانفصال جاذبا لجل أهلنا في جنوب السودان.ونجح منبر السلام العادل في فصل جنوب السودان بطريقة غير مباشرة..ولكن يكمن الفشل الحقيقي في مآلات ما بعد الانفصال في أن الجنوب في السبيعنات1978 ليس هو الجنوب في الألفية الثالثة 2011 . وان العالم في السبعينات ليس العالم الآن.وهذه احد أزمات الوعي الايدولجي المتكلس وهي عدم الإحساس بالتغيير عبر الزمن، ومر إيقاع الزمن الدوار وابتلع الزامر والمزمار وفعلا بدأت الناس تعرف أنهم لم يفقدوا الجنوب فقط كبشر بل أيضا كموارد نفطية كانت تعولهم بالوكالة عبر اتفاقية نيفاشا2005 واقتسام الثروة بعد تعطلت كل موارد الشمال والمرافق العامة في مسيرة الإنقاذ الفاشلة بشهادة من استيقظ من الأخوان المسلمين أنفسهم(راجع مقالات د.التجاني عبد القادر) ..وأضحت معادلة أما الجنوبيين أو الشريعة معادلة خاسرة وخاصة أن الخليفة والباب العالي رجب طيب اردوغان زار القاهرة أخيرا، معقل الأخوان المسلمين الأصليين الذين يستمد منهم أخوان السودان فشلهم واقر على الملا :-” بان الدستور العلماني لا يشكل أبدا عائقا أمام الأخوان المسلمين ولا يقدح في دينهم”.. وأضحت هذه الرؤية المتطورة للنموذج التركي تنتشر وتقتدي بها باقي الدول بما في ذلك تونس ،لأنهم يعلمون أن الاقتصاد هو العمود الفقري للمجتمع الفاضل وفقا لأصول القران(ارايت الذي يكذب بالدين*فذلك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام المسكين)سورة الماعون..وفقدنا الجنوب ولم نقبض سوى الريح في الشمال واشتعال الحروب مرة أخرى في الهامش الثاني/الأقاليم..وتولد عدم استقرار اقتصادي وسياسي وانكشف المستور برحيل الحركة الشعبية جنوبا..وقد عرف الناس الآن أن الأمر لم يكن سوى”السترة والفضيحة متباريات”..السترة هي الحركة الشعبية والفضيحة متروكة لذكائكم..ووجد المؤتمر الوطني نفسه عالق في مخازيه ومشروعه الميت سريريا وأضحى يتخبط كالغريق ويتعلق بزبد البحر حتى ولو كان هذا الزبد حفنة من عواجيز الحزب الاتحادي الديمقراطي والامة واحزاب الفكة..
العلاقة المشوهة بين حزب المؤتمر الوطني والورم السرطاني الخبيث الذي يسمى منبر السلام العادل،تجعل حديث المؤسسية او الحكم الراشد الذي يتغنى بها مسئولين المؤتمر الوطني ضرب من النفاق ليس إلا..واكبر دليل على ذلك إجهاض مبادرة د. نافع علي نافع وهي كانت خارطة طريق الوحيدة التي تخرج المؤتمر الوطني من النفق المظلم الذي ظل يتخبط فيه من 1989 …
هذا من امر منبر السلام كحالة من حالات الذكاء الاصطناعي القائمة على ايدولجية وافدة يمينية/الاخوان المسلمين تحتضر الان في بلد المنشا مصر …
***
وماذا عن اليسار المازوم الوافد ايضا ومعهد السلام الامريكي
كنت أظنه شان أمريكي وليس للسودانيين إليه من سبيل،حتى عرفت انه مؤسسة سودانية من ضمن المنظمات التي يؤسسها اليساريين السودانيين مثل منظمة سوات ومركز الدراسات السودانية..وهذا جعلني أتساءل؟ ما جدوى هذه المؤسسات ان لم يكن لها اثر مباشر في وعي 30 مليون سوداني، هل يا ترى حتى هذه اللحظة لم يسمعوا بفضائية الحرة أو خدمة البث المباشر أو حتى موقع سوادانيز اون لاين وهو واحد من انجح المشاريع السودانية في أمريكا وجهد فردي لشخص واحد يدعى بكري ابوبكر.. والساحة الوحيدة الحرة الديمقراطية إذا كانوا فعلا يملكون وعي ديمقراطي وسلوك أيضا.لكان لهم باس وورد فيها .. ويثمنون المنابر الحرة مثل الراكوبة وغيرها وأدوات التواصل الجماهيري وترك سياسة الأبراج العاجية غير المجدية ..
قال رينيه معلوف في برنامج نقطة حوار في البي بي سي :”كنا أكثر من سبعين سنتور أمريكي من أصل لبناني في الحزب الجمهوري دخلنا وشكلنا لوبي في إدارة بوش الابن وتمكنا من إخراج السوريين من لبنان”..هكذا تدار السياسة في أمريكا عبر المؤسسات الجادة..ما الذي أنجزه مركز السلام الأمريكي حتى الآن ؟!وما الدور الذي لعبه في انتخابات 2010 وما علاقته بي 18 مليون ناخب سجل في السودان.وما مدى تأثيره في القرارات الأمريكية التي تخص السودان والتي تتعلق بالتحول الديمقراطي.. وفي كشف ممارسات النظام غير الإنسانية في حروبه المستمرة على المدنيين في هوامش السودان الخمسة؟..
وطبعا بعد مراسلات عديدة دون أجد رد واحد منهم توصلت لحقيقة مرة أتمنى أن يجيب عليها القائمين على امر هذا المعهد هنا..
هذه المؤسسات التي يقيمها اليساريين في العالم الخارجي هل هي:-
من اجل السودان وشعبه الذي لم يسمع بها ولا يعرفها لأنهم لا يقدمون أنفسهم في الفضائيات أو مواقع الحوار السودانية ..
هل من اجل الأكاديميين والمبدعين السودانيين بصرف النظر عن من هم…
ام برستيج شخصي وشللية الشيوعيين المعروفة..
مركز السلام الأمريكي لا يرد على بريد احد لا يعرفونه ولا يحترم مشاريع احد ولا يتعامل مع احد..ولا يقدم شيء للأمريكيين يساعدهم في معرفة اتجاهات السودان كما فعل اللبنانيين الأذكياء..
وللأسف من أسوا ما يفعله كوادر الحزب الشيوعي على مر العصور في السودان هو “الشللية”…وهذا الأمر يجعلك ازهد ما تكون في التعامل معهم..وينطبق عليهم القول العربي القديم”تسمع بالشيوعيين خير من أن تراهم””…
وستظل حالة “الذكاء الاصطناعي” التي يمثلها اليمين واليسار السوداني الوافد من الخارج والذي تجسده مثل هذه المؤسسات اكبر عائق أمام أصحاب الذكاء الطبيعي من أبناء السودان ومن شعب السودان ومن أكاديميين السودان ومن مبدعين السودان عبر العصور…وإذا كانوا غير ذلك..فما ذلك الذي لا يكاد يبين؟؟ وما الذي أوصل السودان هذا القاع من 1956…؟! سبق ان قال حكيم سوداني الاخوان المسلمين والشيوعيين وجهين لعملة واحدة…ونحن نضيف لا قيمة لها في النظام العالمي الجديد وعصر العلم والمعلومات
***
ختاما
امر هام يشكل تعاسة السودان الحالية
عدم احترام المتعلمين من فصيلة (النعر)* للذكاء السوداني ذو البعدين عبر العصور
البعد الاول: الذكاء الفطريnatural intelligence
وهذا افضل نموذج له في المحيط العربي شيخ زايد حكيم العرب الذى صنع معجزة الامارات..وفي السودان السيد عبدالرحمن المهدي ورجال الادارة الاهلية من امثال بابو نمر ودينق مجوك وابوسن
البعد الثاني: الذكاء الابداعي:creative intelligence
وهذا يشمل المثقفين الحقيقيين والمتخرجين من غردون او ما بعدها من الجامعات مثل محمود محمد طه وجون قرنق ومنصور خالد وفرانسيس دينق…الخ
النعر: الذكاء الاصطناعي artificial intelligence] وهؤلاء معتنقي الايدولجيات القادمة من خارج الحدود ومختلي الوعي والشعور ولا يحترمون السودان وكل ما هو سوداني يعيشون في عالمهم المزيف ويعيقون التغيير عبر العصور ومنهم اصحاب المؤسسات اعلاه من اخوان مسلمين وشيوعيين وبعثيين وناصريين وانصار سنة وولاية فقيه”( نخب المركز)… وان تفاوتوا في السوء
النعر*:ضرب من الذباب يدخل في انف الابل ويورمها وتقول العرب فلان له نعرة إذا صعر خده للناس كبرا واستكبارا
[email][email protected][/email]
تحليل منطقي
الاستاذ عادل
تعجبني مقالاتك وتحليلاتك رغم اختلافي معك من حيث الاتجاهات الفكرية، واعتقد انك تتناول قضايا عميقة لها علاقة وثيقة بعصب مشاكلنا، ولكني أحس أحياناً بأنك تفرط في الغلو عند الوصول الى الاستنتاجات رغم سلامة المنطق المتبع، وصراحة اجد لك العذر بسبب الفشل المريع الذي يشعرك كما يشعرنا بالاحباط والغضب مما يحدث لنا ولوطننا الحبيب. والله المستعان.
ورايك شنو في الروشتة العلاجية دي قبل ما يموت السودان بالسكتة الدماغية وتتحلل اطرافه
العودة للشعب يقرر-الانتخابات المبكرة-The Three Steps Election عبر تفعيل المؤسسات الدستورية واعادة هيكلة السودان هي المخرج الوحيد الامن للسلطة الحالية..بعد موت المشروع الاسلامي في بلد المنشا مصر يجب ان نعود الى نيفاشا2005 ودولة الجنوب والدستور الانتقالي والتصالح مع النفس والشعب ..الحلول الفوقية وتغيير الاشخاص لن يجدي ولكن تغيير الاوضاع يجب ان يتم كالاتي
1- تفعيل المحكمة الدستورية العليا وقوميتها لاهميتها القصوى في فض النزاعات القائمة الان في السودان بين المركز والمركز وبين المركز والهامش-وهي ازمات سياسية محضة..
2– تفعيل الملف الامني لاتفاقية نيفاشا ودمج كافة حاملي السلاح في الجيش السوداني وفتح ملف المفصولين للصالح العام
3- تفعيل المفوضية العليا للانتخابات وقوميتها وتجيهزها للانتخابات المبكرة
4- استعادة الحكم الاقليمي اللامركزي القديم -خمسة اقاليم- باسس جديدة
5- اجراء انتخابات اقليمية باسرع وقت والغاء المستوى الولائي للحكم لاحقا لعدم جدواه
6- اجراء انتخابات برلمانية لاحقة
7- انتخابات رائسية مسك ختام لتجربة ان لها ان تترجل… ومراجعة النفس والمصالحة والشفافية والعدالة الانتقالية-
…
من اكبر اخطاء الرئيس نميري التي لا يجب ان تتكرر انه لم يلتزم باتفاقية اديس ابابا1972 بسبب التحريض من -نفس الناس- الذين لا زالو في الساحة السياسية ويديرون الشان السوداني وبوعي جمهورية العاصمة المثلثة المترف بتاع 1964. ومكن الاخوان المسلمين من السلطة في عهده وجاءو بقوانينهم الفاشية1983 وبنوكهم الاسلامربوية ليدخل السودان في النفق المظلم ويهتريء القضاء والاقتصاد الى يومنا هذا.كان عليه ان يفعل مافعله جليوس نايريري -فتح الحريات العامة والتعددية وارجاع الامر للشعب مصدر السلطات يقرر بعد ان يصنع حزب تحالف قوى الشعب العاملة..
والان عندنا نفس حالة ادمان الفشل تسير على قدم وساق مع -نفس الناس- وان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم
الانتخابات 1954 حررت السودان من الانجليز ..معقول ما تحررم من شنو في 2013؟؟؟!!
الاخ عادل،
إذا كنت تقصد بالاسلاميين من ينتمون لأي مما يسمى باحزاب وحركات الاسلام السياسي فأنا لست منهم، ورغم أن لا علاقة لهذا بقضيتنا ولكنني أعرف أنه يؤثر على الكثير بسبب المرارات حتى صار كل من يذكر كلمة الاسلام هو تحت اضواء مجهر الاتهام.
(1)
تعريفك للشريعة يدل على أن مشكلة إستخدام مصطلحات دون ضبطها هي مشكلة معظم اليساريين وليس العكس، وقد اشرت الى هذا بكثير من مداخلاتي مع البعض بالراكوبة (أعتقد أن أحدها كان مع شخصك الكريم) ورغم ذلك لم اجد ضبطاً للمصطلحات، و المشكلة الاخرى لديكم هي قبول مبداء الاجتهاد في تطوير فكركم وتطوير أقوال مرجعياتكم الفكرية بينما ترفضون وتنكرون ذلك على الاخرين رغم قيام مرجعيتهم على مبداء الاجتهاد واعمال العقل لفهم المقاصد. وقد كان الاجدر بجميع الاطراف (و الاجدى) هو مناقشة الاجتهاد ومبرراته وأدلة صحته وثبوته والاهداف المراد تحقيقها منه وكل ذلك وفقاً لأسس ومبادئ الايدلوجيا المحددة ثم مناقشة مدى تحقيق النموذج للمصلحة من عدمه، فتحقيق المصلحة ليس حكراً على فريق دون الآخر ويجب على الجميع التخلي على الوصاية وفق أوهام الفوقيات الكاذبة!
عموماً الشريعة لا تعني الحاكمية لله وفق حفنة او صفوة من علماء السوء الموالين دائما للحاكم، و لم يمر علي إطلاقاً مثل هذا التعريف فأرجو إفادتي بمصدره للإطلاع ومحاولة فهم المقصود منه؟
نقطة اخرى هامة هي ضرورة التفريق بين الشريعة وبين الفقه، وبين القطعيات والثوابت وبين الظنيات والامور الاجتهادية.
أجمع علماء الفقه على أن كل ما يحقق المصلحة فهو شريعة (حيثما تكون المصلحة فثمّ شرع الله)، وبالتالي فإن تعارض الاجتهاد مع المصالح (الحقيقية وليست المتوهمة او اللحظية) دليل على فساد الاجتهاد!!!
(2)
دائماً ما ينظر الى بعض المصطلحات بصورة تتماشى سلبيتها مع حملات التشويه القديمة والمنظمة والتي نجحت في الكثير للأسف، لا يوجد إجماع على أن الخلافة هي من شروط الشريعة، و بغض النظر عن ذلك فالخلافة كمفهوم لا تعني ركوب الخيول وحمل السيوف وجلب السبايا والإماء ليستفيد منها المركز دون الاقاليم، وحتى في الحكم اللامركزي بالدولة الحديثة فهناك مساهمة من الاقاليم لتسيير أمر الدولة على المستوى الفدرالي والسيادي ولا يعني هذا حصر كل الثروة بالمركز، و الخلافة كمفهوم يشابه ما يسعى العالم اليه اليوم من تكتلات (إقتصادية، سياسية، أمنية، …الخ) مثل الاتحاد الاوروبي ومجموعة الثمانية ودول عدم الانحياز ودول الخليج العربي والاتحاد الافريقي وغير هذا من التكتلات، ولم نسمع بأحد يطعن في هذه التكتلات بحجة أنها طمس للهويات او غيره (معظم الاعتراضات نتيجة سياسات اقتصادية مرتبطة بفخ العولمة الذي اشرت اليه من قبل)، فلماذا لا ينظر للخلافة من هذا المنظور مع الاجتهاد في تطبيقها (عندما تتهياء المجتمعات) بصورة عصرية بعيدة عن الصورة النمطية (السطحية) المرتبطة بالخيل والاماء والجواري والذهب والفضة الملقاة أمام الخليفة والحاكم الغرق بين كؤوس الخمر وصدور الجواري!!!!
لعبة المصطلحات لتحقيق غلبة فكرية (آيدلوجية) دون مراعاة المعاني والمقاصد والاهداف هي لعبة خطيرة، فما دعوت اليه في مداخلتك من “ديمقراطية إشتراكية” كانت سبباُ وفقاً للكثيرين لحدوث الشقاق الكبير بين الاشتراكيين أثناء حركات التطور فيما بعد الحرب العالمية الثانية، فبعد ظهور تيارات ليبرالية داعية للاصلاح بتبني بعض المفاهيم الاشتراكية فيما يعرف بالنيوليبرالية ظهر تيار اشتراكي ساعي للاصلاح والاستفادة من التجارب حيث لم تكن له مشكلة مع المصطلحات طالما ان الاهداف والمعاني قد تقاربت فوضعوا ما يسمى ب “الطريق الثالث” لتطوير الاشتراكية الحديثة، بينما ظهر التيار الثاني الذي يهتم فقط بضرورة الانتصار على الليبرالية وعدم اتاحة الفرصة لها لانتحال مبادئ الاشتراكية لتطوير نفسها وبالتالي رفضت “الطريق الثالث” ومفاهيمه لأنهم يعتبرون أن هذا مدخل للخلط مع النيوليبرالية وقبولها وبالتالي ضياع الاشتراكية. وعليه فإن دمج المصطلحات لخلط الافكار والتجارب هو أمر مرفوض من قبل عدد من نظراؤك من الاشتراكيين وبالتالي يجدر بك وبنا رفضه أيضاً.
وعموماً، فالمقصود هو أن النظر لتحقيق الغلبة الفكرية بإطلاق المصطلحات وفقاً لعصبية آيدلوجية بدلاً عن النظر الى الاهداف وفهم الاجتهادات ومدى موافقتها عملية الوصول لهذه الاهداف هو من المهلكات الفكرية والعملية.
لا يخلو تاريخ الديمقراطيات (ليبرالية، إشتراكية، الخ) من الجرائم البشعة والاخطاء ولكن بالتأكيد لن يرميها من يعتقد فيها بسبب هذه الاخطاء، فما بالك بمنهج مصدره القرآن السنة كيف نرميه لأن أموياً أو عباسياً قد فعل كذا وكذا، فكل يؤخذ ويرد في قوله إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم.
(3)
لا يوجد عملياً رئيس مسلم في دولة ذات غلبية مسيحية مهما كانت ديمقراطيتهم، فحتى المجتمعات ذات الديمقراطية الاجتماعية وليس السياسية فقط (كأمريكا) لا تتحقق فيها المصاواة المطلقة التي تتحدثون عنها، فعندما أتهم أوباما بأنه مسلم تأثرت شعبيته نتيجة الحملات المكثفة بكافة الاجهزة الاعلامية حتى أضطر الى الظهور رسمياً وإنكار التهمة، فلماذا تصرون على إثارة نقاط هي كلمات على ورق وتتناقض مع الواقع حتى في أكثر المجتمعات ديمقراطية!!
المسيحي يمكن أن يكون نائباً للرئيس وأي منصب قيادي آخر، ويمكن أن يشاركوا بكافة مستويات إدارة الدولة وفقاً لكفاءتهم ولا تمنعهم الشريعة على ذلك طالما راعوا عهدهم معنا وفقاً لما يعرف اليوم بحقوق المواطنة.
(4)
أنا لا أدعو الى نفس تجربة المركز وكان تعليقي هو إضافة خطوة لما ذكرته فلا أدري من أين أتتك هذه الفكرة. فإذا كان قصدك هو موضوع الخلافة فقد أجبت عليه أعلاه وأما أن كان قصدك هو إشارتي لكل القوى السياسية الموجودة فقد عنيت بذلك كافة القوى حتى ذات الاهداف الإقليمية (أو الولائية حالياً) أو الوطنية أو غيره وذلك لفترة مرحلية لحين الاتفاق على المبادئ والدستور وننتقل بعدها الى نظام الحكم اللامركزي، وإلا عدنا مرة أخرى الى دوماة التهميش وفقاً لأبعاد جديدة لا علاقة لها بالاقاليم فقط!!
(5)
إذا كنت تثق في الشعب وخياراته فلماذا تريد حصر خارطة الطريق فيما توصل اليه فريق “علي” وفريق “قرنق” فقط، لماذا لا يشترك الجميع الآن في صنع خارطة يستفتى فيها الناس دون وصاية وفوقية كاذبة من أحد، فلا نريدها من رابعة “تقدس سرها” أو مدينة نيفاشا الجميلة “لذ طيبها”؟!!!
ومشكور على التعقيب
الاخ الفاضل عادل،
أحاول إختصار التعليقات ولكن تشعب المواضيع لا يساعد.
أنا ضربت لك المثل بدول بها مجتمعات ديمقراطية وليس فقط مجرد ديمقراطية سياسية يتلاعب فيها بالمجتمعات وفقاً لمؤثرات مثل القبلية والمال وغيره والفرق كبير، ولا أريد الخوض في مغالطات مدى تحقق الديمقراطية في الامثلة التي ضربتها ولكن الشاهد هو أنني لا أحاول مط الشريعة ولكني أوضح لك بأن ما تنتقده موجود في أعظم الديمقراطيات التي طبقت الديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي والتي أستقيتم منها أفكاركم ولا مجال لإنكار ذلك.
الجدال في موضوع الشريعة يشبه من يريدون بناء منزل من مائة غرفة بها غرفة واحدة مختلف في تصميمها، وبدلاً عن عن البدء في بناء الـ 99 غرفة فإنهم يتصارعون على الخلاف بهذه الغرفة الواحدة. الشريعة هي كل ما أمر الله به عباده لتحقيق صلاح حياتهم في القرآن أو عن طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم عبر تنظيم علاقاتهم مع ربهم وبين بعضهم ومع الكون، ولو نظرت الى التوابت والامور القطعية (وهي الملزمة) فستجد أنها لا تمثل شيئاً من حيث الكم بالنسبة الى ما تركته الشريعة إجمالاً أو تركاً، وبالتالي فمعظم الشريعة هي منطقة العفو التي تركت تماماً للاجتهاد كما ذكرت لك، وطالما أن الخلاف في القضايا الخلافية فلا يحق لشخص أن يصادر آراء الاخرين ويحق للجميع الاجتهاد المبني على الدليل فيما فيه نص مجمل قابل للتأويل والاجتهاد التام فيما ترك تماماً وهو الأكثر، ويبذل كل فريق أفكاره و(برامجه) للناس لإقناعهم بها ويترك التحديد في النهاية لخيار الناس. وبهذه المناسبة فأنا لم أفترض قط أن الاغلبية هي “أهل القبلة” ولكني أقول بأنه لا يجوز الاقصاء بحجة إقصاء أي مرجعية دينية عن ما يتعلق بأمور الدولة أو أي نظرية أخرى توصل لها الترابي أو محمود أو غيرهم، وعلى الكل أن يبذل رأيه المدعم بالادلة في حالة الامور الاجتهادية أو الاجتهاد المطلق في غير ذلك وتسويق ذلك للناس وإقناعهم وبعدها فالامر متروك لهم في قبول الافكار (البرامج) بكافة المجالات الاقتصادية، الاجتماعية، الدستورية او القانونية، …الخ. وفي كل الاحوال فغير المسلمين غير ملزمين بالشريعة وفقاً لمبادئ الشريعة نفسها، وموضوع ضوابط إختيار الحاكم وفقاً للدستور الذي سيوضع متروك للناس كما قلت.
هناك كتاب للدكتور حامد الرفاعي أسمه (شركاء لا أوصياء) تناول فيه قضية الشريعة بصورة تزيل الكثير من الجدل الدائر الآن سواء أن من المتاجرين أو المتطرفين في تطبيقها أو من المعارضين لها، والرجل مختص في حوار الاديان وعضو في مؤسسات عالمية، وهو مؤسس ورئيس المنتدى الإسلامي العالمي للحوار حيث قام بتوقيع عدة اتفاقيات للحوار مع الآخر مثل الفاتيكان، ومجلس كنائس الشرق الأوسط، ومركز في روسيا نسيت أسمه، والجمعية البوذية الصينية العالمية.
عموماً، أنا اتحدث عن مبداء (بعيداً عن التفاصيل) وهو أنه لا يحق لأحد أن يقصي الآخرين بإدعاء كمال ما توصل له وفشل أفكار الآخرين المطلق وفقاً لاحكام عامة على قوالب فكرية تسقط على الجميع دون فرز، ومن غير ذلك فسنظل ندور في نفس الحلقة المفرغة ونستبدل فاشية بفاشية!!
ودعني اختصر عليك الكثير وأقول لك بأنني لا أنتمي لأي من الاحزاب السياسية الموجودة الآن ورغم ذلك لا أعطي نفسي الحق في إقصاء أي منها، وأنا لا أتعصب لآيدولوجية تعصباً أعمى (وهو ما دعوت اليه بأحد مقالاتك) بل أعمل عقلي وأجتهد وأبدي رأيي وأستمع للرأي الآخر (دون التأثر بالاحكام المسبقة والمعلبة عن القوالب الآيدلوجية) عسى أن أجد في الرأي صوابا، وكما قلت لك فإنني مثلاُ أقبل كثيراً من أفكار محمود السياسية رغم خلافي معه في بعض إجتهاداته الدينية ولأسباب وأدلة أقتنع بها وليس فقط لأن فلان قال أو علان فعل حيث أنني مقتنع بأن نية الرجل كانت هي الاجتهاد والتجديد، وبهذه المناسبة فأنني أطلعت على الكثير مما كتبه محمود بقراءة كتبه أو مقالاته وجزء من ذلك من الموقع الذي تكرمت بذكره وأحاول القراءة له ولغيره كلما سنحت لنا فخاخ الحياة اليومية.
وبالنسبة لقول البشير عن إتفاقية نيفاشا فبالغت يا اخ عادل، هل اصبح مرجعنا الآن هو ما يقوله البشير في لحظة تجلي او نشوة رقص!!
و كما أن صفة “الاسلامية” لا تعني اسلامية حركتهم فإن صفة “الشاملة” لا تعني مطلق شمول اتفاقيتكم!!
سودانيتي أو سودانيتك هو أمر غير قابل للمزايدة والمتاجرة به، فلا فرق بين المتاجرة بالدين وبين المتاجرة بصكوك الوطنية والانتماء، وسودانيتي ليست مرتبطة بالاقتناع بأفكار محمود أو منصور خالد او الترابي أو غيرهم وهذا لا ينفي إمكانية قراءة كتبهم للإستفادة لأن كل فكر واجتهاد به ما يصيب وما يخيب. وحتى مؤلفي الكتب التي ذكرتها قد إستقوا كثير من فكرهم من التجارب الانسانية خارج إطار السودانية وحاولو إسقاطها على الواقع السوداني مع الاجتهاد في المواءمة ولا يطعن هذا في سودانيتهم.
دستورية المناصب لا تعني شيئاً إذا لم يضبط الدستور نفسه وتحدد ثوابته (ديباجته) وتضبط طرق تعديله، وأما دولة الجنوب فلا علاقة لما يحدث فيها بما تظن، بل هو صراع مصالح يتجاوز فيه الدستور نفسه، وهذا كلام شخص يعرف ما بداخل الدهاليز وليس مجرد إجتهاد!
عموماً محاولة حصر الحلول في أفكار محمود فقط أو في إتفاقية نيفاشا أو أي منتج يتبع لفئة أو فئتان التقتا كل تقاتل لمصالحها هو عين التعصب الاعمى والإقصاء. والاختلاف سيظل موجوداً ولكن صاحب كل فكر ورأي يجب أن يدفع بحججه دون تطرف وإقصاء للآخرين أحساساً منه بفوقية لا تكتمل عملياً لأي فئة دون الآخرين، وكما ورد في المقولة التي تنسب (خطاءاً) لفولتير (“قد أختلف معك في الرأي ولكنني على استعداد أن أموت دفاعاً عن رأيك”).
وكلنا نسعى لتجاوز الحضيض يا عادل ولكن تصور امتلاك حق أيجاد الحلول دون الآخرين هو أحد أسس البلاوي، ورغم عدم قناعتي ببرامج كافة الاحزاب التي ضربت بها المثل ولكني على قناعة بأنه لا أنا ولا أنت ولا غيرنا يملك حق قرار إقصاء حزب كامل والحكم على كل أفكاره ومعتنقيها بالفشل دون إعطاءهم حق المشاركة في إبداء رأيهم لحل المعضلة، فالمرجع في النهاية هو هذا الشعب الذي تجرع من كؤوس كل هؤلاء وعرف سموم كل منهم وبالتالي هو جدير بإنتقاء ما فيه الصلاح وترك الزبد في فكر كل حزب او جماعة ليذهب جفاءا.
حاول أن تناقشني وفق ما أقول دون إسقاط ما أقوله على قوالب معينة لأن ذلك يعيقك عن فهم مقاصدي بغض النظر عن صحتها من عدمه، كما سيصعب علي شرح قناعاتي عوضاً عن نفي علاقتها بهذه القوالب بصورة صلبة وجامدة. وصدقني يستحيل إستخراج حلول مشكلتنا من قالب واحد فقط ولا بد من الاجتهاد في الانتقاء والتجديد مع مراعاة المعطيات الاقليمية والعالمية وصراعات المصالح التي تقتضي ملاحظة أنه ليس كل ما يلمع ذهباً ويكفي لمعرفة ذلك قراءة كتب مثل “فخ العولمة” و “أوهام ما بعد الحداثة” وربما الاطلاع على بعض كتب سلسلة “قصة الحضارة” للتخلص من بعض التشوهات التاريخية المتداولة، وكل هذه الكتب ألفت بواسطة مؤرخين ومفكرين وفلاسفة كبار!